معضلة الهند.. بين نفط روسيا والرسوم الأميركية

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
معضلة الهند.. بين نفط روسيا والرسوم الأميركية, اليوم الجمعة 8 أغسطس 2025 12:04 مساءً

تجد الهند نفسها في قلب عاصفة جديدة أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعدما طالب نيودلهي بوقف وارداتها من النفط الروسي،.، بما يعكس نهجاً متشدداً من واشنطن يعيد إلى الواجهة سياسة الضغط القصوى، لكن هذه المرة موجّهة نحو شريك استراتيجي لا يمكن تجاهله في معادلات آسيا.

بالنسبة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، فإن الأزمة تتجاوز كونها مجرد خلاف تجاري. فالهند، التي تعتمد بنسبة تقارب 90 بالمئة على واردات النفط، ترى في الخام الروسي خياراً اقتصادياً يصعب الاستغناء عنه، سواء من حيث الكلفة أو سهولة النقل، خصوصاً في ظل تعقيدات فنية تواجهها المصافي المحلية عند التبديل بين أنواع النفط المختلفة.

ومع فرض واشنطن رسوماً إضافية، لتصل نسبة الرسوم إلى 50 بالمئة على بعض واردات الهند، بدأ المشهد يتخذ أبعاداً أكثر خطورة، لا سيما مع تلويح نيودلهي بالبحث عن تحالفات بديلة، وتحركها نحو توسيع شراكاتها التجارية بعيداً عن السوق الأميركية. في هذه اللحظة الحرجة، يقف مودي أمام معادلة دقيقة بين الانحناء للعاصفة أو إعادة رسم خريطة المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للهند.

أحدث التطورات

  • طالب دونالد ترامب الهند بالتوقف عن شراء النفط من روسيا، وإلا ستواجه رسوماً جمركية عقابية.
  • لكن المشكلة التي تواجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هي أنه قد لا يكون هناك سبيل سهل لتحقيق ذلك، بحسب وصف تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
  • بعد سنوات من إقبال بلاده على النفط الخام الروسي الرخيص، يواجه رئيس الوزراء الهندي معضلة جيوسياسية فضلاً عن التحدي العملي إذا سعى إلى إعادة هندسة مزيج إمدادات الطاقة لثالث أكبر مستورد للنفط في العالم.

يضيف التقرير: تشتري الهند حوالي 90 بالمئة من نفطها الخام من الخارج، وتُعدّ أكبر سوق للنفط الخام الروسي المنقول بحراً منذ العام 2023، وفقاً لبيانات تتبع السفن التي جمعتها شركة كبلر. وتستورد الهند حوالي 5 ملايين برميل من النفط يوميًا، منها مليونان من روسيا.

ونقل التقرير عن المحلل الرئيسي في شركة كبلر، سوميت ريتوليا، قوله: "أين ستجد الهند مليوني برميل يومياً من النفط الخام بهذه الطريقة؟". وأضاف: "قد تتجه الهند أكثر نحو النفط غير الروسي. لكنني لا أعتقد بأننا سنشهد يوماً تتوقف فيه الهند عن شراء النفط الروسي".

في فبراير، اتفق ترامب ومودي، الذي وصفه الرئيس الأميركي بـ"صديقه العزيز"، على زيادة صادرات الطاقة الأميركية إلى الهند. إلا أن بُعد المسافة بين البلدين - مقارنةً بطرق الشحن الأقصر بكثير من روسيا والشرق الأوسط - والتحدي التقني الذي تواجهه مصافي التكرير الهندية في التبديل بين أنواع مختلفة من النفط الخام، حدّ من هذا الخيار.

وأعلن ترامب يوم الأربعاء عن فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25 بالمئة على الواردات من الهند بسبب مشتريات نيودلهي من النفط الروسي، ليصل إجمالي الرسوم المفروضة على خامس أكبر اقتصاد في العالم إلى 50 بالمئة.

 وقال الرئيس الأميركي: "أرى أنه من الضروري والمناسب فرض رسوم جمركية إضافية على واردات السلع من الهند، التي تستورد نفط الاتحاد الروسي بشكل مباشر أو غير مباشر".

ويواجه مودي مجموعة صعبة من الخيارات: إما قبول التعرفات الجمركية الأميركية، أو التحول من النفط الروسي إلى موردين آخرين، أو محاولة إيجاد حل وسط مع ترامب، حيث تعمل الهند على الحد من مشترياتها من النفط الخام الروسي دون وقفها تماما.

