رغم قوة وصلابة النظام الرقمي للبنوك العاملة في مصر، إلا أن التنفيذ الفعلي لإطلاق البنوك الرقمية ليس هينًا.
فإنشاء بنك رقمي ، يستلزم عددا من الاشتراطات والمقومات التي قد يفتقر إليها القطاع المصرفي، وربما تستغرق التراخيص بعض الوقت، لضمان استدامة نشاط البنك بكفاءة.
وكان مُقررا إطلاق “وان بنك”، أول بنك رقمي في مصر، خلال الربع الأول من 2025، بعد أن حصل على الرخصة المبدئية من البنك المركزي في مايو 2024، عقب مراجعة شاملة للبنية التحتية وأنظمة الأمن السيبراني الخاصة بها.. لكن مر الموعد دوت إطلاق.
بل انتهى الربع الثاني من العام ، فيما يقترب الربع الثالث من منتصفه، ولم يحدث جديد بشأن الموعد المؤكد لإطلاق “وان بنك”.
وتواصلت “البورصة”، مع شريف البحيري الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة مصر للابتكار الرقمي المسؤولة عن إطلاق “وان بنك”، لمعرفة وتحليل المعوقات التي أخرت خطوة الإطلاق حتى أغسطس الحالي، دون تحديد موعد مؤكد للإطلاق الفعلي.. لكنه لم يستجب بالرد.
وكشف مصدر مصرفي في أحد البنوك العاملة بمصر، رفض نشر اسمه، أسباب تأخر إطلاق “وان بنك”، قائلا:” السبب هو عدم استيفاء الشركة الإجراءات اللازمة “.
وكان البنك المركزي أقر في يوليو 2023، إطار ترخيص وتنظيم خاص بالبنوك الرقمية، استنادًا إلى أحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020.
وتم إصدار قواعد تنظيمية متكاملة تشمل الرقابة والإشراف على هذه البنوك، لتكون خاضعة لنفس معايير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب المطبقة على البنوك التقليدية.
الدماطي: “المركزي” ليس المتسبب في عدم إطلاق “وان بنك” حتى الآن
من جانبها استبعدت سهر الدماطي الخبيرة المصرفية، أن يكون “المركزي” هو المتسبب في عدم إطلاق “وان بنك” حتى الآن، موضحة أن إنشاء بنك رقمي يتطلب جهودا ضخمة وإجراءات معقدة. وإطلاق البنك يستغرق وقتًا طويلا، حتى إن سانده بنك حكومي بحجم “بنك مصر” بشكل أو بآخر.
أكدت الدماطي لـ”البورصة”، أن البنية التحتية التكنولوجية ليست عائقًا أمام إطلاق البنوك الرقمية في مصر، خصوصا أنه سيقدم كافة الخدمات التي يقوم عليها البنك التقليدي من ائتمان، واعتمادات مستندية، وسحب أو تحويل الأموال، ولكن عبر منصة رقمية متطورة.
أضافت أن مدى استيعاب السوق المحلية، لا سيما القطاع المصرفي ، وجود بنوك رقمية قد يتضح بعد بدء التشغيل الفعلي.
واعتبرت الدماطي، البنوك الرقمية بمثابة مستقبل القطاع المصرفي الذي يسهم في تسهيل العديد من العمليات البنكية اليومية، متوقعة أنه بمجرد إطلاق “وان بنك”، تصبح الإجراءات أكثر سهولة لاحقًا، ما يبشر بظهور أكثر من بنك رقمي خلال السنوات المقبلة.
النعماني: البنية التحتية تمثل أحد التحديات أمام البنوك الرقمية
وقال أحمد النعماني الخبير المصرفي، إن إطلاق بنك رقمي يتطلب مجموعة من العوامل المتشابكة ، منها اعتبارات خاصة بالتشريعات القانونية، بخلاف البنية التحتية التي تمثل أحد التحديات أمام البنوك الرقمية.
وتتضمن اشتراطات الترخيص للبنوك الرقمية، ألا يقل رأس المال المصدر والمدفوع عن ملياري جنيه في حالة ممارسة كافة أعمال البنوك، باستثناء تمويل الشركات الكبرى، مع إمكانية تمويل تلك الشركات شريطة زيادة رأس المال إلى 4 مليارات جنيه، وأن يكون المساهم الأكبر مؤسسة مالية ذات سابقة أعمال في أنشطة مماثلة بنسبة لا تقل عن 30% من إجمالي قيمة رأس المال.
أضاف النعماني أن بعض المناطق تفتقر الثقافة الرقمية، ما يحتم على القطاع المصرفي تعزيزها، ليتمكن السوق من استيعاب البنوك الرقمية ككيانات مستقلة قادرة على كسب ثقة العملاء.
وأوضح أن بعض المواطنين، ذوو الثقافة المالية المنخفضة، لديهم تخوفات من التعاملات الرقمية عبر الإنترنت أو ماكينات الصراف الآلي التي قد تشهد أعطالًا أحيانًا.
وتابع: “البنوك في حاجة لتعزيز وصولها للعملاء لرفع معدلات الشمول المالي”.
ورهن النعماني الإطلاق الفعلي لأول بنك رقمي، بارتفاع معدلات الشمول المالي إلى 80%، متوقعًا تحقيق تلك النسبة بحلول نهاية 2026 كحد أقصى.
وارتفع معدل الشمول المالي في مصر إلى 74.8% بنهاية ديسمبر 2024، بحسب بيان صادر عن البنك المركزي.
وجيه: أسباب داخلية تقف وراء التأخيرات الفنية والتنظيمية والتقنية
من جانبها أرجعت شيماء وجيه الخبيرة المصرفية، تأخير إطلاق “وان بنك” إلى أسباب متشابكة، أبرزها اشتراطات البنك المركزي الدقيقة لتفعيل عمل البنوك الرقمية، وخاصة ما يتعلق بإجراءات الحوكمة والأمن السيبراني وإدارة المخاطر.
وأوضحت أن البنك المركزي يتبع نهجًا شديد التحوط لإنشاء “وان بنك”، باعتبارها التجربة البنكية الرقمية الأولى في مصر، ما يتطلب وقتًا أطول لفحص الأنظمة وإجراء تجارب تشغيلية بشكل متكرر، فضلًا عن الاستعدادات التشريعية والتنظيمية اللازمة.
أضافت وجيه أن ثمة أسباب داخلية مرتبطة بالبنك نفسه، تقف وراء التأخيرات الفنية والتنظيمية والتقنية اللازمة لاستيفاء اشتراطات الترخيص الكامل والتأمين الإلكتروني وكفاءة الهوية الرقمية، قبل الدخول في مرحلة التطبيق الفعلي.
ووصفت هذه العملية بأنها شديدة الدقة وتحتاج إلى وقت وجهود كبيرة لضمان جودة التطبيق وتحقيق أعلى درجات الأمان.
وأكدت الخبيرة المصرفية، أن السوق المصرية لاتزال تعاني من فجوات في جودة واستخدام الإنترنت ببعض المحافظات، إلى جانب تفاوت مستويات الوعي الرقمي بين العملاء.
وتابعت: “ثمة تحديات أخرى متعلقة بعدد من الجهات الحكومية والبنوك التقليدية التي لا تزال تعتمد على أنظمة غير محدثة بالقدر الكافي، ما يؤثر على قدرتها على التعامل مع البنوك الرقمية”.
كما أشارت إلى نقص الكفاءات البشرية المؤهلة لإدارة أمن المعلومات والخدمات البنكية الرقمية، والحاجة إلى تدريب العمالة للتعامل مع الأنظمة الحديثة وحل المشكلات التقنية المتوقعة.
وأكدت وجيه، أن حرص البنك المركزي، يعطي رسالة واضحة بأنه يتعامل مع الملف بجدية شديدة وحكمة وتحوط، وهو ما يعزز ثقة المستثمرين ويؤكد أن السوق سيكون منضبطًا ويعمل وفق أنظمة عالية الأمان لحماية حقوق العملاء وتقليل المخاطر المالية. فالسوق يعد واعدًا لكنه لم يصل بعد إلى الجاهزية الكاملة.
سليمان: طبيعة المشروع معقدة وتحتاج وقتا طويلا لتنفيذها
وقال أيمن سليمان الخبير المصرفي، إن الجهات الحكومية لم تتأخر في ترخيص البنوك الرقمية، مشيرًا إلى أن “المركزي” سن قواعد واضحة لإطلاقها.
أضاف أن شركة مصر للابتكار الرقمي التابعة لبنك مصر، استوفت تلك الاشتراطات نظرًا لحصولها على الموافقة المبدئية من البنك المركزي.
وأوضح أن تأخير تطبيق الخطوة لأكثر من عام يعود إلى طبيعة المشروع، إذ يتطلب استكمال المتطلبات المعقدة وقتًا طويلا، شاملة تطوير القدرات الرقمية، وتدريب كوادر بشرية عالية الكفاءة، ودراسة تجارب الدول السابقة في البنوك الرقمية، وضمان جاهزية البنية التحتية، إلى جانب إعداد منتجات مبتكرة تلبي احتياجات العملاء.
أكد سليمان أن البنك المركزي حريص على نجاح التجربة الأولى للبنوك الرقمية لتجنب أي إخفاق قد يؤثر سلبًا على بقية البنوك الراغبة في الحصول على تراخيص مماثلة، مشيرًا إلى أن البنك يتابع عن قرب تجهيزات “وان بنك” لضمان فاعلية خطاه.
وكشف أن أبرز التحديات التي تواجه البنوك الرقمية تتمثل في مخاطر الاختراقات الإلكترونية والقرصنة، إلى جانب الحاجة لتعزيز مستويات الشمول المالي التي تظل أقل من المستوى الأمثل بسبب ضعف الثقافة التكنولوجية.
قال سليمان ، إن البنوك في حالة ترقب لتجربة “وان بنك” لتقييمها والاستفادة من نتائجها قبل التقدم بطلبات تراخيص جديدة، مشيرًا إلى أن هناك بنوكا كبرى أبدت اهتمامها بإطلاق بنوك رقمية .. لكنها تنتظر نجاح التجربة الأولى.
أضاف أن البنوك الرقمية تمثل مستقبل القطاع المصرفي في مصر، مدفوعة بانتشار الهواتف الذكية وتطور التكنولوجيا المالية “FinTech”، التي تتيح للعملاء الحصول على خدمات مالية متكاملة مثل فتح الحسابات، وإصدار البطاقات، والتحويلات، ودفع الفواتير، والاستثمار، دون الحاجة لزيارة الفروع التقليدية، مع خفض التكاليف التشغيلية وتحقيق هوامش ربحية أعلى للمساهمين.
0 تعليق