مع الانتشار السريع لأدوات الكتابة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها "شات جي بي تي"، بدأ القراء يطوّرون قدرة متزايدة على تمييز النصوص التي تُنتجها هذه النماذج عن تلك التي يكتبها البشر. ويؤكد خبراء الإعلام الرقمي أن الأسلوب الآلي أصبح يحمل سمات واضحة، منها البنية اللغوية المنظمة، والانتقالات السلسة بين الأفكار، واللغة المحايدة الخالية من الانفعال المفرط.
ويشير الدكتور مارك وولترز، الباحث في الإعلام واللغة بجامعة سيدني، إلى أن "الذكاء الاصطناعي يميل إلى تقديم نصوص متوازنة ومرتبة منطقياً، لكنه أحياناً يفتقر إلى اللمسات الإنسانية غير المتوقعة، مثل الانحراف المفاجئ في الفكرة أو المزج الشخصي بين المشاعر والتجربة". ويرى أن هذه الفوارق الدقيقة باتت وسيلة يعتمد عليها القراء والمحررون لاكتشاف النصوص المولدة آلياً.
وتوضح الاختلافات والفوارق بين الأسلوبين أن كتابات البشر غالباً ما تحمل بصمات فردية في اختيار الكلمات، ودرجة العفوية، وحتى في الأخطاء اللغوية أو الأسلوبية التي تكشف الطابع الشخصي للنص. في المقابل، تميل نصوص الذكاء الاصطناعي إلى الصياغة الخالية من العيوب الظاهرة، ما يجعلها أحياناً تبدو "مصقولة أكثر من اللازم".
كما أن النصوص الآلية تعتمد غالباً على التعميمات والمعلومات الشائعة، وتتجنب المواقف أو التفاصيل شديدة الخصوصية، على عكس الكاتب البشري الذي يميل إلى تضمين تجاربه وملاحظاته الشخصية. كذلك يحافظ الذكاء الاصطناعي على اتساق النبرة والأسلوب من بداية النص حتى نهايته، بينما قد يغيّر الكاتب البشري نبرته تبعاً لسياق الفكرة.
من جهة أخرى ,يرى وولترز أن القراء المتمرسين أصبحوا قادرين على اكتشاف "بصمة" شات جي بي تي، خاصة عندما يُطلب منه الالتزام بأسلوب رسمي أو صحفي، إذ ينتج نصوصاً منضبطة القواعد، لكنها تفتقر إلى التدرجات الشعورية أو التنويعات الأسلوبية التي تميز الكاتب المتمرس.
ومع تطور تقنيات الكتابة الآلية، يتوقع وولترز أن الفجوة بين النصوص البشرية وتلك المنتجة آلياً ستتقلص، لكن إدراك القارئ للفروق سيبقى قائماً، مؤكداً أن الجمع بين الإبداع البشري ودقة الأدوات الآلية قد يكون النهج الأمثل لإنتاج محتوى يجمع بين العمق الإنساني والاتساق التقني.
0 تعليق