على وقع تصدّر ملف حصريّة السّلاح بيد الدّولة سلّم أولويّات الحكومة، أشارت صحيفة "الجمهوريّة"، إلى أنّ "انسحاب الوزراء الشيعة أمس للمرّة الثانية من مجلس الوزراء، بعد انسحابهم الأول من جلسة الثلثاء الماضي، عرّض الحكومة لاهتزاز ميثاقي، زاد من خطورته استمرار الجلسة وعدم رفعها، او إعلان تأجيل البحث في هذا الملف الخلافي، ما دفع أوساط الثنائي الشيعي الذي طالب وزراؤه بإلغاء القرار بنزع السلاح او تعديله، إلى اتهام الحكومة بـ"الانصياع" للرغبات الخارجية، وعدم التنبّه لخطورة قرارها بالمواقفة على الأهداف الـ11 الواردة في مقدمة ورقة المقترحات الأميركية؛ وعدم التمسك بأولوية إلزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب إلى خلف الحدود".
وعلمت "الجمهوريّة"، أنّ "وزراء "الثنائي" طلبوا في بداية الجلسة تأجيل البحث في مقترح الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك، إلى حين إلزام إسرائيل تنفيذ اتفاق تشرين الثاني 2024 لوقف إطلاق النار، ولمعرفة موقف الجيش اللبناني".
وكشفت أنّ "وزيرة البيئة تمارا الزين قالت: "الورقة تمسّ سيادة الدولة، وهناك نقاط مخيفة واردة فيها". وتطرّقت إلى موضوع المياه والروافد الثلاثة التي سيطرت عليها إسرائيل كلياً في المنطقة من جبل الشيخ إلى اليرموك إلى الوزاني، وقالت إنّ "لا شيء في الورقة الأميركية يتعلق بإستعادة حقوقنا من المياه، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بلبنانية مزارع شبعا ولا بحدود لبنان المرسمة عام 1943، فهذا تنازل كبير لا يمكن للحكومة ان تضع على نفسها خطيئة التنازل عن الحقوق". فأجابها رئيس الحكومة نواف سلام: "هذه ليست اتفاقية سلام"، فردّت: "الاتفاقيات المهمّة العابرة للحدود تتطرق إلى النقاط السيادية المهمّة".
وأفادت المعلومات بأنّ "وزير الصحة العامة ركان ناصر الدين اقترح التشديد على البيان الوزاري، لكن سلام رفض وأصرّ على الموافقة على المبادئ العامة في ورقة برّاك، فتدخّل نائب رئيس الحكومة طارق متري الذي وُصفت مداخلته بـ"الحكيمة"، فيما قال وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط: "الوضع الاقتصادي يسوء كثيراً، وعلينا ان نتحرك قليلاً"، مبيّنةً أنّ "وزير الداخلية والبلديات احمد الحجار قال: "الأمور معقّدة، والأفضل ان نذهب إلى توافق مع جميع الزملاء"، فعلّقت الزين مجدداً: "لماذا تصويرنا على أننا ضدّ الجيش او حصرية السلاح؟ تخطينا هذا الأمر، ونحن نحذّر مما هو أخطر".
وذكرت أنّ "في مداخلته، قال وزير "القوات اللبنانية" جو عيسى الخوري: "أتوجه إلى الشيعة"، لكنه استدرك وصحّح كلامه، وقال: "أتوجه إلى الثنائي، نريد ان نصل معكم إلى بناء الدولة وتربية اولادنا على حب الحياة، وليس على ثقافة الموت". الأمر الذي أثار حفيظة ناصر الدين، فرفض التعاطي بطريقة "المسّ بالعقيدة لأي جهة"، قائلاً: "نحن أم الدولة وأبيها، ومع الجيش والشرعية، وما نطالب فيه هو عدم التنازل قبل الحصول على ضمانات والتزامات من أميركا وإسرائيل".
الجانب الميثاقي
وأكّدت أوساط "الثنائي الشيعي" لـ"الجمهوريّة"، أنّ "ردّ فعله على قرارات جلستي مجلس الوزراء الأخيرتين، سيظلّ محكوماً بسقف عدم استخدام الشارع والانجرار إلى فتنة داخلية يريدها العدو الإسرائيلي"، لافتةً إلى أنّه "كان هناك حرص لدى "الثنائي" على الّا تتحول المشكلة من لبنانية- إسرائيلية إلى مشكلة داخلية. لكن سلوك الحكومة ورئيسها لا يزال يدفع في هذا الاتجاه للأسف".
وشدّدت على أنّ "الجانب الميثاقي هو أساسي في الأزمة الحالية، بعدما تمّ تجاوز المكون الشيعي في الحكومة، وجرى اتخاذ قرارات مصيرية تحتاج إلى توافق وليس اكثرية وزارية فقط"، مركّزةً على أنّه "إذا لم تنجح الاتصالات في معالجة مفاعيل القرارات المتخذة، فسيتمّ اتخاذ الموقف المناسب".
لاءات "الحزب"
من جهته، أكّد مصدر بارز في "حزب الله" لـ"الجمهورية"، أنّ "انسحاب وزراء "الثنائي" من جلسة الحكومة لن يجرّ إلى استقالة، وأنّ القرارات التي اتُخذت غير ميثاقية، يُراد منها وضعنا في مواجهة الجيش وهذا لن يحصل، لأننا ملتزمون 3 لاءات: لا تسليم للسلاح، لا صدام في الشارع ولا مع الجيش، ولا استقالة من الحكومة؛ وقد حصل الانقلاب على ما تمّ الاتفاق عليه معنا".
وأشار إلى "أنّنا نتوافق على صيغة حصرية السلاح كما وردت في البيان الوزاري من دون إعطاء مهل زمنية، ونحن مع أي اتفاق يبدأ بإلزام إسرائيل الانسحاب ووقف الخروقات والاعتداءات وتسليم الأسرى، اما السلاح فيحتاج إلى بحث معمّق يجب ان نراعي فيه مصلحة لبنان اولاً، وهذا يحصل مع الجيش اللبناني بالتفاهم على استراتيجية وطنية"، مشدّدًا على أنّه "على الحكومة تصحيح مسارها، ومعركتنا سياسية بامتياز".
لا قطيعة
في السياق نفسه، ذكرت مصادر سياسية لـ"الجمهوريّة"، أنّ "انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسة، جاء بعدما تأكّدوا من اتجاه الحكومة إلى إقرار الموافقة على ورقة برّاك"، موضحةً أنّ "هذا الانسحاب هو تعبير عن الرفض للقرارات التي تُتّخذ في مجلس الوزراء، ولكنها لا تعني القطيعة مع أحد، لأنّ الثنائي الشيعي حريص على عدم إيصال البلد إلى صدام. ولذلك، من المستبعد أن يقدِم الوزراء الشيعة على الاستقالة من الحكومة في الوقت الراهن".
وأضافت: "سيدرس الثنائي الشيعي الخطوات المقبلة، ولكن من دون الإقدام على خطوات يمكن أن تدفع البلد الى الفتنة، وهم يعوّلون على الاتّصالات التي لم تنقطع، في محاولة لثني الحكومة عن السير بقراراتها من دون موافقتهم"، مبيّنةً أنّ "هناك حرصاً على إبقاء الشارع في منأى عن التحرّكات الكبيرة، وعدم حصول أيّ احتكاك مع الجيش".
حكومة ابن فرحان: إقرار الأهداف وتأجيل الآلية!
على صعيد متّصل، أفادت صحيفة "الأخبار" بأنّ "لبنان لا يزال واقعاً تحت تأثير الانقلاب الذي نفّذه رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في جلسة 5 آب الوزارية، بحجة إقرار "مسار استعادة الدولة مقوّماتها وسيادتها على كامل أراضيها عبر قرار حصر السلاح بيدها"، لكن وفق توجّه ومضمون اسمه الاستسلام الكامل للإملاءات الأميركية- السعودية، وتعرية لبنان بالكامل أمام العدو الإسرائيلي".
وأشارت إلى أنّ "في جلسة الأمس، تعرّف الوزراء بصورة كبيرة إلى نواف سلام، وهو الذي بدا مصراً على وضع لبنان في مهبّ رياح متعددة، بدءاً من توريط الجيش بتكليفه "وضع خطة تطبيقية لعرضها على مجلس الوزراء قبل 31 الشهر الجاري لنقاشها وإقراره"»، ثم القفز عن رأي مكوّن أساسي في البلد من دون الأخذ في الاعتبار أي ملاحظة تقدّم بها وزراؤه، متجاهلاً مطالبة "حزب الله" وحركة "أمل" الحكومة بتصحيح المسار والعودة إلى التضامن اللبناني، فكانَ القرار بالمشاركة في الجلسة (لم يكن حزب الله مؤيّداً للمشاركة)، بناءً على إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي اعتبر أن "المرحلة حساسة جداً، ولا بدّ من التعامل بإيجابية وإعطاء الوقت الكامل للنقاش والتفاوض". مع ذلك، لم يجِد الوزراء الشيعة الذين حضروا الجلسة أي تجاوب مع مطالبهم، لا بل العكس، تعامل سلام وأعداء المقاومة بمنطق المنتصر، وحاولوا تمرير ورقة المبعوث الأميركي توم برّاك بأسرع وقت".
ولفت أكثر من مصدر وزاري، إلى أنّ "وزراء الثنائي اعتبروا أن الورقة تحتاج إلى دراسة ونقاش معمّقيْن، وأن الحكومة سبقَ أن أخذت قراراً كبيراً وخطيراً جداً، من دون أن تتدارك تداعياته ومخاطره على البلد، فكيف تطلبون منا اليوم أيضاً أن نبصم على شيء من دون التمعّن فيه؟".
وكشفت المصادر أنّ "قبل البدء بالمداولات، طلب وزير العمل محمد حيدر الكلام لأنه كانَ متغيّباً في الجلسة الماضية، وقال في مداخلة استمرت حوالي عشر دقائق: "إنني لن أدخل في السياسة وسأتكلم بلسان كل مواطن لبناني وكابن الجنوب، وأؤكد أن الأولوية هي المطالبة بدعم الجيش اللبناني ووقف الاعتداءات وتحرير الأسرى والانسحاب الإسرائيلي"، لافتاً إلى أن "من واجبنا تأمين صمود الناس من خلال دعم القوى الأمنية"، ومتسائلًا: "ماذا سنقول للناس، لأهالي الشهداء... هل نقول إننا تنازلنا عن ضماتنا الوحيدة مقابل لا شيء؟".
وبيّنت أنّ "النقاش داخل الجلسة كانَ هادئاً، وطالب وزراء الثنائي بترتيب أولويات البحث بحيث تُناقش ورقة الاحتلال ثمّ مسألة السلاح، قبل الانتقال إلى أي مبادرة أخرى، علماً أن الرئيس عون وسلام طرحا مخرجاً للأمر بأن "نذهب إلى مناقشة أهداف الورقة بشكل عام ونتحدّث في العموميات"، إلا أن وزراء الثنائي رفضوا ذلك، وأكّدوا أن "الأهداف لا تتناسب مع مصلحة لبنان، وأنّه من الضروري انتظار تقرير الجيش وحينها يُسكتمل النقاش". ولمّا وجد الوزراء ألا آذان صاغية لملاحظاتهم، قرّروا الانسحاب".
وأوضحت مصادر لـ"الأخبار"، أنّ "الحكومة أقرّت الأهداف المذكورة في ورقة براك وليسَ آليتها، ولم يُحدد لها أي جدول زمني".
0 تعليق