هل حان وقت إنقاذ الدول النامية من فخ الديون؟

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

تخفيف الديون وخفض أو تعليق الفوائد وزيادة حقوق السحب أدوات فعالة يجب وضعها على الطاولة

تشهد البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط تصاعداً في التحديات الاقتصادية، لا سيما في ظل أعباء الديون السيادية المرتفعة، في وقت يتباطأ فيه الاقتصاد العالمي وتزداد فيه التوترات التجارية ومخاطر الركود.

وفي ظل تكاليف الاقتراض الباهظة والبيئة الدولية غير المستقرة، تصبح قدرة هذه الدول على تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية أكثر هشاشة.

في ضوء هذه الظروف، فإن البنية المالية الدولية الحالية، وخاصة نهجها تجاه استدامة الديون، تحتاج إلى إصلاح جذري، إذ لا يمكن لهذه البلدان أن تخلق التدفقات الاستثمارية الضرورية لتحفيز نمو طويل الأمد، ما لم يتم اعتماد نهج جديد في التعامل مع ديونها.

لا تزال مفاهيم استدامة الدين خاضعة لتأثير “إطار استدامة الدين” التابع لصندوق النقد والبنك الدولي، رغم أن اقتصاديي المؤسستين أنفسهم أقروا منذ فترة طويلة بنواقص هذا الإطار.

وبينما يُفترض أن يوازن هذا الإطار بين الحاجة إلى تمويل التنمية واستدامة الدين، فإنه غالباً ما يدعو إلى مستويات إنفاق حكومي واستثمار دون المستوى الأمثل، مما يساهم بشكل غير مباشر في وقوع أزمات اقتصادية مستقبلية في الدول النامية.

كما أن هذا الإطار غالباً ما يفشل في تقدير حجم الاستثمارات المطلوبة، ولا يتسم بالحساسية الكافية تجاه الصدمات الاقتصادية أو الخارجية، حسب ما نقله موقع “بروجكت سنديكيت”.

وقد بالغ تاريخياً في تقدير قدرة “التقشف المالي” على دعم النمو الاقتصادي، ما أدى إلى أخطاء متكررة في التوقعات وارتفاع نسب الدين الفعلية مقارنة بالتوقعات.

أحد العيوب الجوهرية يتمثل في ضعف الاعتبار للفوائد طويلة الأجل للاستثمارات الممولة بالدين، خصوصاً في مجالات التحول الأخضر.

ومن ثم، يجب أن يتطور هذا الإطار من كونه أداة لخفض الديون بأي ثمن إلى أداة تشجع على الاستثمارات التي تقود إلى النمو الاقتصادي واستدامة مالية طويلة المدى.

نرى في المقابل أن بعض الاقتصادات المتقدمة، مثل ألمانيا، بدأت تتجاوز سقوف الدين لزيادة الإنفاق العام في مجالات ضرورية مثل الدفاع.

ويدرك صُناع السياسات في هذه الدول أن تمويل الإنفاق الاستهلاكي يختلف تماماً عن تمويل الاستثمارات الاستراتيجية في البنية التحتية أو التكيف المناخي، إذ إن هذه الاستثمارات يمكن أن تقلل من الخسائر الاقتصادية مستقبلاً وتُحسن استدامة الدين.

بالمثل، يجب أن تستند قرارات الإقراض للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى نماذج طويلة الأجل لاستدامة الدين، وليس على قواعد مبسطة مثل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

فعندما تتيح برامج التكيف الاقتصادي مستويات عالية من الاستثمار، تزداد احتمالية استدامة الدين، لأن النمو الناتج يعزز القدرة على السداد.

وقد أظهرت التجربة أن الديون الاستثمارية المُدارة بكفاءة ترتبط بمخاطر منخفضة للديون السيادية، ولذلك ينبغي تشجيعها.

لكن المشكلة الأكثر إلحاحاً الآن هي عبء الدين الهائل الذي تُعاني منه العديد من الدول النامية.

وقد أظهرت تجارب ناجحة سابقة أن تخفيف الديون، وخفض أو تعليق الفوائد، وتقليص الرسوم الإضافية على القروض، وزيادة المخصصات من حقوق السحب الخاصة كلها أدوات فعالة يجب وضعها على الطاولة.

مع ذلك، فإن تلبية الاحتياجات التمويلية طويلة الأمد لهذه الدول يتطلب إصلاحات أوسع نطاقاً، على رأسها تعزيز التمويل الميسر طويل الأجل.

ويجب أن تضطلع البنوك الإنمائية متعددة الأطراف والمؤسسات الدولية للتمويل التنموي بدور محوري في توسيع الإقراض الميسّر تدريجياً، إذ إنها الجهات الوحيدة القادرة على تقديم تمويل مضاد للتقلبات في أوقات انخفاض الأسعار العالمية أو شُح التمويل الخاص.

وتُعد مبادرات مثل صندوق التنمية الإفريقي التابع للبنك الإفريقي للتنمية نموذجاً يُحتذى، إذ يقدم تمويلاً ميسّراً ومنحاً وضمانات للدول منخفضة الدخل.

إلى جانب التمويل، من الضروري إنشاء آلية مؤسسية دائمة لإعادة هيكلة الديون السيادية.

ويُفضل أن تكون هذه الآلية تحت مظلة الأمم المتحدة، أو في حال إدراجها ضمن صندوق النقد الدولي، فيجب أن تُدار من خلال هيئة مستقلة عن مجلس المديرين التنفيذيين.

ويمكن لهذه الهيئة أن توفر إطاراً عادلاً ومنظماً لإعادة التفاوض على الديون عبر ثلاث مراحل: التفاوض الطوعي، والوساطة، والتحكيم، وكل ذلك ضمن جداول زمنية محددة.

المفهوم السائد حالياً لاستدامة الدين في الدول النامية مبني على مغالطة تعرقل النمو العالمي والتنمية المستدامة.

يجب أن ننتقل من تركيز ضيق على خفض الدين إلى فهم أوسع يستند إلى النمو طويل الأمد المُحفز بالاستثمار.

ومن خلال إعادة النظر في مفهوم استدامة الدين، يمكن للمجتمع الدولي أن يمنح الدول النامية فرصة حقيقية للانطلاق نحو تنمية اقتصادية مستدامة.

إن إعادة تصور جريئة للهندسة المالية العالمية ضرورة حتمية لتفادي أزمات دين ممتدة، واستعادة الاستقرار المالي، وضمان استقرار الاقتصاد العالمي.

يُعد المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية الذي تنظمه الأمم المتحدة في إشبيلية خلال يوليو المقبل فرصة ذهبية أمام الدول النامية لتوحيد مواقفها وإسماع صوتها أمام المؤسسات المالية العالمية المدعومة من الغرب، والتي تمتلك مفاتيح تحرير هذه الدول من أغلال الديون غير المستدامة، وإحداث التغييرات النظامية التي قد تُحدث ثورة في التمويل التنموي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق