إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.
التطوّر العلمي لم يطرق أبوابنا بل دخل حياتنا دون استئذان، حمل معه تباشير الراحة والتقدّم، ولم يخلُ من التحدّيات والمخاوف. له منافع لا تُحصى، ومخاطر لا تُنكر، خاصة على الأجيال الناشئة. ومع ذلك، يبقى هذا التطوّر ضرورة لا ترفًا، وحاجة لا خيارًا، وُلد من رحم البحث الدائم عن سُبل تخدم الإنسان في صحّته، ومعرفته، وتطوّره، وإبداعه.
يبقى السؤال: كيف نُحسن استخدام هذه النعمة؟ كيف نجعل منها أداةً للارتقاء لا سلاحًا للهدم؟ وحده الإنسان، بعقله الحرّ وإرادته الواعية، قادرٌ على توجيه هذه القوّة نحو ما يرضي الله ويسمو بالمجتمع. فالعقل، ذاك الامتياز الإلهي الذي خُصّ به الإنسان دون سواه، لا يُستبدَل ولا يُلغى، حتى في حضرة الآلة، بل يبقى السيّد والراعي والموجِّه، ما دام موصولًا بفكر الخالق ونعمته.
وقد تردّدت هذه الهواجس في داخلي طويلاً، إلى أن وجدت صداها في مؤتمرٍ نظّمته بلدية مدينة الشويفات، برعاية كريمة من معالي الوزير كمال شحادة، واستضافه منتجع "لا سياستا" في خلدة. لقاءٌ استثنائي، جمع نخبة من المفكّرين والخبراء، تحدّثوا بإسهاب عن الذكاء الاصطناعي، بين فوائده الجليلة ومخاطره المحتملة، بين قدرته على ترشيد الحوكمة، وتهديده المحتمل إن تُرك دون ضوابط.
لن أسرد مضامين الكلمات التي تناقلتها وسائل الإعلام، بل أتوقّف عند لحظة مفصليّة، تمثّلت في ما أعلنه رئيس بلدية الشويفات، الأستاذ نضال الجردي، من مبادرة جريئة تضع المدينة على خارطة المستقبل.
ففي خطوة رائدة، أعلن الجردي عن إنشاء مكتب خاص بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة داخل مبنى البلدية، يكون بمثابة مركز نابض يحتضن المشاريع الريادية، ويُشجّع المبادرات الرقمية، ويقرّب المسافات بين الشباب الطموح والمستثمرين والمؤسسات.
ولأنّ العلم هو النور الذي يبدّد الظلمة، قرّرت بلدية الشويفات، عبر رئيسها ومجلسها، فتح أبواب التعاون مع الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليميّة، لإطلاق برامج تدريب وورش عمل، تهدف إلى إعداد جيل متمكّن من أدوات العصر، قادر على تحويل معرفته إلى مشاريع منتجة، وخدمة نافعة، وعطاءٍ مستدام.
إنها خطوة جريئة في عالم البلديات، تستحق أن تُحاكى وتُحتذى. أرجو أن ترى النور قريبًا، وتثمر غدًا مشرقًا، فتكون الشويفات منارة رقمية على دروب الحداثة، ومثالًا يُحتذى في اجتراح السبل الكفيلة بكسر الجمود الإداري، وفتح نوافذ الأمل في وجه الفساد المتجذّر.
الشويفات، مدينتي التي أفاخر بها، أعوّل على مجلسها البلدي الحالي، وعلى رؤيته الواعية، في تحقيق وثباتٍ مباركة على كل المستويات. وقد بدأت بشائر هذا العمل الصادق تظهر من خلال متابعة ملف تعبيد طريق "صيدا القديمة"، عبر المتابعة المثمرة مع معالي وزير الأشغال العامة والنقل، الصديق فايز رسامني، الذي نشكره على تبنّيه لهذا المشروع كأولوية وطنية، إنه نموذج الوزير الناجح والصادق.
الشويفات كانت وستبقى، بإذن الله، مدينة العلم والنور، ومدينة الوجوه النيّرة، تُعطي الوطن من نبضها وعقلها، وتخطّ له دروب المستقبل بثباتٍ وشغف.
0 تعليق