نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الجهل سلعة وطنية رائجة, اليوم السبت 14 يونيو 2025 11:14 صباحاً
في عالم بيجري بسرعة الضوء بقت الحقيقة مش مطلوبة وبقت الراحة أغلى من الإدراك.. الناس بقت تهرب من التفكير وكأن السؤال بقى مرض معدي.. الوعي ماعدش سلعة مرغوب فيها.. لأن تمنه مش بس مجهود... لأ تمنه كمان صدام مع الواقع ومواجهة مع النفس وخلع للنظارات اللي اتربينا بيها.
الناس مش بس بطلت تدور على الوعي لأ ده بقت بتحاربه.. بقيت كل محاولة للتفكير الجاد بتتصنف إنها تنظير وكل نقاش عن القيم والواقع بيتقال عليه "كلام كبير مالوش لازمة".. ولأن الوعي مؤلم وبيدفعك تتحرك وتواجه،وتغير فالأغلبية اختارت إنها تعيش في الجهل لأنه بيريح حتى لو كان بيهدم ببطء.
زمان كان الجهل نتيجة نقص مصادر.. النهاردة.. وسط انفجار المعلومات بقى الجهل "اختيار".. السوشيال ميديا اللي المفروض تكون وسيلة للمعرفة... بقت مرآة للتفاهة والسطحية. الخوارزميات بقت بتكافئ اللي بيقدم المحتوى الأخف مش الأذكى. فيديو رقص ممكن يوصل لمليون مشاهدة بينما تحليل اجتماعي مهم مايتعداش المية.. والناس عاجباها اللعبة دي وبقت جزء منها. بنعيش جوه فقاعة بيصنعها المحتوى اللي بنستهلكه وكل ما بنشوف نفس النوع من الترفيه... بنصدق إن ده الطبيعي.. وده الصح وده الواقع.
الدراما مش بعيد عن الصورة دي. كتير من الأعمال بقت بتجمل القبح وبتقدم نماذج مشوهة باعتبارها قدوة.. البلطجي بقى بطل شعبي والمحتال بقى شاطر.. واللي بيفكر بيتسخر منه. ولما يتكرر النموذج ده في المسلسلات ويتصدره نجوم كبار بيتحول تدريجيا لجزء من وجدان الناس. والكارثة إن الجمهور مش بس بيتفرج... ده بيقلد وبيعيش جوا المشهد وبيتقمصه حتى وهو مش مدرك.
وسط ده كله بيكون من السهل إننا نرمي التهمة على الحكومات.. نقول إن الدولة مسئولة عن الجهل عن الدراما عن السوشيال ميديا عن التعليم... لكن الحقيقة إن الحكومات بتتغير وبتسقط وبتقوم.. إنما الشعوب هي اللي لو ما تغيرتش كل تغيير فوقها بيبقى شكلي... المجتمع اللي مش عايز يفكر مش هيفيده أي وزير تعليم اوثقافة ولا أي استراتيجية إصلاح.
الوعي مش منتج بيُفرض من فوق الوعي قرار فردي في الأول وجماعي بعدين.. بيبدأ لما الأم تقرر تربي ابنها إنه يسأل مش يطيع.. لما الشاب يقرأ عشان يعرف مش عشان يتفزلك. لما المواطن يقرر يتابع مصادر مختلفة ويشوف اللي وراه مش بس اللي امامه. لما نبطل استسهال التلقي.. ونبدأ نفلتر ونحلل.. ونسأل "ليه؟".
وفي مواجهة كل ده، محتاجين حلول مش تقليدية مش شعارات محفوظة.. لازم نحول السوشيال ميديا من وسيلة قتل للوعي.. لأداة لبنائه.. لازم ندعم صناع محتوى حقيقيين بيحترمو عقل الناس.. لازم نعيد تعريف فكرة "النجم" في الدراما ونكسر الصورة النمطية للبطولة.. لازم نخلق تعليم مايقفلش باب الأسئلة وما يخليش الطفل يخاف يقول "مش فاهم". لازم نستثمر في تكنولوجيا بتعلم النقد مش بس الترفيه.
احنا مش في أزمة نقص موارد... احنا في أزمة اختيارات. والمجتمع اللي يفضل يختار الجهل لأنه أرخص لازم يعرف إنه هيدفع تمنه غالي جدا.. من عمره وحريته ومستقبله.
الوعي مكلف... بس تمنه أهون من تمن الجهل. اللي هيغير شكل البلد مش الحاكم.. ولا السياسات اللي هيغيره هو الشخص اللي قرر يفتح عينه ويقف امام المراية ويسأل أنا عايش ليه؟ وبفكر إزاي؟ وبصدق إيه؟
وقتها بس.. يبدأ الإصلاح الحقيقي. مش من فوق... لكن من جوه.. و الجهل الي شكله رخيص تمنه غالي جدا.
0 تعليق