12 من كبار مديري شركات الطاقة الروس “سقطوا من النوافذ” منذ 2022
الاقتصاد الروسي ليس في حالة انهيار كامل، لكنه يعاني حالة من الجمود مصحوبة بتضخم مرتفع، ما يجعل هذا التراجع الاقتصادي بمثابة نقطة تحول محتملة؛ إذ قد تنفد احتياطيات روسيا السائلة، الأمر الذي قد يدفع الكرملين إلى خفض الإنفاق العام.
لعدة أشهر، ظل معدل التضخم الرسمي في روسيا يدور حول 10%.
وفي يونيو، تفاخر البنك المركزي الروسي بانخفاض المعدل إلى 9.4%، لكنه أفسد أجواء الاحتفال سريعاً بالإعلان أن توقعات التضخم خلال عام بلغت 13%، وهو ما قد يعكس المعدل الفعلي للتضخم حالياً.
ومع ذلك، أقدم البنك المركزي في 25 يوليو على خفض سعر الفائدة المرتفع جداً، الذي أضعف النمو وتسبب في أزمة ائتمان حادة، من 20% إلى 18%.
صحيح أن الاقتصاد الروسي بدا نشطاً بشكل مفاجئ في عامي 2023 و2024، مع بلوغ معدل النمو الرسمي 4% سنوياً، لكن ذلك كان إلى حد كبير نتيجة إحياء الحكومة الروسية لمصانع عسكرية سوفيتية قديمة فيما وراء جبال الأورال.
إضافة إلى ذلك، قد تكون أرقام النمو الفعلية مبالغاً فيها؛ إذ تم إخفاء جزء من التضخم عبر بيع الشركات المملوكة للدولة منتجاتها للحكومة بأسعار إدارية، حسب ما نقله موقع “بروجكت سنديكيت”.
في كل الأحوال، تراجع النمو الرسمي هذا العام على الأرجح إلى نحو 1.4% في النصف الأول من 2025.
ومنذ أكتوبر 2024، بدأ الكرملين نفسه يقر بأن روسيا تمر بحالة ركود تضخمي، وهو ما جرى تأكيده في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي السنوي في يونيو.
التحسن يبدو مستبعداً؛ إذ تتآكل الاحتياطيات المالية، وتتراجع إيرادات الطاقة، وتزداد حدة نقص العمالة والتكنولوجيا المستوردة، وكلها عوامل مرتبطة بالحرب والعقوبات الغربية.
منذ عام 2022، سجلت روسيا عجزاً سنوياً في الموازنة يعادل نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني حاجتها إلى 40 مليار دولار سنوياً لسد الفجوة.
وبسبب العقوبات المالية الغربية، لم يكن لدى روسيا أي وصول فعلي إلى التمويل الدولي منذ عام 2014.
حتى الصين لا تجرؤ على تمويل الدولة الروسية علناً خوفاً من العقوبات الثانوية، إذ فرض الاتحاد الأوروبي مؤخراً عقوبات على مصرفين صينيين صغيرين لهذا السبب.
وبالتالي، تعتمد موسكو على الموارد المالية السائلة في صندوق الرفاه الوطني، الذي تراجع رصيده من 135 مليار دولار في يناير 2022 إلى 35 مليار دولار بحلول مايو 2025، ومن المتوقع أن ينفد خلال النصف الثاني من هذا العام.
تقليدياً، كان نصف إيرادات الموازنة الفيدرالية الروسية يأتي من صادرات الطاقة، التي كانت تمثل ثلثي إجمالي الصادرات.
لكن في مواجهة العقوبات الغربية، تراجعت الصادرات الروسية الإجمالية بنسبة 27% من 592 مليار دولار إلى 433 مليار دولار بين عامي 2022 و2024.
وقد افترضت الموازنة الفيدرالية لعام 2025 سعراً للنفط عند 70 دولاراً للبرميل، لكن الأسعار تدور الآن قرب سقف التسعير الغربي البالغ 60 دولاراً للبرميل، بينما حدد الاتحاد الأوروبي سقفاً عند 47.6 دولار لبرميل النفط الروسي الذي يواصل شراؤه.
كما فرض الغرب عقوبات على ما يقرب من 600 ناقلة ضمن أسطول الظل الروسي، ما سيقلص إيرادات الموازنة الروسية بما لا يقل عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي ظل هذه المعطيات، أعلن الكرملين أنه رغم عزمه إنفاق 37% من الموازنة الفيدرالية، أي ما يعادل 195 مليار دولار (7.2% من الناتج المحلي الإجمالي)، على الدفاع والأمن القومي هذا العام، فإنه سيتعين عليه خفض الإنفاق الفيدرالي من 20% من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 17%.
وبما أن الحكومة قد خفضت بالفعل الإنفاق غير العسكري إلى الحد الأدنى، فإنها تزعم أنها ستقلص الإنفاق العسكري بمقدار غير محدد في عام 2026.
يُعد خفض الإنفاق العسكري في ذروة الحرب إشارة غير مبشرة، إذ يشير المعلق إيغور سوشكو إلى أن “الكونفدرالية فعلت ذلك بين 1863 و1865 (الحرب الأهلية الأمريكية)، وألمانيا بين 1917 و1918 (الحرب العالمية الأولى)، واليابان بين 1944 و1945 (الحرب العالمية الثانية)”، وفي كل مرة كانت النتيجة “هزيمة عسكرية كاملة”.
لكن قوة الاقتصاد الفعلية ليست هي القضية الأساسية.
فبينما تنفق أوكرانيا نحو 100 مليار دولار سنوياً على الدفاع، أي ما يعادل 50% من ناتجها المحلي الإجمالي، لا يشكك أحد في ذلك، لأن الحرب بالنسبة للأوكرانيين مسألة وجودية، ولن تبقى البلاد إذا خسرت الحرب.
أما روسيا، فتنفق فقط 7% من ناتجها المحلي الإجمالي على الحرب، وهي حرب اختارها الرئيس فلاديمير بوتين، وليست مسألة وجودية لروسيا، بل لبوتين وحده.
ولو كان يحظى بتفويض شعبي، لكان بإمكان روسيا زيادة الإنفاق الحربي بشكل أكبر، لكنه على ما يبدو لا يعتقد أن شعبيته ستتحمل تخصيص مزيد من الموازنة لهذا الغرض.
في الوقت نفسه، يتضح بشكل متزايد أن هناك ما هو فاسد في روسيا إلى جانب الاقتصاد.
فقد تراجعت روسيا إلى المرتبة 154 من بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، بينما جاءت أوكرانيا في المركز 105.
ومنذ بدء الحرب، لقي نحو 12 من كبار مديري شركات الطاقة الروس حتفهم في حوادث سقوط من النوافذ.
ومؤخراً، حُكم على نائب وزير الدفاع السابق تيمور إيفانوف بالسجن 13 عاماً على الأقل بتهمة الفساد، وانتحر وزير النقل رومان ستاروفويت، على ما يُقال، بعد ساعات من إقالته من قبل بوتين، كما تم اعتقال ملياردير يعمل في تعدين الذهب وتأميم شركته لدعم خزينة الدولة.
كان هؤلاء من كبار المسئولين، إذ كان إيفانوف من المقربين لوزير الدفاع السابق سيرغي شويغو، بينما كان ستاروفويت الذراع اليمنى لأركادي روتنبرج، الصديق المقرب لبوتين.
وتعكس هذه التطورات مؤشرات واضحة على عدم استقرار الاقتصاد الروسي.
وتفاقم الأزمة المالية أيضاً أزمة نقص حاد في الأيدي العاملة، خاصة المؤهلة منها.
ورغم أن معدل البطالة الرسمي يبلغ 2% فقط، فإن ذلك يعود جزئياً إلى مغادرة عدد كبير من الروس البلاد.
فمنذ اندلاع الحرب، وخاصة بعد محاولة بوتين تعبئة جزئية في عام 2022، فر نحو مليون شخص من البلاد، بينهم عدد كبير من الرجال الشباب المتعلمين.
ومنذ ذلك الحين، لم يجرؤ على تنفيذ تعبئة أخرى.
والآن، يعيق نقص العمالة الإنتاج ويرفع الأجور، بينما تحد قيود التصدير الغربية من إمدادات روسيا من السلع عالية التقنية، رغم أن الإمدادات الصينية خففت من حدة التأثير.
يقترب الاقتصاد الروسي بسرعة من أزمة مالية قد تثقل كاهل جهوده الحربية.
ورغم أن ذلك قد لا يكون كافياً لإجبار بوتين على السعي للسلام، فإنه يشير إلى أن الخناق يضيق عليه.
0 تعليق