وكتب شيلان شاه من كابيتال إيكونوميكس في مذكرة إلى العملاء أنه يشك في أن الهند ستبذل "جهدًا كاملاً للتخلص من الاعتماد على النفط الروسي" لأن مودي سيكون متردداً في تقويض العلاقات الودية مع موسكو أو مواجهة الانتقادات في الداخل لظهوره وكأنه يستسلم لترامب.

أصعب اختبار

يقول مستشار المركز العربي للدراسات، أبو بكر الديب، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • الهند تواجه اليوم أحد أصعب اختباراتها الاقتصادية، بعد أن بدأت بوادر السياسة التجارية الترامبية تتجلى في شكل مراجعة شاملة للإعفاءات الجمركية والتسهيلات التفضيلية التي كانت نيودلهي تتمتع بها في السوق الأميركية.
  • الرسوم الأميركية المرتفعة (..) توجه ضربة مباشرة لقطاعات هندية حيوية يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في التشغيل والنمو، لا سيما وأن الولايات المتحدة كانت الشريك التجاري الأول للهند خلال العام المالي 2024-2025.
  • القيود الأميركية على هذه الصادرات تهدد مئات الآلاف من الوظائف (..).
  • المثير للقلق أن إدارة ترامب لا تكتفي بالرسوم الجمركية فقط، بل تعيد تفعيل مقارباتها القديمة فيما يتعلق بملف الملكية الفكرية وحقوق الشركات الأميركية داخل الهند، وتضغط حالياً من أجل فتح السوق الهندية بشكل أوسع أمام شركات التكنولوجيا الدوائية الأميركية الكبرى، وكذلك شركات الطاقة.

ويضيف: "من جهتها، بدأت نيودلهي تحركات دبلوماسية هادئة لكنها نشطة، شملت قنوات اتصال مباشرة مع مساعدي ترامب في مجلس الأمن القومي ووزارة التجارة، كما جرى تفعيل خطوط اتصال غير معلنة عبر رجال أعمال هنود أميركيين مؤثرين في الحزب الجمهوري، وقد نُقلت رسائل واضحة تفيد بأن التصعيد الاقتصادي مع الهند قد يدفع نيودلهي نحو تعزيز شراكتها مع الصين وروسيا ضمن تحالفات تجارية بديلة مثل بريكس+ ومنظمة شنغهاي، بما يضر بالمصالح الاستراتيجية الأميركية في آسيا".

ويشدد على أن الهند اليوم لا تقف مكتوفة الأيدي، بل تعمل على توسيع اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والكتلة الخليجية وبلدان الآسيان، كما أطلقت منذ مايو الماضي مفاوضات تجارية مع المكسيك والبرازيل وجنوب إفريقيا في محاولة لتقليل الاعتماد على السوق الأميركية (..)

وفي الداخل، يواصل رئيس الوزراء ناريندرا مودي الدفع بسياسة "صنع في الهند" لتعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج، كما أعلن في يوليو 2025 عن حزمة تحفيز جديدة موجهة لقطاع الصناعات التكنولوجية والزراعية، ويشمل ذلك صندوق دعم المصدرين المتضررين من القرارات الأميركية المحتملة، مع إطلاق خطة لتوسيع قاعدة الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات العاملة داخل الهند لضمان استقرار الإيرادات العامة

ويضيف الديب: "الهند أمام مفترق طرق اقتصادي وأمني في آنٍ واحد، إذ أن العلاقة مع الولايات المتحدة لم تعد فقط مسألة تجارة أو جمارك، بل ترتبط أيضاً بالتوازن الإقليمي في وجه النفوذ الصيني، وإذا ما أصر ترامب على اتباع نهج عقابي تجاه نيودلهي فإنه سيدفعها إلى خيارات جيوسياسية بديلة (..)".

لكن في المقابل، لا يمكن للهند المجازفة بخسارة السوق الأميركية بالكامل في هذا التوقيت الدقيق، ولذلك فإن أفضل خياراتها تكمن في الضغط عبر التحالفات الاقتصادية داخل واشنطن، وكسب دعم مراكز التأثير الصناعي والتجاري الأميركي، خاصة تلك التي لها مصالح مباشرة في الهند، مثل شركات التكنولوجيا والطاقة النظيفة، التي تعتمد على القدرات الهندية في البرمجة والتصنيع والخدمات، بحسب الديب.

