لم يعد الطلاق لدى بعض النساء نهاية مأساوية وواقعة مؤلمة وحزينة، بل وأحياناً مدمرة لحياة المرأة، حيث إن بعضهن يتخذ من هذه التجربة بداية حياة جديدة والسعي إلى استعادة التوازن، وإذا كانت كل هذه الخطوات مفيدة للتعافي من علاقة لم يكتب لها النجاح، حتى ولو بعد مرور السنين، إلا أن الغريب هو انتشار «حفلات الطلاق»، وهي ظاهرة غريبة على مجتمعاتنا، حيث تستقبل المرأة خبر انفصالها عن زوجها بالموسيقى والغناء ودعوة الأصدقاء إلى مشاركتها هذه اللحظات، وقد أثارت هذه الظاهرة جدلاً واسعاً بين مؤيد يراها شكلاً من أشكال التعافي النفسي بعد المعاناة، ومعارض يعتبرها تعدياً على القيم الاجتماعية والاحترام بين الطرفين المنفصلين.
تتخذ بعض النساء من الطلاق فرصة لبداية جديدة في حياتهن، لكن منهن من تفضل الإعلان عن ذلك بالاحتفالات والموسيقى الصاخبة وارتداء أفخم الثياب، ونشر الحفل على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يثير التساؤل حول هل هذا خطوة نحو التحرر مما مضى أم مجرد نزوة عابرة وثقافة جديدة؟
ترى الدكتورة عائشة الجناحي، كاتبة ومدربة ومحاضرة في شؤون الأسرة والأبناء، أن البداية حول أسس بناء علاقة زوجية مستقرة وعموماً، هو التفاهم بين الزوجين والاتفاق على هدف سامٍ يتمثل في بناء كيان أسري متماسك، يُروى يوماً بعد يوم بالحب والاحترام، فتُصبح العلاقة سكناً وأماناً، لا ساحةً للصراع والخلافات.
وأوضحت أن من الأسس التي تزيد العلاقة الزوجية صلابةً واستقراراً وتضمن نجاحاها واستمراريتها هي المرونة المتبادلة، كونها علاقة تُبنى على الاحتواء والتنازل.
ولفتت إلى أن بعض الأزواج يظنون أن استمرار العلاقة الزوجية حفاظاً على مشاعر الأبناء مهم، على الرغم من غياب التوافق والألفة، لكن الاستقرار الظاهري، في ظل موت المشاعر ينذر بانهيار أعمق، ويزيد من المشاعر السلبية تدريجياً.
وقالت إن العلاقة الزوجية إذا استمرت وسط هذا الكم من المشكلات، فإن نفسية الأطفال تتأثر بشكل كبير، لكن طبيعة التأثر لا تتوقف على حدوث الطلاق، بل تتعلق بكيفية إتمامه وما يسبقه ويتبعه من أحداث، فالأطفال غالباً يعانون في صمت ويتجرعون الألم داخلياً، ما يُدخلهم في دوامة من القلق والحزن وانعدام الأمان.
الشعور بالحرية
ترى «أم شما»، مطلقة ولديها ثلاثة أطفال، أنها شعرت بحرية بعد الانفصال بعد معاناة دامت سبع سنوات وفي أول أسبوع كانت هادئة قليلاً تتأمل كيف تربي أطفالها وتعتني بهم، لكن الضيق من التفكير لازمها فقررت أن تحتفل وتعلن عن حياة جديدة هي من أصنعها بسعادة من دون الالتفات لرأي أحد، وأكدت أنها سعيدة بهذه الخطوة والحفلة كانت لتغيير الأجواء ووجود من تحب حولها، والأهم، على حد قولها، إنها كانت وسيلة للتعافي بعد سنوات من المرار الذي عاشته.
ومن مفاسد إقامة حفل الطلاق أنها تغلق الباب نحو عودة الزوجين ولم الشمل مرة أخرى، حيث إن رد فعل الزوج سيكون هجومياً بعد شعوره بالإساءة والفرح بالتخلص منه وفتح المجال أمام كشف أسرار الحياة الزوجية، ويرى المحامي منصور عبدالقادر، أن كل هذه التصرفات تعد أضراراً ينزلق معها المرء نحو التعريض والإساءة وكشف الحياة الخاصة للزوج وعائلته وهو أمر وضع له القانون عقوبة تصل للحبس مع الغرامة.
وأكد منصور أنه ووفقاً لنص المادة (431) من مرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021 بإصدار قانون الجرائم والعقوبات على أن يعاقب بالحبس والغرامة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد وذلك إذا سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف أو أي جهاز آخر، أو إذا التقط أو نقل صورة شخص في مكان خاص.
وأوضح أن التجسس لا يجوز شرعاً وأما من الناحية القانونية يعد هذا الفعل جريمة يعاقب عليها القانون وفقاً لنص المادة 431 من قانون الجرائم والعقوبات، ولفت إلى أن التجمع بمناسبة الطلاق وإقامة حفل والدعوة والترويج له قد يشكل بصورة أو بأخرى انتهاكاً لخصوصية الغير وهو الزوج وأسرته وعائلته، فإن المعني بمعرفة والإخطار بالطلاق هي الزوجة فقط وليس الغير، وبالتالي فلا معنى لإعلان الطلاق وإظهار الفرح.
تدهور العلاقات
اعتبر المستشار القانوني محمد جاويش، أن حفلات الطلاق هي عادة دخيلة غريبة على مجتمعنا العربي، حيث تحول الطلاق إلى احتفالية تتوزع فيها الحلوى وتحتفل فيها المرأة بالانتصار، وأكد أنه حتى لو كان طلاق المرأة لعدم قدرتها على تحمل ما يحل بها من الزوج وأنها قد ارتاحت بالتخلص من هذا الزوج، فإن هذه الفرحة لا يعبر عنها بإقامة الاحتفال، حيث إن ذلك قد يعكس تدهوراً في العلاقات الإنسانية وانتقاصاً من قيمة الزواج وقدسيته، ومن ناحية أخرى فكيف سيرى الأبناء أبيهم بعد رؤيتهم والدتهم وهي تحتفل بالانفصال عنه، أو كيف سيرون والدتهم ويعتبرونها شخصية سوية.
وفي الحديث بشأن عقوبة لتلك الحفلات، قال جاويش، إن العقاب يلحق من تقوم على إعداد الحفل في حال ما شهد تشهيراً أو نيلاً من الكرامة أو تناول الخصوصية، مثل تعليق صورة الزوج بصورة تنم عن الإساءة والسخرية، حيث إن القانون يجرم تلك الأفعال ويتصدى لها بمنتهى الحزم.
من جانبها، قالت الدكتورة صبرين الفقي أخصائي نفسي، مدير مركز رؤية للتدريب على العلوم السلوكية، إن تجاوز الأزمات العاطفية وألم الانفصال من أصعب المشاكل النفسية التي يمر بها الإنسان على مدى حياته، ولفتت إلى أنه إذا لم يتم التعامل مع هذه الأزمات بشكل واقعي وموضوعيئن فإنها قد تدمر الحياة بأكملها وعدم القدرة على المضي قدماً نحو تحقيق أي أهداف.
وأضافت أن البعض يلجأ لممارسة طقوس نفسية خاطئة وهذا قد يسبب حالات اكتئاب وحزن وقلق وغضب ومرارة وانخفاض الثقة بالنفس، إضافة إلى اضطرابات سلوكية ووحدة وكره الجنس الآخر.
0 تعليق