تحقيق: ميرة الراشدي
على الرغم من أن اللجنة الوطنية لسلامة الأغذية أقرت في وقت سابق حظر استخدام الزيوت المهدرجة في المنتجات الغذائية وتحديث المواصفة المتعلقة بها وحظر هذه الزيوت جزئياً بنهاية عام 2023، فإنها ما زالت متداولة في الأسواق وتُستخدم على نطاق واسع في الصناعات الغذائية، على الرغم من خطورتها، ما يشكل خطراً متزايداً على الصحة.
الزيوت المهدرجة هي في الأساس زيت طبيعي يحقن بغاز الهيدروجين ويصبح مادة صلبة أو شبه صلبة والزيت المهدرج جزئياً أو في بعض الأحيان يطلقون عليه الزيت المتحول صناعياً ومن ثم تخضع هذه الزيوت الطبيعية لعملية كيميائية لجعلها أكثر صلابة وأطول عمراً وتُعدّ الزيوت المهدرجة عاملاً رئيسياً في ارتفاع معدلات أمراض القلب والسكري والالتهابات المزمنة.
«الخليج» التقت عدداً من خبراء التغذية ومتخصّصي أمراض القلب، الذين أكدوا أن الزيوت المهدرجة تشكل خطراً صحياً كبيراً، مشيرين إلى ارتباطها بزيادة معدلات أمراض القلب، السكري والسمنة وأن هذه الزيوت تُستخدم على نطاق واسع في الصناعات الغذائية والمطاعم بسبب كلفتها المنخفضة وطول مدة صلاحيتها، ما يجعلها خياراً شائعاً رغم أضرارها الصحية، مؤكدين أهمية توعية المستهلكين بضرورة قراءة الملصقات الغذائية واختيار البدائل الصحية، مثل الزيوت الطبيعية غير المهدرجة.
قالت ندى الأديب، خبيرة الغذاء والتغذية، الأمينة العامة لجمعية الإمارات للتغذية: الزيوت المهدرجة تُضاف إليها جزيئات الهيدروجين لجعلها أكثر صلابة وأطول عمراً، وترتبط هذه الأنواع من الزيوت بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والالتهابات المزمنة، إلى جانب علاقتها ببعض أنواع السرطان.
وأضافت: أن هناك نوعين من الدهون المتحولة وهما: الطبيعية التي توجد بكميات قليلة في الحليب ومنتجات اللحوم الحمراء وتناولها بكميات معتدلة لا يشكّل خطراً صحياً كبيراً والصناعية التي تصنّع من الزيوت النباتية لتصبح أكثر صلابة وأقل تلفاً وهي الأكثر ضرراً.
وأشارت إلى أن الزيوت المهدرجة تُستخدم في كثير من المنتجات الغذائية، مثل المخبوزات التجارية، والبيتزا المجمدة والأطعمة المقلية والسمن النباتي لانخفاض كلفتها وسهولة استخدامها، كما تعتمد عليها بعض المطاعم، خاصة في القلي العميق، لأنها تجعل الزيت يدوم لمدة أطول، ما يقلل الكلف التشغيلية.
وأكدت ندى الأديب، أن الزيوت المهدرجة تزيد مستوى الكوليسترول الضار وتخفض الكوليسترول الجيد، ما يزيد خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، كما تؤثر في استجابة الجسم للأنسولين، ما يرفع احتمال الإصابة بالسكري من النوع الثاني وتؤدي إلى تراكم الدهون في الكبد، ما قد يسبب الكبد الدهني.
وأوضحت أن الدراسات الحديثة وجدت علاقة بين استهلاك الدهون المتحولة وزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي والبروستاتة، والقولون وتأثيرها السلبي في الأوعية الدموية ومقاومة الأنسولين.
الشيّ بدل القلي
وأوصت، بضرورة اتخاذ خطوات عملية للحدّ من استهلاك الزيوت المهدرجة، باختيار الزيوت الصحية مثل زيت الزيتون وزيت دوار الشمس، وقراءة الملصقات الغذائية لتجنب المنتجات التي تحتوي على «زيوت مهدرجة جزئياً». لافتة إلى أهمية تقليل استهلاك الأطعمة المصنّعة والمقلية تجارياً واعتماد طرق طهو أكثر صحية مثل الشيّ والخبز بدلاً من القلي.
وأكَّدت أن اتباع نظام غذائي متوازن يسهم في تقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة ويحافظ على صحة القلب والجسم ويجب التأكد من نوع الزيت المستخدم عند تناول الطعام في المطاعم واختيار وجبات خفيفة طبيعية مثل المكسرات، الخضروات، الفواكه والزبادي.
زيوت بديلة
وقالت خولة الجابري، أخصائية التغذية: أن قراءة الملصق الغذائي طريقة مثلى لمعرفة المنتجات التي تحتوي على زيوت مهدرجة، حيث تذكر عادة تحت مسمى «الدهون المتحولة»، مع تحديد الكمية والنسبة لكل حصة غذائية.
وأوضحت، أن الزيوت المهدرجة تشكل تهديداً كبيراً لصحة القلب، إذ يؤدي تناولها إلى ارتفاع الكولسترول الضار في الجسم، ما يتسبب بانسداد الشرايين وجعلها صلبة وضيقة، ما يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب الخطرة، مثل السكتة القلبية والنوبات القلبية، لافتة إلى أن هذه الزيوت تسهم في زيادة الوزن، ما يرتبط بمشاكل صحية مثل السكري وأمراض مزمنة، وجميع الفئات العمرية معرضة لتأثيرات الزيوت المهدرجة، ما يجعل تجنّبها ضرورة للجميع. وأكدت أهمية استخدام الزيوت الطبيعية، لأن الدراسات أثبتت أن القلي بزيت الزيتون البكر الممتاز أو تعريضه للحرارة العالية لا يؤثر في خصائصه الغذائية، على عكس زيوت أخرى وزيت الزيتون وزيت الأفوكادو وزيت السمسم الخيارات الأفضل للطبخ، لتحملهما درجات حرارة عالية واحتوائهما على مضادات أكسدة طبيعية.
وأشارت إلى أن الهدف من تصنيع الزيوت المهدرجة تحسين قدرتها على تحمّل الاستعمال المتكرر وزيادة مدة صلاحيتها، ما يجعلها خياراً شائعاً في المطاعم لتقليل الكلفة واستخدامها المتكرر يزيد أضرارها الصحية.
وقالت: على الأهالي استخدام زيوت نباتية صحية، مع تقليل الاعتماد على الوجبات السريعة والمعلبة وتوفير وجبات صحية متوازنة للأطفال تحتوي على الخضروات والفواكه لضمان تغذية سليمة.
مخاطر
وأكَّدت سارة أثيل التكريتي، أخصائية التغذية أن الزيوت المهدرجة تشكل تهديداً مباشراً على صحة الأطفال، حيث تؤثر بشكل مختلف وأكثر حدة مقارنة بالبالغين، نتيجة لمرحلة النمو الحساسة التي يمرون بها، مشيرة إلى أنه ينتج عن الزيوت المهدرجة الدهون المتحولة ولها تأثير سلبي في صحة القلب ونمو الدماغ والوزن والجهاز المناعي، حيث إن الدهون المتحولة الموجودة في الزيوت المهدرجة قد تعوق نمو الدماغ الطبيعي وتزيد احتمالات السمنة لدى الأطفال بسبب الأطعمة المصنّعة الغنية بالسعرات الحرارية والفقيرة بالمغذيات.
وأوضحت أن الزيوت المهدرجة يمكن أن تؤدي إلى أعراض قصيرة المدى مثل اضطرابات الجهاز الهضمي والصداع ومشاكل الجلد والأعراض طويلة المدى مثل أمراض القلب والسمنة، مقاومة الأنسولين، والالتهابات المزمنة، التي قد ترتبط بأمراض خطرة كالتهاب المفاصل والسرطان.
وشدَّدت على أهمية الجهود الجماعية في الحدّ من استخدام الزيوت المهدرجة، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب تضافر جهود منتجي الأغذية ومقدمي الرعاية الصحية والمؤسسات التعليمية والمستهلكين، داعية إلى تعزيز التوعية عبر رسائل واضحة وبرامج تثقيفية، مع تشجيع المطاعم ومنتجي الأغذية على إعادة صياغة المنتجات وتوفير خيارات صحية أكثر وضمان شفافية ملصقات المنتجات.
تصلب شرايين
وقال الدكتور وسام وحيد، أخصائي أمراض القلب: إن الزيوت المهدرجة خطرة على صحة القلب وترفع نسبة الكوليسترول الضار في الجسم، الذي يعرف علمياً ب«الكوليسترول المنخفض الكثافة» وهو النوع الذي يؤدي إلى تصلب الشرايين ويزيد احتمالية الإصابة بالجلطات القلبية.
وأوضح أن الكوليسترول في الدم يوجد بأشكال عدة، منها الدهون الثلاثية والكوليسترول العالي الكثافة (المفيد) والمنخفض الكثافة (الضار) والمتوسط الكثافة. والعلاقة بين الزيوت المهدرجة وأمراض القلب مثبتة علمياً، حيث تؤدي هذه الزيوت إلى زيادة الكوليسترول الضار وإلى مشاكل صحية خطرة في القلب.
