على منحدر ترابي محاط بالخضرة، انطلق ثلاثة سياح سعوديين على ظهور الخيول متجهين نحو بحيرة “ونجي” الرائعة، المستريحة في قاع الوادي. في هذه الأثناء، قام أحدهم بإخراج هاتفه النقال ليشارك لحظات سحر الطبيعة مع متابعيه، في مشهد يكاد يكون غير مألوف في هذه القرية الواقعة جنوب إثيوبيا. ووفقًا لأحد السكان المحليين، في البداية كان الأطفال يتجمعون حول السياح عند مرورهم، حيث بدا هذا المشهد غريبًا على سكان البلدة. لكن حالما بدأت الزيارات تتكرر وزاد عدد الزوار، أصبح الأمر مألوفًا مع تدفق السياح السعوديين بوتيرة غير مسبوقة في المنطقة.
غير بعيد عن بلدة “ونجي”، أصبحت مشاهد السياح السعوديين وهم يعبرون جسرًا خشبيًا فوق نهر موسمي في منطقة “بولي بلبلا” شمال أديس أبابا أكثر شيوعًا، بينما تواجد عدد كبير منهم في مقاهي شارع بولي الحيوي وسط العاصمة، مما يُجسد تنامي وجودهم في البلاد. بالرغم من أن إثيوبيا لم تكن على قائمة الوجهات السياحية التقليدية للسعوديين، إلا أنها أصبحت تجذب أعدادًا متزايدة من الزوار السعوديين.
تغمرت منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”سناب شات” و”إنستغرام” بمئات المقاطع والصور التي نشرتها سياح سعوديون توثق لحظات رحلاتهم، معربين عن اندهاشهم من المناطق الطبيعية الخلابة التي اكتشفوها. يقول خليل عرب، مؤثر سعودي، إن هذا التدفق الملحوظ يعود إلى دور المؤثرين في الترويج لإثيوبيا وتحفيز مواطنيهم على زيارتها. وقد أوضح في حديثه للجزيرة نت، أن صور ومقاطع هؤلاء المؤثرين أظهرت جمال الطبيعة، وأن الغالبية من السعوديين يقدرون مشاهد الخضرة والأمطار والطقس المعتدل الذي يميز إثيوبيا عن مناخهم الحار.
كل مؤثر سعودي زار إثيوبيا لم يكن وحده، بل كان يرافقه الآلاف من متابعيه الافتراضيين، مما أنتج شعورًا بالتجربة المسبقة، حيث لم يعد السائح السعودي يسافر إلى المجهول، بل إلى أماكن شهدها أصدقاؤه. هذا ساهم في تشكيل انطباع إيجابي عن إثيوبيا، حيث نقل المؤثرون عن تعامل السكان العفوي مع السياح، بعيدًا عن أي تعالي.
من جانبها، أوضحت لينا محمد، مديرة مكتب للسفر والسياحة، أن عدة عوامل أسهمت في هذا التدفق الهائل للسياح السعوديين، مثل إصلاح نظام التأشيرات، حيث يمكن للسعوديين الحصول على التأشيرة عند الوصول، مما منحهم مرونة وسرعة في اتخاذ قرار السفر. كما أن زيادة عدد الرحلات المباشرة بين السعودية وإثيوبيا، حيث تُسير ثلاث رحلات يوميًا، أضافت المزيد من الخيارات.
شهدت إثيوبيا أيضًا تحسينات نوعية في البنية التحتية السياحية، بما في ذلك تطوير الطرق والمرافق والمواقع السياحية داخل وخارج العاصمة، مما ساعد في توفير تجربة سياحية متنوعة. قرب إثيوبيا الجغرافي والثقافي من السعودية، بالإضافة إلى أسعارها المعقولة، زاد من جاذبيتها لدى السياح السعوديين.
وأظهرت دراسة أداء الحكومة، التي قدمها رئيس الوزراء آبي أحمد أمام البرلمان، أن أكثر من 1.5 مليون شخص زاروا الوجهات السياحية في العاصمة، مما أسفر عن إيرادات تجاوزت نصف مليار بر إثيوبي (ما يعادل حوالي 3.59 ملايين دولار أمريكي). كما أوضح التقرير أن قطاع السياحة شهد نموًا بنسبة 40% خلال العامين الماضيين، ما يعود إلى جهود تحسين البنية التحتية وتوسيع شبكة الخطوط الجوية الإثيوبية لتصل إلى 136 وجهة متاحة.
0 تعليق