تناقلت بعض المنصات الإعلامية خلال الأيام القليلة الماضية، رواية مثيرة تزعم إسقاط طائرة أجنبية في نيالا، ومقتل مقاتلين أجانب كانوا على متنها. العنوان بدا جاهزاً لجذب الانتباه، لكن التفاصيل، أو بالأحرى غيابها، جعل القصة تتعثر أمام أول اختبار للمنطق. أي حادثة بهذا الحجم وفي مدينة مأهولة من المفترض أن تترك أثراً مرئياً: صور من شهود عيان، مقاطع فيديو، أو بيانات صادرة عن هيئات الطيران المدني، إلا أن هذه المرة لم يظهر أي شيء من ذلك. هذا الغياب دفع أحد خبراء أمن الطيران، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إلى القول: “إذا كانت الحادثة صحيحة، فمن المستحيل أن تمر دون رصد أو توثيق، خاصة مع انتشار الهواتف في كل مكان”.
في المقابل، أصدرت قوات الدعم السريع بياناً نفت فيه صحة الرواية، ووصفت المزاعم بأنها “جزء من دعاية موجهة لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية والانتهاكات في مناطق سيطرة سلطة بورتسودان”. البيان أشار إلى أن نيالا ومطارها مؤمّنان بالكامل عبر منظومات دفاعية حديثة، وأن أي محاولة لاختراق الأجواء يتم التعامل معها فوراً.
اللافت أن مسؤولاً في بورتسودان، طلب عدم ذكر اسمه، أكد أن المعلومات المتعلقة بالحادثة “لم تصل بصيغة رسمية أو موثقة حتى داخل بعض الأجهزة”، مضيفاً أن الجدل حولها “يتجاوز الحقائق الميدانية إلى حسابات سياسية وإعلامية”.
وفي سياق نزاع مثل السودان، تصبح الأخبار في كثير من الأحيان إحدى أدوات الحرب، تُصاغ لخلق رأي عام أو توجيهه. وحين تختفي الأدلة، تبرز الأسئلة: هل نحن أمام واقعة حقيقية جرى التعتيم على تفاصيلها، أم أننا بصدد قصة وُلدت في غرف الإعلام أكثر مما وُلدت في الميدان؟ حتى هذه اللحظة، تبقى مزاعم إسقاط الطائرة في نيالا بلا دليل موثوق، ما يجعلها أقرب إلى لغز إعلامي منها إلى حدث عسكري مؤكد. وبينما تتواصل الاتهامات المتبادلة، يظل الرابح الوحيد هو الغموض، والخاسر الأكبر هو وعي الجمهور الباحث عن الحقيقة.
0 تعليق