لحماية أرباحها .. كيف تخوض شركات الأدوية معاركها في أروقة المحاكم؟

ارقام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لحماية أرباحها .. كيف تخوض شركات الأدوية معاركها في أروقة المحاكم؟, اليوم الجمعة 8 أغسطس 2025 11:42 صباحاً

في يناير 2023، تلقى محامو شركة "آبفي" الأميركية إشعارًا قانونيًا من منافستها الألمانية "بوهرنجر إنغجلهيم"، تُعلن فيه كسر جدار حماية براءة الاختراع المفروض حول دواء "هيوميرا" الشهير، والمستخدم في علاج الأمراض الالتهابية والمناعية المزمنة.

 

لم يكن هذا الإشعار القانوني سوى حلقة أخيرة لواحدة من أطول وأعقد المعارك في تاريخ صناعة الأدوية، فعلى الرغم من الحصول على الموافقات التنظيمية لبديل دواء "هيوميرا" منذ 2016، فإن دخوله إلى السوق لم يتحقق قبل عام 2023.

 

 

ففي أروقة المحاكم الفيدرالية الأمريكية، لم يكن الصراع يدور فقط حول تركيبة دواء أو صيغة كيميائية، بل كان اختبارًا حقيقيًا لقوة النفوذ القانوني الذي تبنيه شركات الأدوية الكبرى حول منتجاتها التي تحصد منها مليارات الدولارات.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

كانت بوهرنجر إنجلهيم تحاول إطلاق دواء تحت مسمى "بيوسيميلار" وهو نسخة من "هيوميرا" الذي يدرّ على شركة آبفي أكثر من 20 مليار دولار سنويًا، إلا أن الأخيرة ردّت بعاصفة من الدعاوى شملت العشرات من براءات الاختراع التي تغطي كل ما يتعلق بالدواء.

 

وفي الوقت الذي كان المحامون يتبادلون المرافعات، كان ملايين المرضى حول العالم ينتظرون بفارغ الصبر توفر نسخة أرخص من الدواء الذي يخفف آلامهم المزمنة، وتسببت المعركة القانونية في تأجيل إطلاق الدواء البديل لعدة سنوات.

 

وتلجأ الشركات الكبرى إلى ترسانة من الأساليب القانونية لتأخير دخول البدائل الأرخص أو منعها تمامًا وهو ما يزيد من تحديات الشركات المنتجة للبدائل الجنيسة، وهي أدوية تحتوي على نفس المادة الفعالة بالأدوية الأصلية، وتُباع باسم مختلف وغالبًا بسعر أقل بكثير.

 

براءات الاختراع.. حماية أم وسيلة للهيمنة؟

 

تقف براءات الاختراع في قلب هذا الصراع القانوني، فبينما يفترض أن تحمي الابتكار بمنح احتكار مؤقت، يرى النقّاد أن شركات الأدوية كثيرًا ما تسيء استخدام النظام عبر ما يُعرف باسم "إطالة عمر براءة الاختراع".

 

ويحدث ذلك عبر إدخال تعديلات طفيفة على الدواء الأصلي كتحوير في الجرعة أو دمجه مع مكون آخر للحصول على براءة جديدة وإطالة أمد الاحتكار.

 

وهذا السيناريو استخدمته آبفي للحفاظ على احتكار دواء هيوميرا، والذي أصبح الدواء الأعلى مبيعًا في العالم بفضل حصن قانوني يتكون من أكثر من 100 براءة اختراع في الولايات المتحدة وحدها.

 

وبحسب تقرير من فيرويل هيلث فإن تكلفة تناول دواء هيوميرا الشهري يصل إلى حوالي 7 آلاف دولار أمريكي خارج التأمين الصحي، بينما يمثل سعر البديل له تكلفة أقل بنسبة تتراوح ما بين 55 و85% من السعر الأصلي.

 

 

ووفقًا لمنظمة I-MAK الأمريكية المعنية بحقوق الوصول إلى الأدوية، قدمت الشركة أكثر من 250 طلب براءة تخص هذا الدواء، ما مكّنها من الحفاظ على احتكارها حتى دخول المنافسين السوق في عام 2023، أي بعد مرور 20 عامًا على طرحه الأول.

 

ويمثل هذا النموذج إشارة واضحة إلى كيف يمكن أن تتحول براءات الاختراع من أداة لحماية الابتكار إلى وسيلة لفرض الهيمنة على السوق، لتصبح في بعض الحالات سلاحًا قانونيًا بيد الشركات الكبرى، تُستخدم لصد المنافسين وتأخير توفير الأدوية بأسعار مناسبة.

 

اتفاقيات "الدفع مقابل التأخير"

 

استراتيجية أخرى مثيرة للجدل تلجأ إليها بعض الشركات الكبرى هي "الدفع مقابل التأخير"، حيث تدفع الشركة المنتِجة للدواء الأصلي لمنافستها الجنيسة مبلغًا ماليًا مقابل تأخير طرح النسخة الأرخص في السوق.

وغالبًا ما تتم هذه الاتفاقيات في سرية، لكن تأثيرها يكون ملموسًا على أسعار الأدوية.

 

أكبر 7 شركات أدوية في العالم حسب حجم الإيرادات (بحسب موقع درج ديسكفريتريندز)

الترتيب

الشركة

الإيرادات السنوية

(مليار دولار الأمريكي)

الدولة

1

فايزر

 63.6 

الولايات المتحدة

2

جونسون آند جونسون

54.8

الولايات المتحدة

3

آبفي

54.3

الولايات المتحدة

4

ميرك

53.6

الولايات المتحدة

5

روش

49.9

سويسرا

6

سانوفي

46.2

فرنسا

7

أسترازينيكا

45.8

المملكة المتحدة

 

في عام 2024، اتخذت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية إجراءات قانونية صارمة ضد عدد من شركات الأدوية، من بينها "إيندو فارماسيوتيكلز" بسبب صفقة أثارت جدلًا واسعًا تتعلق بمسكّن الألم "أوبانا إي آر"، وهو دواء طويل المفعول يُستخدم لعلاج الآلام المزمنة الشديدة.

 

وكانت تلك الشركة قد توصلت في وقت سابق إلى اتفاق تسوية يُعرف بـ"ادفع مقابل التأخير" تقوم بموجبه الشركة المالكة للدواء الأصلي بدفع مبالغ مالية للمصنّع المحتمل للبديل الجنيس، مقابل تأخير طرح هذا البديل في السوق لفترة زمنية معينة.

 

 

وقد اعتبرت لجنة التجارة هذا السلوك منافيًا لقوانين حماية المنافسة، إذ يؤدي إلى حرمان المرضى من خيارات أقل تكلفة، وإبقاء أسعار الدواء مرتفعة بشكل مصطنع.

 

وبحسب تقديرات اللجنة، فإن هذه الممارسة كلّفت المرضى وجهات التأمين الصحي مئات الملايين من الدولارات، نتيجة حرمانهم لسنوات من الوصول إلى نسخة جنيسة أرخص من "أوبانا إي آر".

 

ولم تكن هذه أول مرة تُتهم فيها شركات الأدوية الكبرى بالتلاعب في السوق، بل تمثل جزءًا من نمط أوسع تسلكه بعض من تلك الشركات للحفاظ على احتكاراتها على حساب المستهلكين.

 

مقاضاة الحكومات وسيلة أخرى

 

تستخدم بعض شركات الأدوية الكبرى أدوات قانونية دولية لمقاضاة الحكومات التي تتخذ قرارات تُضعف من أرباحها، حتى وإن كانت تلك السياسات تصب في مصلحة الصحة العامة أو في صالح الميزانيات العامة.

 

فعلى سبيل المثال، في عام 2023، قررت بولندا أنها لن تُدرج الجرعة المعززة من لقاح "كوميرناتي" الذي تنتجه فايزر ضمن اللائحة الرسمية للأدوية التي تغطيها الدولة، وذلك بسبب توفر بدائل أرخص بنفس الفاعلية.

 

ردّت فايزر برفع دعوى قضائية ضد بولندا استنادًا إلى اتفاقية حماية الاستثمار بين الولايات المتحدة وبولندا، متهمة الدولة بانتهاك مبدأ "المعاملة العادلة والمنصفة".

 

ورُفعت الدعوى وفقًا لآلية تسمح للمستثمرين الأجانب بمقاضاة حكومات في هيئات تحكيم دولية خارج المحاكم الوطنية.

 

وتفتح هذه الخطوة الباب لتساؤلات واسعة حول مدى قدرة الحكومات على اتخاذ قرارات صحية مستقلة إذا كانت ستواجه دعاوى بمليارات الدولارات من الشركات.

 

كما واجهت شركة نوفارتس نزاعات مع هيئات تعويض صحية في أوروبا، خصوصًا في فرنسا وبلجيكا، على خلفية قرار هذه الدول تخفيض أسعار أدوية السرطان من إنتاج الشركة، أو استبعادها من برامج التعويض لصالح بدائل جنيسة أو أرخص.

 

وادّعت شركة الأدوية السويسرية أن الإجراءات "تُخلّ بحقوق الملكية الفكرية وتحرمها من عائدات مشروعة".

 

 

وتمثل هذه الدعاوى محاولة لاستخدام القوة القانونية لإجبار الحكومات على إبقاء أدوية مرتفعة التكلفة ضمن أنظمتها الصحية، حتى حين تشير الأدلة الطبية إلى إمكانية الاستعاضة عنها بخيارات أكثر كفاءة اقتصاديًا.

 

انتفاضة ضد شركات الأدوية

 

في المقابل، بدأت بعض الدول في التصدي لهذه الهيمنة القانونية من خلال الإصلاحات أو إصدار تراخيص إلزامية، تسمح بإنتاج النسخ الجنيسة من الأدوية المحمية بالبراءة دون موافقة الشركة الأصلية في حالات الطوارئ الصحية.

 

ففي عام 2024، أيدت المحكمة العليا في جنوب إفريقيا حق الحكومة في إصدار ترخيص بديل لدواء السل بيداكويلين، الذي تنتجه شركة يانسن فارماسيوتيكالز، وهي إحدى شركات جونسون آند جونسون، وكانت تبيعه بسعر مرتفع للغاية.

 

كما شهدت الولايات المتحدة أيضًا سياسة تصعيدية من الرئيس "دونالد ترامب" تجاه شركات الأدوية، لا سيما فيما يتعلق بأسعار الأدوية المرتفعة.

 

ومؤخرًا، أصدر "ترامب" رسائل إلى رؤساء 17 شركة أدوية كبرى، مثل فايزر وأبفي، طالبهم فيها بخفض الأسعار لتصبح متوافقة مع أدنى أسعارهم الدولية، مُعطيًا إياهم مهلة 60 يومًا لتقديم التزامات ملزمة.

 

في المقابل يرى المدافعون عن شركات الأدوية الكبرى أن العوائد الضخمة التي تحققها ضرورية لضمان استمرار الابتكار.

 

ويقولون إن عملية تطوير دواء جديد قد تستغرق أكثر من عشر سنوات، وتكلّف ما يزيد على ملياري دولار في المتوسط، مع وجود نسبة عالية من الفشل في المراحل التجريبية.

 

وبالتالي، فإن حماية براءات الاختراع تسمح للشركات باسترداد استثماراتها وتعويض الخسائر المرتبطة بمشاريع لم تصل إلى السوق.

 

وبين سطور المعارك القضائية وأروقة مكاتب براءات الاختراع، يتجلى صراع أعمق بين من يرى في الدواء سلعة تجارية تُحمى بموجب الملكية الفكرية وتُباع بأعلى سعر، وبين من يعتبره حقًا إنسانيًا لا يجوز تقييده بقيود السوق.

 

لكن من المؤكد أن مستقبل الصحة العالمية لن يُبنى فقط في المختبرات، بل أيضًا في قاعات المحاكم ومفاوضات خلف الكواليس حيث تتصارع مصالح شركات الأدوية العملاقة مع حقوق المرضى.

 

المصادر: أرقام- موقع مبادرة الوصول إلى الأدوية- لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية- رويترز- بلومبرج- منظمة أطباء بلا حدود- الغارديان- سي إن بي سي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق