تحولت منصات التواصل الاجتماعي، إلى أشبه بمسرح لاستعراض اللحظات اليومية الخاصة وإن كانت مزيفة، والتباهي بالممتلكات الثمينة والمركبات الجديدة الفارهة، حتى وإن كان قرض امتلاكها يقضم الدخل الشهري قضماً، فيما لا يترك البعض لحظة دون أن يبثها على تلك المنصات وإن كانت بكاء أو ضحكاً أو درهم صدقة يضعها في يد فقير أو زيارة ظاهرها البر وباطنها التصوير، وهي جميعها سلوكيات تتنافى مع القيم والعادات العربية والإسلامية.
وتؤثر هذه الظاهرة سلباً في المجتمع، وبرغم أنها مجرد سعي للفت الأنظار، إلا أنها تدفع البعض للتقليد الأعمى وتجربة العيش بنفس المستوى من الرفاهية، ما يعرض لأزمات مادية ونفسية واجتماعية.
نقل التفاصيل
مما لا شك فيه أن البعض تجرّأ في نقل تفاصيل حياته الخاصة عبر وسائل التواصل الحديثة لتصبح متاحة أمام الجميع، بهدف جمع أكبر عدد من المشاهدات أو التفاخر، ويشير طارق أسعد، موظف، إلى أن هذا السلوك الذي قد يتقبله الأفراد في الغرب يعد مذموماً في مجتمعاتنا العربية وذلك لأنه يخالف القيم والمبادئ التي نشأنا عليها.
وتوقع زيادة هذه الظاهرة مستقبلاً في حال عدم قيام أولياء الأمور بتوعية الأجيال الجديدة بالأضرار الناجمة عن تقليد هذه النوعية من الممارسات التي تنعكس سلباً على حياة الشخص المادية والاجتماعية والنفسية، وحثهم على ضرورة وجود خصوصية للفرد، وأن ليس كل ما تتم مشاهدته في العالم الافتراضي حقيقياً، إضافة إلى ضرورة تعويدهم على التفكير النقدي لضمان حمايتهم من الانجراف في هذا التيار وليتمكنوا من اختيار ما يمكن الاستفادة منه في حياتهم.
وأضاف أن من المشاهد السلبية التي قد تسبب حرجاً للآخرين وانتهاك لخصوصيتهم، هي قيام البعض بعرض الهدايا التي تصله في حال وجود مناسبة خاصة مثل احتفال بيوم الميلاد أو الزواج، إضافة إلى كتابة اسم صاحب الهدية أو عرض بطاقة التهنئة معها، وقد تكون هذه الهدية متواضعة أو رخيصة الثمن، وهو ما يضطر الغالبية لتقديم هدايا غالية خشية عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلهم تحت طائلة الضغوط المادية.
المسؤولية الاجتماعية
قالت ليال حسين رشيدات، موظفة، إن ما نشاهده أحياناً من مضامين ليست سوى عرض لتفاصيل الحياة اليومية أو هدايا أو ممتلكات وغيرها، أصبحنا ندرك أنها مجرد وهم أو هروب من الواقع والسعي للفت الأنظار، وأن ما يتم بثه ليس بالضرورة أن يكون حقيقة أو مصدراً للسعادة، لذا يجب أن نشعر كأفراد بالمسؤولية المجتمعية على توعية الأجيال الناشئة بهذه الحقائق، لتجنيبهم التعرض للضغط النفسي الناجم عن عدم قدرتهم على العيش بنفس المستوى من الرفاهية أو التقليد الأعمى الذي قد يعرض الفرد لأزمات مادية ونفسية واجتماعية.
وأشارت إلى ضرورة غرس مبدأ القناعة لدى الأطفال خاصة أن التقنيات الحديثة باتت ملازمة لكل تفاصيل حياتهم والحرص على تعويدهم على انتقاء ما يمكن مشاهدته بحيث نضمن تعرضهم لمضامين مفيدة.
تزييف الحقائق
عبّر محمود بلال، موظف، عن استيائه من بعض ما يشاهده من مضامين تتضمن عرضاً للحياة الخاصة حتى نشعر وكأننا نعيش معهم في نفس المنزل ونشاركهم كافة لحظات حياتهم، وذلك بهدف تحصيل أكبر عدد ممكن من المشاهدات، وهو ما يشير إلى سطحية هذه الفئة التي لا تعيش أحاسيس اللحظات الجميلة في حياتها، بل تحرص على تزييف الحقائق سواء بالتمثيل أحياناً أوتعديل الصور أو ادعاء السعادة.
وأضاف أنه من الملاحظ مؤخراً أن هذه الفئة باتت تفرض سلوكيات على المجتمع بطريقة غير مباشرة وهو ما يعد مؤشراً نحو مدى قدرة هذه الوسائل على التأثير على أفراد المجتمع مثل السفر لدول محددة والتوجّه لمطاعم، وبات الاختلاف أو السير خارج السرب غريب على الجميع.
من جانبه، قال سالم عبد الكريم، موظف، نرى في المجتمع أفراداً تأثروا بشكل واضح بالمضامين التي تعتبر مجرد استعراض للممتلكات، وقيامهم بسحب قروض بنكية لتجربة عيش حياة الأثرياء سواء بشراء سيارة فارهة وساعات ثمينة والسفر لوجهات سياحية مختلفة لأكثر من مرة في العام نفسه وغيرها من الممارسات التي جعلته حبيساً للضغوطات المادية والمطالبات البنكية مع العلم أنه خلال التصوير يدّعي السعادة.
وذكر أن الوعي بمفهوم الرضا النفسي والسعادة من العوامل المهمة لمواجهة هذه الظاهرة التي مع تناميها قد تفتك بأفراد المجتمع مادياً ونفسياً، كما يتطلب الأمر توجيه الأفراد نحو ضخ مضامين واعية بعيدة عن الإسفاف أو إكساب سلوكيات غريبة عن عادات وتقاليد وقيم المجتمعات العربية والإسلامية.
وأشار إلى ضرورة توعية الجيل الجديد بمخاطر ممارسة هذه السلوكيات والتي قد تبدأ بعرض مقتطفات صغيرة من تفاصيل حياتهم على أصدقاء معينين، حتى تصل مستقبلاً إلى الاعتياد على هذه الممارسة ومن ثم تقبل نشرها على مواقع التواصل الحديث.
منصات التواصل.. مسرح للاستعراض والتباهي بحثاً عن المشاهدات

منصات التواصل.. مسرح للاستعراض والتباهي بحثاً عن المشاهدات
0 تعليق