أسعار النفط

ويشار إلى أنه بعد الموقف الأميركي الضاغط على الهند فيما يخص واردات النفط من روسيا، فإنه يتم تقديم النفط الخام الروسي للمشترين الهنود بأسعار أقل في ظل العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي وتهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات والتي تلقي بظلالها على توقعات الطلب، وفقا لشركة Kpler .

وانخفض سعر خام الأورال بأكثر من 5 دولارات للبرميل عن خام برنت، وفقًا لمذكرة صادرة يوم الأربعاء عن شركة كبلر، نشرتها بلومبرغ

ومن المرجح أن يستمر الاتجاه الهبوطي بسبب حالة عدم اليقين بشأن الإجراءات الأميركية، والتي ستؤدي إلى موقف أكثر حذرا من جانب المصافي المملوكة للدولة والخاصة، وصيانة المصانع في روسيا مما يؤدي إلى زيادة العرض من أغسطس إلى أكتوبر، وهو ما أكده  رئيس تحليل النفط الخام في كبلر، هومايون فلكشاهي.

مع ذلك، أفادت شركة كبلر بأن تعويض حصة روسيا السوقية البالغة 37 بالمئة سيكون مكلفاً للمصافي الهندية، ومن غير المرجح أن توقف وارداتها تمامًا. وتدرس الشركات الحكومية التوقف مؤقتًا، على الرغم من أن الشركات الخاصة لا تزال تستورد براميل النفط، ولكن بوتيرة أبطأ، وفقًا لشركة تحليل البيانات.

وأضافت شركة كبلر أن واردات الهند من النفط الخام من الولايات المتحدة ارتفعت أيضًا إلى حوالي 225 ألف برميل يوميًا منذ مايو، وهو ما يقرب من ضعف المستويات في أوائل عام 2025.

تهديد استراتيجي

من جانبه،  يشير  أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور محمد عطيف، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:

  • الرسوم الجمركية الأميركية تُشكّل تحديا للهند يتجاوز الجانب الاقتصادي ليمسّ الاستقرار الاستراتيجي في العلاقات الثنائية.
  • الولايات المتحدة تعامل الهند كحليف رئيسي في مواجهة الصين، لكن فرض رسوم تجارية يعكس تناقضا في السياسة الأميركية بين الأهداف الجيوسياسية (احتواء بكين) والمصالح الاقتصادية (حماية الصناعة المحلية).
  • هذا يضع الهند في مفترق طرق؛ إما قبول التكاليف الاقتصادية قصيرة المدى للحفاظ على التحالف، أو الردّ بقيود تجارية تُضعف الثقة الاستراتيجية بين الطرفين.

ويضيف: "من ناحية القوة الناعمة قد تُستخدم الهند منصات مثل مجموعة البريكس أو منظمة التجارة العالمية لتعزيز تحالفاتها مع دول نامية أخرى متضررة من السياسات الأميركية، مما يعزّز موقعها كقائدة للجنوب العالمي.. لكنّ هذا الخيار يحمل مخاطرة تدهور العلاقات مع واشنطن، التي تُعدّ شريكاً أساسياً في مجالات مثل التكنولوجيا والدفاع".

ويشدد على أنه "في الإطار الواقعي قد تختار نيودلهي التفاوض الهادئ بدلا من المواجهة، مستفيدة من حاجة واشنطن لها في ملفات مثل الأمن الهندو-باسيفيكي أو قد تضغط لتفعيل آليات حل النزاعات في منظمة التجارة العالمية، لكنّ فاعلية هذا المسار محدودة في ظلّ تراجع ثقة الدول في المنظمات متعددة الأطراف.".

ويعتقد عطيف بأن الخيار الأكثر توازنا هو السياسة البراغماتية مثل قبول بعض الإجراءات الأميركية مع تعويض الخسائر عبر تعميق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، مع الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع واشنطن كضامن لأمنها في مواجهة الصين وباكستان. هنا، تبرز الهند كفاعل ذكي في النظام الدولي متعدد الأقطاب، قادر على تحقيق التوازن بين الاقتصاد وما هو جيوسياسي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق