نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خيبر خيبر يا يهود.. الإخوان في الليكود, اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 03:01 مساءً
خطة "الإرهابية" لتفريغ غزة واحتلال سيناء
الجماعة "رأس الحربة" في هندسة الإعلام الإسرائيلى بتصوير القطاع "أرضًا طاردة" يجب الفرار منها
الدوائر الإخوانية تستخدم مفردات إنسانية وشعارات "الحل الإنساني" و"إقامة مخيّمات مؤقتة" لتسويق مشروع التهجير
"اليهودي الجديد أو اليهودي الوظيفي؛ هو يهودي مسلم يصلي معك العشاء في الصف الأول.. لكنه يقوم بدور اليهودي".. بهذه العبارة القاطعة سخر الدكتور عبدالوهاب المسيري، مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، من وهم الانتماء الثابت، ليؤكد أن الخيانة تبدأ عندما يتحول الفرد إلى أداة تصنعه الأجندات قبل أن يصنع هو هويته.
واليوم، تُجسّد هذه الخيانة في ملف التهجير من غزة إلى سيناء، حيث لا ننظر إلى الفكرة باعتبارها مجرد طرح نظري، بل كعملية مدفونة في صلب خطاب بعض رموز جماعة الإخوان الإرهابية: خطاب يوحي بالحرص على "الحل الإنساني" بينما يفتح في الوقت نفسه باباً للتفريغ القسري، ليضعنا أمام تلازم مكشوف بين دعوات "التسكين المؤقت" ومخططات تل أبيب لإفراغ القطاع، فتغدو الجماعات الإخوانية الإرهابية التي تدّعي المقاومة واجهة وظيفية لتنفيذ تلك الأجندة تحت ستار الإنسانية والسياسة.
في هذا الإطار، تنسجم تصريحات بعض رموز جماعة الإخوان الإرهابية مع مقولة المسيري عن "الوظيفة" كمعيار للأخطر والأعنف، لا الهوية، فتظهر دعوات لإعادة توزيع سكان غزة، وكأن الأمر يتعلق بعملية إحلالٍ مؤقتة على أرض سيناء، من دون اعتبار للصلة التاريخية بين الفلسطينيين وأرضهم، أو لاحتياجاتهم الأمنية والاجتماعية.
ثمّ إن الصمت الإعلامي المحسوب لبعض المنابر الإخوانية يضفي شرعية ضمنية على تلك الخطابات، فيعطيها صفة "المقبول" أمام الرأي العام، بينما تتوالى خطوات البحث عن مواقع بديلة للإقامة وحوافز مزعومة للسكان المُرحّلين.
ويفرض هذا التلاعب اللفظي والاستراتيجي علينا السؤال: إلى أي حدّ باتت جماعات المقاومة الوظيفية شريكة في تحقيق مخطط التهجير؟ وكيف نجح خطابهم في تمرير فكرة التوطين القسري تحت قناع الإنسانية؟
خطاب التهجير.. من "الحل الإنساني" إلى التصفية السكانية
تنشط داخل دوائر جماعة الإخوان الإرهابية مفردات إنسانية تُوظّف لغويًا لتسويق مشروع التهجير القسري لسكان غزة على حساب السيادة الوطنية للدولة المصرية، تحت شعار "الحل الإنساني"، فقد شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً على صفحات الجماعة، ودعواتٌ إلى "فتح معبر رفح بشكل كامل" و"إقامة مخيّمات مؤقتة" للنازحين، بل إن البعض منهم تماهى في الدعوة إلى احتلال سيناء، وذلك بخطاب ملغم بعبارات "ممرّات إنسانية" و"مناطق آمنة" تُقدم سيناء كملجأ مؤقت قبل العودة إلى القطاع.
ورغم أن الهدف الظاهري للحديث هو توفير ملاذ آمن، إلا أن هذا الخطاب يقاطع ويعيد إنتاج سردية الاحتلال التي رصدتها وثائق رسمية إسرائيلية حول "المنطقة العازلة" في سيناء، كأداة ضغط ديموغرافي لتفريغ غزة من سكانها الأصليين.
ولأن اليهود والمنافقين يظهرون خلاف ما يضمرون، فإنه في فبراير 2025، أصدر المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان الإرهابية بيانًا رسميًّا نفى فيه أي نية لترحيل أهالي غزة، مؤكدًا "رفض كل أشكال التهجير القسري" و"الدعوة إلى رفع الحصار” دون التراجع عن حق العودة؛ لكن هذا النفي اصطدم بواقع إعلامي مزدوج؛ إذ استمرت المنابر الإخوانية الإرهابية نفسها في الترويج لعناوين مثل: "التوزيع العادل للسكان على أرض سيناء" و"التسكين المؤقت"، كأنها تعلن ضمنيًا فصل غزة عن جذورها دون مسؤولية مباشرة.
ويتم ترويج مثل هذا الخطاب بالتزامن مع حملات تسويقية تدار عبر مجموعات واتساب خاصة ومجموعات فيسبوك مغلقة، حيث تُرسل لقادة الرأي صورة "خريطة النزوح" التي توضح عددًا مفترضًا للنازحين وقدر المساحة المطلوبة لكل مخيم في سيناء، وتزداد حدة هذه الدعاية حين يُرفق المنشور مقطع فيديو لمقابلة مزعومة مع طبيب ميداني يقول: "نحن غير قادرين على تأمين الأدوية والمواد الأساسية في غزة، والانتقال إلى سيناء هو الحل الوحيد".
ناهيك عن محاولة الترويج لوجود دعم ميداني، حيث نظّمت الجماعة الإرهابية وقفات احتجاجية في عواصم غربية تنتقد فيها السياسة المصرية الرافضة لاستضافة المهجّرين، وتحمّل القاهرة مسؤولية "إغلاق المعابر" و"تنصل الحكومة من واجب الأخوة"، وقد دفع هذا الخطاب السلطات المصرية إلى إصدار تحذيرات رسمية من استغلال الإخوان لأزمة مساعدات غزة لدفع السردية نحو سيناريو التهجير القسري تحت ستار الدعم الإنساني.
المؤكد أن مقاربة جماعة الإخوان الإرهابية لهذه القضية تكشف ازدواجية عميقة: فهي تعتمد على استبدال عبارات "حق العودة" و"التعويض العادل" بألفاظ أكثر ليونة مثل: "الانتقال المؤقت" و"التوزيع المتوازن"، ممّا يخدع المتلقي بأن الحديث يدور حول ضبط أوضاع الطوارئ بدلًا من تغيير واقع ملكية الأرض، وفي الوقت ذاته، ينتهي النقاش عن الضمانات القانونية لعودة الفلسطينيين إلى مجرد وعود شفهية بلا إطار توافقي.
وتُدعم هذه السردية تقنيات التواصل الحديثة، حيث تغص حسابات الإخوان الإرهابية على فيسبوك و"إكس" بمقاطع فيديو "ممنتجة" وصور تُبرز "معاناة الأسر" في غزة، وتتزامن مع بث تقارير تلفزيونية داخلية تلمّح إلى "حاجة الناس لمأوى آمن"، وعبر استخدام هاشتاجات مثل #ملاذ_آمن و#رفح_للجميع، يسعى نشطاء الجماعة إلى جعل الفكرة ترند عالمي، مما يضغط إعلاميًا ودوليًا على القاهرة.
تحريض متزايد ودعوة للتفكيك الجغرافي
لقد تحوّلت جماعة الإخوان الإرهابية إلى رأس حربة في هندسة الخطاب الإعلامي الصهيوني الذي يُعيد تصوير قطاع غزة باعتباره "أرضًا طاردة" يجب الفرار منها نحو سيناء، فالجماعة لم تكتفِ ومنصّاتها المتعددة بصياغة المظلومية الإنسانية، بل ذهبت إلى تصدير "حالة رفض مصري مفتعل" كأنّها جريمة بحد ذاتها، بهدف تأليب الرأي العام الفلسطيني على الدولة المصرية وشيطنة موقفها السيادي الرافض لاستيعاب موجات تهجير تحت غطاء الدعم الإنساني.
وفي مشهد تجاوز الحدود السياسية والأخلاقية، نظّم فرع الإخوان داخل الخط الأخضر – ممثلًا فيما يُعرف بـ"الجناح الشمالي للحركة الإسلامية" – وقفة أمام السفارة المصرية في تل أبيب، اتّهم فيها المشاركون القاهرة بالتواطؤ في "تجويع غزة" بسبب إغلاق معبر رفح، بل رفعوا لافتات وشعارات تُحمّل الدولة المصرية مسؤولية المجازر الإسرائيلية، في محاولة لخلط متعمّد بين الفاعل الحقيقي (الاحتلال) والممانع للتهجير (مصر).
وكان من بين المشاركين بل والداعين، رائد صلاح وكمال الخطيب، أحد أبرز قيادات الجماعة الإرهابية داخل فلسطين المحتلة، وسبق لهما العمل كأذرع دعائية للمشروع الإخواني في الداخل الإسرائيلي.
غير أن استهداف مصر في هذا التوقيت لا يمكن قراءته خارج سياق المزاوجة بين الضغوط السياسية والتحشيد الإعلامي لإجبار القاهرة على فتح ممرّات إنسانية تتحوّل لاحقًا إلى واقع ديموغرافي بديل، وهو ما يفسّر هذا التصعيد الإخواني الذي يُفرغ خطاب “المعاناة الإنسانية” من محتواه، ويُعيد توظيفه في إطار أجندة الترحيل القسري، ضمن محاولة صناعة "شرعية أخلاقية زائفة" لأي وجود فلسطيني دائم في سيناء، تحت غطاء "النجاة من الموت"، بينما تُمهّد المنصات المحسوبة على الجماعة لتكريس هذا السيناريو كأمر واقع.
ويعكس هذا المنحى استثمارًا إخوانيًا ممنهجًا في فكرة "الانفكاك عن الأرض"، أي خلق وعي عام يقبل بنقل سكان غزة إلى خارجها، مقابل إنهاء العدوان أو كفالة المساعدات، وهي صيغة تُسوّق على أنها "حل إنقاذي"، لكنها في جوهرها استجابة مثالية لمشروع الاحتلال بإفراغ القطاع، ومن هنا، فإن الهجوم على مصر لا ينبع من رغبة حقيقية في دعم الفلسطينيين، وإنما من موقع وظيفي يخدم تصورًا استراتيجيًا أوسع: تفكيك الجغرافيا الفلسطينية عبر إخراج الكتلة السكانية من غزة، ونقل ثقلها البشري إلى سيناء، وهذا ما يجعل مصر، برفضها لهذا التوجه، خصمًا سياسيًا للجماعة لا مجرد طرف في المعادلة.
ويكشف توظيف المظلومية الفلسطينية بهذه الطريقة عن إدراك خبيث من جماعة الإخوان الإرهابية لحساسية اللحظة: إذ يستخدمون "الرحمة كغطاء استراتيجي"، ويحوّلون الخطاب الحقوقي إلى جسر لتبرير مشروع ينسجم – عمليًا – مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية في سيناء، وبذلك، تتقاطع مصالح الجماعة مع أهداف تل أبيب، في مشهد يعيد إلى الأذهان مصطلح "اليهودي الوظيفي" الذي صاغه عبد الوهاب المسيري، لكنه يتجسد هذه المرة في صورة "الإخواني الوظيفي" الذي يؤدي نفس الدور التخريبي للصهاينة، بأدوات دينية ودعائية محلية.
وتستند الجماعة في طرحها الضمني لـ"الانفكاك عن الأرض" إلى قناعة راسخة بأن بقاء الفلسطينيين داخل غزة لم يعد عنصر قوة، بل عبء استراتيجي يُقوّض فرصهم في النجاة السياسية، وبالتالي تُعاد صياغة العلاقة مع الجغرافيا باعتبارها "قيدًا قابلًا للكسر" وليس "حقًا غير قابل للتصرف"، وهو منطق يمثل انحرافاً عن ثوابت القضية الفلسطينية، ويُعيد إنتاج الرواية الصهيونية التي طالما سعت لتجريد الفلسطيني من مكانه، وتفكيك الصلة الوجودية بين الأرض والهوية، فالوطن في عقل الإخوان مجرد "حفنة تراب".
ولا تكمن خطورة هذا الخطاب في مضمونه التحريضي، بل في هندسته المتعمدة لتزوير الأولويات: فهو يوجّه الغضب بعيدًا عن الاحتلال، ويُعيد صياغة الواقع بحيث تصبح مصر – لا إسرائيل – هي العقبة في وجه حياة الفلسطينيين، وبذلك، يتحول الخطاب الأيدلوجي الإخواني إلى أداة هندسة شعورية، هدفها تفكيك العلاقة بين الأرض والهوية، وضرب الثقة بالظهير العربي الوحيد الذي تمسّك بثوابت الأمن القومي، ورفض مقايضة إنسانيته بسيادته.
وتتقاطع في هذا السياق، تحليلات عربية، إذّ يحذّر الكاتب والصحفي الأردني فارس الحباشنة في مقالة نشرتها صحيفة "الدستور" الأردنية، مما يصفه بـ"المشروع الحقيقي لجماعة الإخوان"، الذي بات يتناغم بوضوح مع المخطط الإسرائيلي لتفكيك الدولة الوطنية، لا في مصر فحسب، بل في الأردن كذلك، فالمظاهرات الإخوانية في تل أبيب لم تكن تلقائية، بل جاءت بتحريض مباشر من شخصيات إسرائيلية مثل المعلق إيدي كوهين، الذي دعا علنًا إلى محاصرة السفارات المصرية في أوروبا والعالم العربي، بذريعة إغلاق معبر رفح.
ويرى الحباشنة أن فروع الجماعة في المنطقة، وعلى رأسها ما يُعرف بـ"اتحاد الأئمة في الداخل الفلسطيني"، تسعى لتحميل مصر مسؤولية الحصار، في حين تُبرّئ إسرائيل من جرائمها، في محاولة لإعادة تدوير الخطاب السياسي تجاه عدو زائف، وهو ما يعزز فرضية أن الجماعة تحولت إلى أداة ميدانية فعّالة للاحتلال لتمرير سيناريو الوطن البديل، عبر الدفع نحو تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن.
الجماعة وإسرائيل وسياسة الانبطاح الاستراتيجي
في قلب الجدل المحتدم حول مستقبل غزة بعد الحرب، تبرز علاقة جماعة "الإخوان المسلمين" بفكرة "الحل المؤقت في سيناء" كأحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا، نظرًا لتشابك المصالح والأدوار وتراكمات الماضي القريب، إذ لا يمكن تجاهل الإرث الذي خلّفته فترة حكم الجماعة في مصر (2012- 2013)، وما رافقها من إشارات ضمنية وصمت مقصود حيال ما كان يُثار آنذاك عن نوايا "إعادة توطين" فلسطينيي غزة في أراضٍ داخل سيناء، باعتباره "حلاً مرحليًا" لمأساة الحصار.
لقد شكّل عام 2012 لحظة دالة في اختبار موقف الجماعة الإرهابية من مسألة التهجير، ليس فقط بسبب ما تسرّب لاحقًا عن مناقشات داخلية بشأن "إدارة غزة من الخارج"، بل أيضًا بفعل التوسع المنظم لشبكة الأنفاق بين رفح المصرية والقطاع، في تجاهل من القيادة السياسية التي تولت الحكم في مصر آنذاك، ضمن خطاب إقليمي داعم لصيغة "التهدئة مقابل تسهيلات"، وهي المعادلة التي شجعت على ترسيخ نمط من "الاعتماد الإنساني" على مصر، تمهيدًا لتعويد الوعي العام على فكرة الانفكاك التدريجي عن غزة، كأنها عبء أكثر منها وطن.
ورغم أن تلك اللحظة طُويت سريعًا بعد سقوط نظام الإخوان، إلا أن تداعياتها لا تزال حاضرة في سياقات ما بعد السابع من أكتوبر 2023، إذ لوحظ صمت الجماعة الإرهابية عن الجرائم الممنهجة لجيش الاحتلال، مقرونًا بخطاب مزدوج لا يُدين العدوان بقدر ما يُعيد توجيه الأنظار نحو معبر رفح، وكأنّ المشكلة لا تكمن في الاحتلال، بل في موقف مصر، لتستكمل بذلك المسار القديم الذي يتقاطع بشكل مريب مع الرؤية الإسرائيلية التي تسعى لنزع غزة من سياقها الوطني، وتحويلها إلى ملف إغاثي تُديره أطراف عربية.
وتنبع خطورة هذا التلاقي من كونه غير معلن من جهة الإخوان الإرهابية، لكنه ظاهر في صيغ التحليل والخطاب والتنظير والتظاهر مؤخراً، ما يضعنا أمام انخراط واضح مه الجماعة الإرهابية مع الاحتلال لتمرير مشروع الاحتلال بتفريغ غزة وإعادة التوطين، وتسويق فكرة أن إنقاذ الفلسطينيين مرهون فقط بفتح الحدود المصرية، بغضّ النظر عن تبعات ذلك على الأمن القومي أو النسيج الجغرافي للمنطقة.
ولا بد من التوقف عند الصيغة الأخلاقية التي تتبناها الجماعة في تمرير هذا الخطاب، إذ تلجأ إلى توظيف المصطلحات الدينية مثل "نصرة الإسلام والمسلمين"، و"إنقاذ النساء والأطفال"، لتمرير قرار سياسي مدمّر في جوهره، وكأن الغاية الإنسانية تُبرر انتهاك السيادة الوطنية، هذا التوظيف الانتهازي للقيم يُمثل امتدادًا لما وصفه الكاتب الأردني فارس الحباشنة بـ"المشروع الحقيقي للإخوان"، القائم على الاستثمار في الغضب الشعبي وتوجيهه نحو أجندات تتقاطع مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية، بدلًا من تحميل الاحتلال وحده المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الكارثة.
وتظهر الوقائع المتراكمة، من لحظة سكوت الجماعة في 2012، إلى خطاباتها الغامضة والموجّهة بعد 2023، مرورًا بمنصاتها الإعلامية التي تطبّع مع فكرة التهجير تحت ستار "الضرورة"، ترسم ملامح دور وظيفي لا يمكن إنكاره، وهنا لا تطرح الجماعة كفاعل معزول عن السياق، بل كمكوّن إقليمي بات ينخرط، بوعي أو دون وعي، في صياغة تصورات جديدة لماهية "الحل النهائي"، بما يعنيه من تفكيك الجغرافيا وتذويب الهوية، وهو ما يجعل من تحليل خطابها أمرًا ضروريًا لا لكشف نواياها فقط، بل لرسم ملامح التواطؤ المتخفّي داخل خطاب "النصرة".
"خيبر خيبر يا ليكود" ووهم الدعاية الإخوانية
منذ تأسيسها، حرصت جماعة "الإخوان المسلمين" على ترسيخ خطاب تعبوي ضد إسرائيل، يستند إلى مفردات دينية من قبيل "التحرير"، و"الجهاد"، و"زوال الكيان"، بل تبنّت بعض أجنحتها المسلحة شعارات تُستدعى من الذاكرة الإسلامية مثل "خيبر خيبر يا يهود"، غير أن هذا الخطاب المعلن لا يصمد كثيرًا أمام اختبار الواقع، إذ تكشف ممارسات الجماعة، وتاريخ تحالفاتها، عن نمطٍ من التقاطع السياسي – المباشر وغير المباشر – مع دوائر إسرائيلية، وصل في بعض الأحيان إلى مستوى "التمكين المتبادل"، لا مجرد الصمت أو التعايش.
وظهرت أول تجليات هذا التناقض في الداخل الفلسطيني، وتحديدًا بين عرب 48، حيث تتمتع الحركة الإسلامية – الجناح الجنوبي المنبثق عن الإخوان – بتمثيل رسمي في الكنيست الإسرائيلي، وتخوض الانتخابات ضمن أحزاب شرعية في المنظومة السياسية للدولة العبرية، ولم تكتفِ هذه الفروع بالعمل من داخل النظام، بل دخلت في تحالفات مع قوى ليكودية تحت غطاء "تحقيق مصالح المواطنين العرب"، بما أفضى فعليًا إلى تطبيع كامل مع مؤسسات الدولة، وإلى إضفاء شرعية برلمانية على سياسات احتلالية من خلال أدوات إسلامية، وهو نموذج رغم تعقيداته، يظل كاشفًا عن استعداد الجماعة الإرهابية وتمرها لإعادة إنتاج خطابها وفق مقتضيات المصلحة، حتى لو كان الثمن هو تقويض سردية المقاومة.
ولا يُعدّ هذا مجرد خيار محلي لفرع من الجماعة، بل هو تجلٍ لمرونة إيديولوجية تمتد جذورها إلى البنية العميقة لفكر الإخوان. فبينما تُشهر الجماعة سلاح الدين في وجه الأنظمة العربية والخصوم المحليين، تختار خطابًا أكثر "ليبرالية" وانفتاحًا حين يتعلق الأمر بالغرب أو بإسرائيل، حيث تُستخدم مفردات مثل "التعايش"، و"المشاركة"، و"الاعتراف بالآخر"، لتبرير وجودها في كيانات تشكل أصلًا جزءً من المنظومة التي تدّعي محاربتها، وهو مزج إسلامي ليبرالي تم توظيفه سياسيًا لتسويق مشروع "الإرهابية" أمام القوى الدولية، على اعتبارها حركة "معتدلة" يمكن التفاهم معها، بل الاستثمار فيها كبديل للأنظمة القومية أو حتى المقاومة المسلحة.
ومن زاوية أخرى، فإن اعتماد الجماعة على شعارات دينية في سياقات الصراع مع إسرائيل، يبدو اليوم نوعًا من النفاق السياسي، حين يُستدعى التراث الديني من أجل الشحن العاطفي فقط، لا لخلق رؤية استراتيجية أو مشروع تحرر حقيقي، بل إن بعض رموز الجماعة حاولوا توظيف النصوص الدينية لتبرير مفاهيم مثل "الهدنة الطويلة"، أو "التهدئة مقابل رفع الحصار"، في صيغ تتماهى – بشكل غير معلن – مع مقاربات أمريكية وإسرائيلية لإبقاء المقاومة تحت السيطرة، وهكذا يتحول الدين من عقيدة مقاومة إلى أداة ضبط.
أخطر ما في هذا التناقض، أنه يُعيد تشكيل الوعي العربي تجاه الصراع، بحيث يبدو أن "العداء" مع إسرائيل هو مجرد لازمة خطابية، بينما الصراع الحقيقي تديره الجماعة ضد خصومها الداخليين أو خصوم مشروعها الإقليمي، وهذا ما يتجلى في الفارق بين "العداء" الرمزي لإسرائيل، وبين الحروب الإعلامية والفقهية التي تشنّها الجماعة على أنظمة عربية، خاصة حين يتعلق الأمر بمصر أو السعودية، اللتين تُقدَّمان في أدبيات الإخوان كعقبة كبرى أمام "تحرر الأمة"، بينما تحظى إسرائيل بنوع من التجاهل أو التبسيط، ما يدفع المتابع للتساؤل عن أولويات الجماعة الحقيقية.
وختاماً.. لم يعد ما تصفه الجماعة بـ"الموقف الشرعي" من القضية الفلسطينية، لم يعد يُقنع أحدًا، فبين خطابات "خيبر" في المنصات الدعوية، وتحالفات "الليكود" في أروقة السياسة، تتكشف صورة مزدوجة لحركة تستثمر في الصراع أكثر مما تسعى لحله، وتُراكم الحضور داخل الكيان الإسرائيلي بدل مواجهته، وبينما تتشدق بشعارات تحرير الأقصى، تسهم فعليًا في إدامة الانقسام، وتوفير غطاء سياسي لبعض أكثر مشاريع الاحتلال فتكًا، وهذا ما يجعل من خطابها المعادي لإسرائيل، مجرد أداة تعبوية، لا تعكس جوهر السلوك ولا حقيقة المشروع.
والآن يتضح أن الجماعة لم تكن يومًا خارج حسابات المشروع الأكبر لتفكيك الجغرافيا الفلسطينية وإسقاط الدولة المصرية، بل شكّلت رافعة خطابية وتنظيمية له، سواء عبر الصمت أو التوظيف السياسي المباشر، فبينما يتقدّم الاحتلال بمساعيه لفرض الأمر الواقع، يظل التفريغ السكاني لغزة هدفًا استراتيجيًا يُلبّيه الخطاب الإخواني عن قصد، فمعركة الأرض لم تعد فقط في مواجهة الاحتلال، بل باتت أيضًا مع أولئك الذين يفرّغونها من معناها، وهم من الأساس يرفعون شعار "الوطن حفنة تراب".
0 تعليق