صادق المجلس الوزاري السياسي الأمني الإسرائيلي (الكابينيت) على اقتراح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالاستعداد للسيطرة على مدينة غزة، في خطوة تثير جدلاً واسعاً حول طبيعة هذا التحرك. ورغم أن الخطة تُقدَّم على أنها “سيطرة أمنية” وليست “احتلالاً”، إلا أن الفرق بين المصطلحين هو في جوهره مجرد تلاعب لغوي سياسي وقانوني يهدف للتهرب من تبعات القانون الدولي.
الخلاف المزعوم بين نتنياهو ورئيس أركان الجيش إيال زامير حول توسيع الحرب، لا يعكس خلافًا حقيقيًا، فهما متفقان على استمرار الحرب، مع اختلافات تكتيكية فقط. ورفض نتنياهو مناقشة “اليوم التالي” لغزة يوضح غياب أي خطة لإدارة ما بعد الحرب.
حماس، في هذا المشهد، تواجه واقعًا معقدًا ومأساويًا؛ فهي تعاني من قلة القدرة على وقف التهجير والتدمير، في ظل ظروف إنسانية واقتصادية كارثية، ومحاولة المحافظة على بعض مظاهر السلطة رغم الحصار والدمار.
وفق خطة كشفتها صحيفة يديعوت أحرونوت، تشمل الاستعدادات العسكرية استدعاء 4–6 فرق واحتلال مدن مثل غزة ودير البلح، مع تجميع سكان القطاع في الجنوب، ما يعيد سيناريوهات التهجير السابقة التي حدثت في مناطق عدة.
الخطتان: “السيطرة الأمنية” أو “المدينة الإنسانية”، تشتركان في الهدف ذاته، وهو تهجير الفلسطينيين وطردهم من القطاع، ما يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، تضاف إلى سياسة التجويع المتعمدة.
تحذيرات صدرت من داخل الجيش الإسرائيلي ومن دبلوماسيين بشأن العواقب الدولية لهذه الخطط، التي قد تؤدي إلى ملاحقة جنود إسرائيل بجرائم حرب، وتعميق العزلة الدولية، وعقوبات أوروبية تشمل إلغاء اتفاقيات ومنع دخول مسؤولين.
استبعاد كلمة “احتلال” من الخطاب الرسمي محاولة لتفادي المسؤوليات القانونية تجاه المدنيين، مع الحفاظ على السيطرة العسكرية الكاملة على الأرض.
الهدف المعلن هو تدمير بنية حماس التحتية والضغط عليها للتفاوض، لكنه يخدم أيضًا حسابات نتنياهو السياسية الداخلية ورضا شركائه اليمينيين.
الحديث عن “إدارة مدنية بديلة” يعكس نية إسرائيلية لإعادة تشكيل المشهد السياسي والجغرافي بغزة، وخلق واقع أمني طويل الأمد، بما في ذلك إقامة منطقة عازلة.
هذه السياسات ليست مجرد رد فعل على الواقع، بل هي امتداد لرؤية أيديولوجية تستهدف تفريغ غزة من سكانها عبر تغيير ديموغرافي وجغرافي يصعب التراجع عنه.
دوليًا، مع توثيق الانتهاكات، تواجه إسرائيل عزلة دبلوماسية متزايدة، وقد تطالها مقاطعات اقتصادية، خاصة من أوروبا.
مع مرور 23 شهرًا على الحرب والتهجير، يبقى السؤال: ما هي خيارات حماس لمواجهة هذه الكارثة؟ الواقع يفرض الاعتراف بضعف الحركة في وقف النكبة، ويجعل الحفاظ على ما تبقى من حياة في غزة تحديًا كبيرًا.
0 تعليق