نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أصبحت مصدر ضغط كبيرًا .. كيف غيّرت أسعار البقالة المرتفعة سلوك الأمريكيين؟, اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025 12:59 مساءً
في قلب صيف تكساس، حيث تتسلط الشمس الحارقة على الطرق الأسفلتية بحرارة قد تتجاوز الأربعين درجة مئوية في بعض الأحيان، كانت شاحنات البقالة المبردة مشهدًا مألوفًا وهي تتدفق نحو المتاجر الكبرى محملة بالخضراوات الطازجة ومنتجات الألبان والمخبوزات.
ولكن المشهد تغيّر بشكل تدريجي، فخلال الأشهر الماضية أخذت أعداد الشاحنات تتناقص، وأصبحت أحمالها أقل حجمًا، وفي بعض الأسابيع، تصل العربات بنصف الكميات المعتادة، فيما بدأ مديرو المتاجر يراقبون الموقف، محاولين فهم الأسباب وراء هذا التراجع.
فقد كان من المعتاد في مثل هذا الوقت من العام أن تشهد المتاجر الكبرى في الولاية تدفقًا غير عادي للشحنات المحمّلة بالخضراوات الطازجة ومنتجات الألبان وغيرها من مواد البقالة، استعدادًا لموسم الصيف الذي يرتفع فيه الطلب إلى ذروته.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
ما يحدث في تكساس ليس حالة فردية، بل هو جزء من اتجاه أوسع في الولايات المتحدة.
وتشير بيانات مراكز الأبحاث الاقتصادية إلى أن ولايات عدة، من أوهايو إلى كاليفورنيا، تشهد تغيرات في سلوك المستهلكين، مع ازدياد الاعتماد على المتاجر المخفضة والعروض الترويجية، وتراجع الطلب على السلع غير الضرورية.
ويعكس هذا المشهد تحوّلًا أعمق في المزاج الاقتصادي العام، حيث باتت الضغوط التضخمية والسياسات التجارية تدفع الأسر لإعادة رسم خرائط إنفاقها اليومي.
أسعار مواد البقالة مصدر ضغط كبير
خلال حملته الانتخابية عام 2024، تعهّد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بخفض أسعار البقالة، مؤكّدًا أن الأمريكيين "سيتمكّنون قريبًا من تحمّل تكلفة مشترياتهم الغذائية"، لكن يبدو أن هذا الوعد لا يزال بعيد المنال بعد أن واصلت الأسعار الارتفاع بعد الانتخابات.
وبحسب استطلاع حديث لمركز إيه بي نورك لأبحاث الشؤون العامة، فإن أكثر من نصف الأمريكيين يشعرون بالضغط بسبب تكاليف الغذاء حيث قال 53% من المشاركين بالاستطلاع إن أسعار البقالة تمثّل "مصدر ضغط كبيرا".
يُذكر أن هذا الاستطلاع هو الأول من نوعه الذي يطرح سؤالًا مباشرًا حول مستويات الضغط بسبب أسعار البقالة، لكن استطلاعات سابقة أظهرت أيضًا أن الأمريكيين محبطون من ارتفاع التكاليف.
وتظهر بيانات من بروفيك إنسايدس أن 79% من الأمريكيين لاحظوا ارتفاعاً بوتيرة أسرع في أسعار البقالة مقارنة بمنتجات ومجالات أخرى، ما دفعهم لتغيير سلوكهم الاستهلاكي بشكل أوسع.
رغم أن معدل تضخم أسعار البقالة تراجع كثيرًا عن ذروته البالغة 9.4% في عام 2022 التي جاءت نتيجة اختناقات سلاسل الإمداد، فإنه لا يزال مرتفعًا، وصعدت أسعار البقالة بنسبة 2.4% في الاثني عشر شهرًا المنتهية في يونيو، وفق أحدث بيانات مؤشر أسعار المستهلك.
ويقول "ديفيد أورتيغا"، الخبير الاقتصادي في مجال الغذاء بجامعة ولاية ميشيجان، إن نتائج الاستطلاع تعكس خيبة أمل من الوعود الانتخابية لـ"ترامب" بشأن أسعار البقالة، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين التي يشعر بها المستهلكون حيال مستقبل الاقتصاد.
تغيّرات ملموسة في عادات التسوّق
ولم يعد الأمر مقتصرًا على التعبير عن الانزعاج في استطلاعات الرأي، إذ أصبح المستهلكون يُجرون تغييرات كبيرة على ما يشترونه من المتاجر وكيفية الشراء.
وذكر استطلاع أجرته ليندنج تري، أن 88% من المستهلكين غيروا من عادات التسوق للحد من تكاليف البقالة، فيما لجأ 44% إلى تغيير متاجر التجزئة التي يتعاملون معها، في حين يتبع 38% قائمة محددة للشراء، كما قلص 59% من أوقاتهم خارج المنزل.
وذكر تقرير من إيبسوس أن حوالي 80% من الأمريكيين غيروا سلوكهم خلال موسم الأعياد واتجهوا لتناول الطعام في المنزل وتخفيض الوجبات الخارجية.
ويؤكد تقرير نشرته فوربس على إعادة الأمريكيين لترتيب أولوياتهم الغذائية مع اتجاههم للوجبات العملية والقليلة التكلفة، وتراجعهم عن تناول الوجبات خارج المنزل.
كما أشار تقرير نشرته فايننشال تايمز إلى أن المستهلكين تناولوا مليار وجبة خارجية أقل في الربع الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق.
التغير يطال الجميع
لم يعد التأثير مقتصرًا على شريحة معينة من المجتمع، بل باتت ملامح التغيّر تطال الجميع دون استثناء.
بدءًا من أصحاب الدخل المحدود الذين قلّصوا استهلاكهم الأساسي، ويشترون عبوات أصغر، ويعتمدون على وجبات منخفضة التكلفة، ومرورًا بالأسر المتوسطة التي قد تضطر إلى التخلي عن الكماليات والتضحية ببعض ممتلكاتها ورفاهيتها لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار.
وحتى الفئات الأعلى من أصحاب الدخول التي تتجاوز 100 ألف دولار سنويًا، لم يسلموا هم أيضًا من وطأة هذا التغيّر.
وحسب دراسة بوبمنيو، ينفق الأمريكي العادي الآن نحو 235 دولارًا أسبوعيًا على البقالة، أي ما يزيد على 900 دولار شهرياً، بزيادة تصل إلى 23% مقارنة بما كان قبل خمس سنوات.
وبحسب بعض المؤشرات فإن أسعار الغذاء ارتفعت بنحو 25% بين 2020 و2024، مع توقعات بأن تزداد الأمور سوءًا مع الزيادات المقررة جراء الرسوم الجمركية التي قامت بفرضها إدارة "ترامب" مؤخرًا.
تغير أنماط الشراء يزعج الشركات
وذكرت عدة شركات أمريكية أن المستهلكين باتوا تحت ضغط، وهم يغيّرون أنماط تسوّقهم بشراء أحجام أصغر، واستخدام القسائم الشرائية، والتخلي عن الكماليات والتركيز على الأساسيات فقط. كما أن كثيرين أصبحوا يتناولون وجباتهم في المنزل أكثر من قبل.
وقال "رون سارجنت"، الرئيس التنفيذي المؤقت لشركة كروجر في شهر يونيو الماضي إن المستهلكين ما زالوا ينفقون بحذر في بيئة اقتصادية غير مستقرة، سواء في الفئات ذات الدخل المرتفع أو المنخفض، نظرًا لأنهم يواجهون حالة كبيرة من عدم اليقين.
وتعمل شركة كروجير على تكثيف العروض الترويجية وتوسيع منتجات علاماتها التجارية الخاصة، التي غالبًا ما تكون أقل سعرًا من العلامات التجارية الشهيرة، لجذب المستهلكين.
أما شركة موندليز، المالكة لعلامات "أوريو" و"تشيبس أهوي"، فأفادت بأن المستهلكين باتوا يشترون كميات أقل من منتجاتها، خصوصًا البسكويت، ما أدى إلى انخفاض مبيعاتها في أمريكا الشمالية بنسبة 3.5% خلال الربع الأخير.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة "ديرك فان دي بوت": "هناك الكثير من القلق والإحباط بين المستهلكين بسبب التضخم".
السياسات التجارية وتأثيرها
يتقاطع مزاج المستهلكين تجاه أسعار البقالة مع المشهد الاقتصادي الأوسع، حيث تشهد ثقة المستهلكين تذبذبًا ملحوظًا في الأشهر الأخيرة، على وقع السياسات التجارية التي تنتهجها إدارة "ترامب".
وتشير أحدث تقارير سوق العمل والإنفاق الاستهلاكي إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد يكون أضعف مما توحي به المؤشرات السطحية، في ظل التأثيرات الممتدة للحرب التجارية التي تخوضها واشنطن.
ورغم بقاء معدلات التضخم في مستويات معتدلة نسبيًا، فإن خبراء الاقتصاد يحذرون من مخاطر عودته إلى التصاعد.
فبينما لجأت بعض الشركات إلى امتصاص تكاليف الرسوم الجمركية، ونجحت أخرى في الاستفادة من المخزونات الكبيرة التي استوردتها مطلع العام، إلا أن هذه الاستراتيجيات تبدو مؤقتة.
ومع تقلص المخزونات وبدء الشركات في تحمّل أعباء الرسوم المرتفعة، قد يصبح تسارع التضخم مسألة وقت لا أكثر.
وتدعم البيانات الرسمية هذا القلق؛ إذ كشف مكتب الإحصاء الأمريكي عن تراجع حاد في واردات الشركات خلال شهر يونيو، عقب دخول الرسوم الجمركية المرتفعة حيز التنفيذ، ما جعل السلع الأجنبية أكثر كلفة وألقى بظلاله على خيارات المستهلكين وسلاسل الإمداد.
ومع استمرار حرارة الصيف في الولايات المتحدة، لا يبدو أن برودة الأسعار قادمة قريبًا.
ويواجه المستهلك الأمريكي واقعًا جديدًا يعيد تشكيل عادات الإنفاق ونظرة الناس إلى ما هو "أساسي" في حياتهم اليومية.
وبينما يَعِد الساسة بحلول سريعة، ويطمئن الخبراء بأن دورة الاقتصاد ستعيد التوازن عاجلًا أم آجلًا، تبقى الحقيقة أن معركة الأسعار هذه لن تُحسم في قاعات المؤتمرات، بل في ممرات المتاجر وعلى طاولات عشاء الأسر الأمريكية.
المصادر: أرقام- سي إن إن- فوربس- أسوشيتد برس- فايننشال تايمز- رويترز- موقع انفستوبديا
0 تعليق