وأشار إلى أن تقليل استهلاك الزيوت المهدرجة والمشبعة يُسهم في خفض نسبة الإصابة بأمراض القلب. داعياً إلى استبدال الدهون الصحية غير المشبعة الموجودة في الأسماك والنباتات بها، مثل زيت الزيتون وتسهم في حماية القلب من الانسدادات.
وقال: على الجميع اتباع نظام غذائي متوازن، يعتمد على الزيوت الطبيعية مثل زيت الزيتون و«أوميغا 3» الموجود في الأسماك أو المكملات الغذائية، مع تفضيل طرق الطهو الصحية كالشيّ بدلاً من القلي.
النوبات القلبية
وقالت الدكتورة إيمان العامري، أخصائية طب الأسرة في مركز «برجيل» لجراحة اليوم الواحد، جزيرة الريم في أبوظبي: إن الزيوت المهدرجة جزئياً، من المصادر الرئيسة للدهون المتحوّلة وهي دهون صناعية ضارة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وتشير دراسات علمية حديثة، من بينها تقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية وأبحاث نُشرت في دوريات طبية مرموقة، إلى أن الدهون المتحوّلة ترفع مستوى الكولسترول الضار في الدم، وتخفض مستوى الكولسترول النافع، ما يؤدي إلى تصلب الشرايين وزيادة احتمال الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
وأضافت، لا تقتصر أضرار الزيوت المهدرجة على أمراض القلب والسكري فحسب، بل تشير بعض الدراسات إلى ارتباطها بزيادة احتمالية الإصابة ببعض أنواع السرطان وزيادة الوزن نتيجة تأثيرها السلبي في عمليات التمثيل الغذائي ويكمن الخطر الأكبر في أن هذه الزيوت تُستخدم بكثرة في الصناعات الغذائية.
وقالت: للوقاية من أضرار الزيوت المهدرجة، نوصي بالامتناع عن تناول المنتجات التي تحتوي على الدهون المتحوّلة، مثل بعض أنواع المخبوزات الجاهزة والأطعمة المقلية والمأكولات المصنعة. وأكَّدت، أنه يُفضّل استخدام الزيوت الصحية غير المعالجة، مشيرة إلى أن دولة الإمارات بدأت باتخاذ خطوات جادة لحظر استخدام الزيوت المهدرجة في المنتجات الغذائية، استناداً إلى توصيات علمية تهدف إلى حماية الصحة العامة وتقليل معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة.
وليد المنصوري: المفترض خلوّ الدولة منها نهاية عام 2023
المجلس الوطني الاتحادي، سبق أن أثار قضية الزيوت المهدرجة خلال مناقشة السلامة الغذائية وتحدث في هذا الجانب وليد علي المنصوري، عضو المجلس، حيث تساءل عن الإجراءات التي اتخذتها لجنة سلامة الأغذية لمنع مثل هذا الزيت من التداول في الأسواق.
وقال المنصوري: ما أسباب استمرار بيع الزيت المهدرج في الأسواق، على الرغم من الإشارة مسبقاً من الوزير المعني إلى أنه سيجري إخطار الموردين والمصنعين بالتدريج بخلو الدولة بنهاية عام 2023 من هذه الزيوت.
وأضاف: توجد لائحة فنية بمواصفة دولية تبنّتها دول مجلس التعاون وأصبحت مواصفة وطنية إلزامية داخل دولة الإمارات وطرح سؤال برلماني في الفصل التشريعي السابع عشر عن الموضوع.
وأوضحت الدكتورة آمنة الضحاك الشامسي، وزيرة التغير المناخي والبيئة في تلك الجلسة قائلة: بالنسبة للزيوت المهدرجة وأضرارها على الصحة العامة، عملت الوزارة عبر اللجنة الوطنية لسلامة الأغذية على مناقشة الآثار الضارة بشأن استهلاك الزيوت المهدرجة وأقرت اللجنة حظر استخدام الزيوت المهدرجة في المنتجات الغذائية وتم تحديث المواصفة المتعلقة بالزيوت المهدرجة، بإضافة حظر هذه الزيوت جزئياً وهذه المواصفات تصدرها وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة ضمن اللجنة التوجيهية للمواصفات القياسية وتصدر عبرها المواصفات الوطنية التي تعتمدها اللجان الفنية المختلفة وفي هذه الحالة متمثلة في لجنة سلامة الأغذية، مشيرة إلى أن الوزارة تعمل على تطبيق هذا القرار ومتابعته بالسلطات الرقابية وتترك مساحة لهذه المواصفة لجميع الجهات المصنعة أو الشركات المستوردة لتعديل الأوضاع وبعد ذلك تدخل ضمن نطاق التطبيق والجزاءات في حال مخالفة المواصفة الوطنية.
0 تعليق