ترؤس وزير الداخلية للمشاورات الانتخابية.. تحول دالّ في توازن الصلاحيات ومؤشر على حياد مدروس في تدبير استحقاقات 2026

أخبارنا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

بالاعتماد على الخطاب الملكي الأخير، ومضامين الدستور المغربي، وأحكام القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أعمال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، يمكن قراءة ترؤس وزير الداخلية، عوض رئيس الحكومة، للقاءات التشاورية حول الانتخابات المقبلة، كمؤشر بالغ الدلالة على تحوّل في ملامح التوازن المؤسساتي داخل الدولة المغربية، وتعبير عن مقاربة جديدة في تدبير اللحظة السياسية الراهنة واستحقاقاتها.

ففي الوقت الذي جرت فيه العادة أن يضطلع رئيس الحكومة، بصفته رئيسًا للسلطة التنفيذية، بمهمة الإشراف على المشاورات السياسية ذات الطابع الوطني، وعلى رأسها التحضير للاستحقاقات الانتخابية، لوحظ هذه السنة أن وزارة الداخلية هي التي تولت، بشكل رسمي وعملي، مهمة ترؤس هذه اللقاءات مع زعماء الأحزاب السياسية. وهو ما لم يكن ليتم لولا وجود ضوء أخضر مؤسساتي يعكس إرادة عليا بتعديل المشهد وضبط إيقاعه، خاصة في ظل التوجيهات المتكررة الواردة في الخطابات الملكية، والتي تؤكد ضرورة تحصين الممارسة الديمقراطية، وتخليق الحياة السياسية، وضمان نزاهة الانتخابات باعتبارها مدخلًا أساسيًا لتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات.

هذه الخطوة لا يمكن قراءتها فقط من زاوية تقنية، بل تندرج ضمن تصور شامل لإعادة تعريف أدوار المؤسسات الدستورية، بما ينسجم مع روح الفصل بين السلط كما ورد في الباب الأول من الدستور، ووفقًا لمبدئي المسؤولية والمحاسبة، اللذين اعتبرهما الملك في خطابه الأخير من ثوابت البناء الديمقراطي. وإذا كانت الحكومة مسؤولة أمام الملك والبرلمان، فإن حيادها المفترض في الإشراف على التهييء للانتخابات قد يصبح محل مساءلة إذا ما تداخلت الوظيفة السياسية الحزبية لرئيسها مع مقتضيات الحياد والشفافية، خاصة وأن رئيس الحكومة، وفق الفصل 87 من الدستور، يُعيَّن من الحزب المتصدر للانتخابات، مما يضعه تلقائيًا في موقع الخصم والحكم إن هو أشرف على التحضيرات بنفسه.

ومن هذا المنظور، فإن نقل مهمة الإشراف على اللقاءات التشاورية إلى وزير الداخلية، بصفته عضوًا في الحكومة لكنه غير متحزب، يمكن أن يُفهم على أنه سلوك مؤسساتي يرمي إلى ضمان مسافة تنظيمية محايدة بين الفاعلين السياسيين، وتمكين كل الأحزاب، على اختلاف مواقعها، من التعبير والمساهمة في الإعداد دون شعور بتفوق طرف حكومي على الباقين بفعل موقعه التنفيذي. كما أن هذا التوجه لا يتنافى مع منطوق الفصل 92 من الدستور، الذي يخول لمجلس الحكومة التداول في القوانين الانتخابية، دون أن يجعل من رئيس الحكومة المسؤول الحصري عن إعدادها، ما دامت وزارة الداخلية هي الجهة التي تمتلك المعطيات والخبرة والحياد الإداري الكفيل بضبط الإطار التنظيمي المؤطر للعملية الانتخابية.

وتكمن أهمية هذه القراءة في كونها تعزز الخط الذي بدأ يتبلور منذ خطاب العرش الأخير، حيث شدد الملك محمد السادس على ضرورة صيانة الاختيار الديمقراطي، وحثّ على جعل الكفاءة والاستحقاق معيارًا للتعيينات والتدبير، لا الولاءات أو الحسابات الحزبية. وهذا التوجيه ينسحب أيضًا على إدارة العمليات الانتخابية، التي تُعتبر من أهم واجهات التدبير العمومي وأكثرها حساسية في أعين المواطنين والمراقبين على السواء.

وبالتالي، فإن التحول الحاصل ليس انتقاصًا من موقع رئاسة الحكومة، بل هو ضبط للأدوار وتحييد لبعض الوظائف حين تتعارض فيها الصفة التنفيذية مع مقتضيات الشفافية. وهذا ما يسمح لنا بالقول إن الدولة المغربية، في هذا الخيار، تسعى إلى تعزيز المصداقية الديمقراطية من خلال آليات دستورية مرنة، تستند إلى فلسفة الحكم الرشيد كما وردت في تصورات الملكية الدستورية.

وإذا كان البعض يرى في هذا التحول مؤشرًا على "التحكم" أو تقليص صلاحيات رئيس الحكومة، فإن القراءة المتأنية للنصوص والخطابات المرجعية تقود إلى نتيجة معاكسة، قوامها أن المغرب بصدد تجريب مقاربة تمييز إيجابي للمؤسسات، تضع كل مؤسسة في مقامها المناسب ضمن هندسة الدولة، دون إخلال بالتراتبية أو المساءلة.

وبهذا المعنى، فإن حضور وزير الداخلية في موقع قيادة المشاورات لا يُفهم إلا باعتباره خيارًا سياديًا لتهيئة شروط انتخابات 2026 ضمن مناخ أكثر حيادية، وأكثر دقة في تنزيل التوجيهات الملكية، التي تُعلي من شأن المصلحة العامة على كل اعتبار.

أخبار ذات صلة

0 تعليق