أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، الثلاثاء، أن الاضطرابات الإقليمية لا تزال تقوض آفاق السلام والاستقرار في اليمن، حيث "لا يزال الوضع هشا للغاية".
وقال غروندبرغ، خلال إحاطته أمام اجتماع لمجلس الأمن، إنه لكي يحظى اليمن بفرصة حقيقية للسلام، يجب حمايته من الانجرار أكثر إلى الاضطرابات الإقليمية المستمرة الناجمة عن حرب غزة.
وأضاف: "يجب أن تتوقف الهجمات على السفن المدنية في البحر الأحمر. كما يجب أن تنتهي الهجمات الصاروخية على إسرائيل والهجمات الإسرائيلية التي تتبعها على اليمن".
وأشار إلى مصادرة شحنة كبيرة من الأسلحة والتكنولوجيا مؤخرا قبالة سواحل اليمن على البحر الأحمر، موضحا أن ذلك يؤكد أهمية تذكير جميع الدول الأعضاء بالتزامها بالامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحظر الأسلحة.
وتحدث غروندبرغ أيضا عما يمكن للأطراف في اليمن تحقيقه من تقدم نحو محادثات سياسية أوسع نطاقا من خلال إيجاد حلول وتسويات تمكن الاقتصاد اليمني من العمل بفعالية لتوفير السلع والخدمات للجميع، مضيفا أن "المزيد من التصعيد والتشرذم الاقتصادي ليس في مصلحة أحد".
ورحب بالخطوات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن، والحكومة اليمنية، لمعالجة انخفاض قيمة العملة مؤخرا، لافتا إلى اتخاذ الأطراف قرارات أحادية وتصعيدية تنذر بتعميق الانقسامات داخل المؤسسات وهياكل الدولة.
وجدد الدعوة إلى إطلاق سراح 23 موظفا أمميا لا يزالون محتجزين في اليمن إلى جانب محتجزين آخرين من منظمات غير حكومية وطنية ودولية، ومنظمات مجتمع مدني، وبعثات دبلوماسية، فورا ودون قيد أو شرط.
وقال غروندبرغ أيضا: "يجب أن نبقى ثابتين في جهودنا المشتركة لدفع اليمن نحو مستقبل ينعم فيه بالسلام مع نفسه ومع المنطقة".
نص إحاطة المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
شكراً لك، السيد الرئيس.
لا تزال الاضطرابات الإقليمية تقوّض فرص إحلال السلام والاستقرار في اليمن، في ظل وضع بالغ الهشاشة. وهناك حاجة ملحّة إلى اتخاذ تدابير استباقية وبراغماتية، تمهّد الطريق للسلام في اليمن. ويجب أن نواصل جهودنا المشتركة لدفع اليمن نحو مستقبل ينعم فيه بالسلام داخليًا وفي المنطقة.
في الشهر الماضي، عندما قدّمتُ إحاطتي لهذا المجلس، حددتُ ثلاث أولويات لإرساء أسس لحلول دائمة في اليمن. أولها دعم خفض التصعيد على خطوط المواجهة، والعمل مع الأطراف على أسس وقف إطلاق النار. ورغم أن خطوط المواجهة اتسمت في أغلب الأحيان بمستويات مستقرة من الأعمال العدائية، فإننا شهدنا في 25 يوليو/تموز هجوماً كبيرًا على جبهة العلب في محافظة صعدة، أسفر عن أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من الجانبين. كما نشهد قيام أنصار الله بتعزيز مواقعهم، بما في ذلك حول مدينة الحديدة. هذه التطورات مثيرة للقلق وتبرز الحاجة إلى تهدئة فعّالة وحوار أمني بين الأطراف.
ففي الأسبوع الماضي، اختتم مكتبي جولة جديدة من الاجتماعات مع الحكومة اليمنية والجهات الفاعلة في المجال الأمني الإقليمي، تحت رعاية لجنة التنسيق العسكري التي تيسّرها الأمم المتحدة. ويُعدّ عمل لجنة التنسيق العسكري بالغ الأهمية لخفض التصعيد على خطوط المواجهة، وللتحضير لتنفيذ وإدارة وقف إطلاق نار مستقبلي. وعلى مدار الأسبوع، ناقشت الأطراف دور لجنة التنسيق العسكري في خفض التصعيد على خطوط المواجهة التي شهدت تجدّدًا للأعمال العدائية خلال العام الماضي. كما تناولت التحديات في المجال البحري، واستعرضت الخيارات المتاحة في حال العودة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار.
تتمثل الأولوية الثانية في إرساء مسار للمحادثات بين الأطراف بما يتماشى مع الالتزامات التي تم التعهد بها تجاه خارطة الطريق في ديسمبر/كانون الأول 2023. ولعدم فقدان البوصلة تجاه هذه الالتزامات، من الضروري الاستمرار في اتخاذ تدابير تبني الثقة وتحسّن الحياة اليومية لليمنيين. وفي هذا الصدد، نشهد زخمًا إيجابيًا ومتناميًا لتحسين الوصول إلى الطرق في عدد من مناطق البلاد، ولا سيما الطريق الذي يربط بين محافظتي البيضاء وأبين. وأود أن أشيد بالمساهمات القيّمة التي قدّمتها منظمات المجتمع المدني في دفع تلك الجهود، وأعرب عن دعمي الكامل لهذه المبادرات. أشجع الأطراف على التعجيل بفتح طرق حيوية إضافية، واتخاذ مزيد من الخطوات لتسهيل حركة الأشخاص والأنشطة التجارية. ويظل مكتبي على أتم الاستعداد لدعم الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف.
السيد الرئيس، يمكن للأطراف أيضاً إحراز تقدم نحو محادثات سياسية أوسع نطاقاً من خلال إيجاد حلول وتسويات تمكّن الاقتصاد اليمني من العمل بفعالية لتوفير السلع والخدمات للجميع. وفي مناقشات حديثة مع مسؤولين حكوميين وممثلين عن قطاع الأعمال والمجتمع المدني في عدن، واصل مكتبي الدفع باتجاه حوار لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلات الاقتصادية في اليمن. إن استمرار التصعيد والتشرذم الاقتصادي لا يصب في مصلحة أحد، فهو ينهك الأسر اليمنية ويكبّل القطاع الخاص، ومن الضروري إيجاد الإرادة والمساحة للتحرك، وقد حان الوقت لذلك.
وفي هذا الإطار، أرحب بالخطوات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن، والحكومة اليمنية على نطاق أوسع، لمعالجة انخفاض قيمة العملة في الآونة الأخيرة. وأهنئهما على التحسن الملحوظ في سعر الصرف في مناطق الحكومة اليمنية، كما أشيد بجهود الحكومة في استقرار أسعار السلع الأساسية في ضوء الارتفاع الأخير في قيمة العملة. وآمل أن تشكل هذه الخطوات بداية لتعافٍ مستدام.
السيد الرئيس، لتحقيق تقدم مستمر، كما ذكرت سابقاً، يتعين على الأطراف اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز الثقة وحسن النية. غير أننا، للأسف، شهدنا خلال الشهر الماضي ما يناقض ذلك، من خلال قرارات أحادية وتصعيدية تهدد بتعميق الانقسامات بين مؤسسات الدولة وهياكلها. ومن بين هذه القرارات إصدار أنصار الله عملات معدنية جديدة من فئة 50 ريالاً وأوراق نقدية من فئة 200 ريال، وهو ما يفاقم تجزئة الريال اليمني ويعقّد المناقشات المستقبلية لتوحيد الاقتصاد اليمني ومؤسساته. وهناك أيضاً أمثلة أخرى لقرارات أحادية تسهم في تفكيك المؤسسات بدلاً من توحيدها. هذه خطوات في الاتجاه الخاطئ. وبدلاً من ذلك، أحث على الحوار بين الأطراف باعتباره السبيل الوحيد للتوصل إلى حلول مستدامة وطويلة الأمد لجميع القضايا التي تمس الحياة اليومية لليمنيين.
الأولوية الثالثة هي مواصلة العمل مع المنطقة والمجتمع الدولي من أجل استقرار اليمن ودعمه. ويشمل ذلك تلبية الحاجة إلى ضمانات أمنية، بما في ذلك ما يتعلق بالبحر الأحمر. إن الضبط الأخير لشحنة كبيرة من الأسلحة ومعدات التكنولوجيا المتطورة قبالة ساحل اليمن على البحر الأحمر يؤكد مجدداً ضرورة تذكير جميع الدول الأعضاء بواجبها في الامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحظر الأسلحة.
السيد الرئيس، في أعقاب غرق سفينتين قبالة الساحل الغربي لليمن مطلع يوليو/تموز، لم يُرحَّل حتى الآن بعض أفراد طاقم سفينة إم/في إترنيتي سي الناجين إلى بلدانهم الأصلية. وأدعو أنصار الله بشدة إلى تسهيل عودتهم الفورية.
لكي يحظى اليمن بفرصة حقيقية للسلام، لا بد من حمايته من التورط المتزايد في دوامة الاضطرابات الإقليمية المستمرة نتيجة الحرب في غزة. ولذلك، يجب أن تتوقف الضربات ضد السفن المدنية في البحر الأحمر. كما يجب وقف الهجمات الصاروخية على إسرائيل والهجمات الإسرائيلية اللاحقة على اليمن. وإلى جانب تعقيد فرص الوساطة للتوصل إلى تسوية طويلة الأمد للنزاع في اليمن، أدى هذا التصعيد إلى تدمير شبه كامل لمرافق موانئ الساحل الغربي لليمن، مما يفرض ضغطاً هائلاً على البنية التحتية الحيوية في البلاد. فعلى سبيل المثال، استغرق تفريغ الشحنات في ميناء الصليف الشهر الماضي ثلاثة أضعاف الوقت مقارنة بشهر يونيو/حزيران، ولم ترسُ سوى سفينتين في يوليو/تموز، ظلتا في الميناء طوال الشهر. وتشكل الزيادة في أوقات الانتظار والتفريغ في ميناءي الحديدة والصليف مصدر قلق كبير نظراً لأهميتهما كنقطتي دخول أساسيتين للسلع الغذائية الضرورية.
يمكن إيقاف هذا المسار، لكننا نشهد بدلاً من ذلك مزيداً من التصعيد، لا سيما إعلان أنصار الله في 27 يوليو/تموز توسيع نطاق السفن التي ستستهدفها. هناك حاجة ماسة إلى خفض تصعيد العنف وتجديد التركيز على الدبلوماسية لحماية الشعب اليمني وتوفير استقرار إقليمي أوسع.
السيد الرئيس، يصادف اليوم الدولي للشباب. وفي اليمن، لا ينبغي الاستهانة بدور الشباب في تجاوز العقبات أمام العملية السياسية. ففي جميع المحطات البارزة التي خطاها اليمن نحو السلام والازدهار، كان الشباب في طليعة المطالبين بالمزيد من أصحابِ السلطة. ونحن نولي دورهم أهمية بالغة، وفي جلسات الحوار السياسي الأخيرة التي نظمها مكتبي استمعنا إلى رؤاهم الواضحة والواقعية، وكذلك إلى مخاوفهم بشأن التدهور الاقتصادي الذي يدفع بالشباب إلى جبهات القتال. ويتعين على جميع الأطراف بذل المزيد من الجهود لتمكين الشباب من الإسهام في بناء مستقبل اليمن.
السيد الرئيس، ما زال 23 موظفاً تابعين للأمم المتحدة، إلى جانب آخرين من المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية ومنظمات المجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية، في أوضاع يائسة. وهذا أمر غير مقبول. يجب الإفراج عنهم جميعاً فوراً ودون قيد أو شرط .
أود أن أشكر هذا المجلس مرة أخرى على مواصلته الدعوة للإفراج عن هؤلاء المحتجزين، وكذلك على دعمه الأوسع لليمن. وكما ذكرت مراراً، فإن التوصل إلى حل مستدام للوضع في اليمن ليس ممكناً فحسب، بل هو ضرورة ملحّة. ورغم أنه لا توجد حلول بسيطة للتحديات التي نواجهها، يجب أن نعزز جهودنا الجماعية مسترشدين بالتزامنا المشترك بإحراز تقدم دائم في اليمن.
شكراً جزيلاً، السيد الرئيس.
0 تعليق