نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التجلِّي والصليب والخلاص, اليوم السبت 9 أغسطس 2025 03:05 صباحاً
يدعى عيد التجلِّي في اللغة اليونانيَّة «Μεταμόρφωσις -Metamórfosis» وتتكوَّن من جزئين: «μετά - metá» تعني «بعد beyond» أو «تغيير»، و«μορφή - morphí» تعني «الشكل» أو «الهيئة».
هذه التسمية تحوي عمقًا لاهوتيًّا كبيرًا. يخبرنا النصُّ الإنجيليُّ أنَّ يسوع صعد إلى الجبل مع ثلاثة من تلاميذه، وهم بطرس ويعقوب ويوحنَّا، وهناك تجلَّى أمامهم، فأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور. المقصود بهذا الحدث ليس أنَّ يسوع غيَّر شكله، بل أنَّه كشف عن طبيعته الإلهيَّة الكاملة، فيسوع هو إله كامل، وعندما تجسَّد، أخذ طبيعتنا البشريَّة، ولذلك نقول إنَّ يسوع هو أيضًا إنسان كامل.
يسوع هو الربُّ المتجسِّد، له طبيعتان: إلهيّة وبشريّة، متحدتان في شخصٍ واحد. وهو واحد في الجوهر الإلهي مع الآب والروح القدس. ولهذا نقول إنَّهم «ما قبل الزمن»، ولا انفصال زمانيًّا بينهم، وثلاثتهم إله واحد. نستخدم أحيانًا مثال الشمس وحرارتها ونورها لنقرِّب المعنى: لا يمكن فصل هذه الثلاثة عن بعضها.
ما فعله يسوع في التجلِّي هو إعلانٌ إلهيُّ لنا. وسُمِع صوت الآب من السماء يقول: «هذا هو ابني الحبيب الَّذي به سُررت، له اسمعوا».
لقد سمعنا هذه العبارة سابقًا من الآب في الظهور الإلهيِّ، لكن في التجلِّي، هناك أمرٌ أُضيف: قال الآب: «له اسمعوا».
الله الآب يُشير إلينا بأن نُصغي إلى الابن، لأنَّه يُتمِّم المشيئة الإلهيَّة الثالوثيَّة في الفداء والخلاص، ويحمل إلينا كلمة الحياة، كلمة الخلاص.
أمَّا اسم يسوع، فهو اسم مركَّب من «يهوه» (اسم الله – الكائن – المعطي الحياة والكينونة) وفعل الخلاص «يشع»، أي أنَّ اسمه يعني: «الله يخلِّص». ونحن لا نعلم تمامًا كيف كانت تُلفظ كلمة «يهوه» قديمًا، إذ إنَّ اليهود كانوا يمتنعون عن نطقها إجلالاً للَّه، ولكنَّ المعنى يبقى واضحًا: يهوه يشع - يهوشع أي الله الَّذي جاء ليُخلِّص. فاسم يسوع هو إعلان عن هويَّة الله.
وفي عيد التجلِّي، ظهر مع يسوع موسى النبيُّ وإيليَّا النبيُّ. وذلك لأسباب جوهريَّة:
أوَّلاً، هو تأكيد على أنَّ يسوع هو المسيح المنتظر، الَّذي فيه تحققت النبوءات، وهو مُعطي الشريعة. وبظهورهما معه، أعلنا أنَّ يسوع هو غاية الشريعة وكلمة الأنبياء، وأنه الكلمة الإلهيَّة المتجسِّدة. هما يتكلَّمان معه وجهًا لوجه عن الفداء، عن الآلام الَّتي كان يسوع مزمعًا أن يُتمِّمها في أورشليم، حيث سيمضي طوعًا إلى الصليب، ليُخلِّصنا، ويغلب الموت، ويرفعنا معه إلى الحياة الأبديَّة.
وهناك لمحة رائعة: النبيُّ إيليا كان دائمًا يقول: «حيٌّ هو الربُّ الَّذي أنا واقف أمامه». وفي التجلِّي، وقف أمام الربِّ يسوع.
وفي العهد القديم، عندما ظهر الله لموسى في العُلَّيقة المُشتعلة الَّتي لم تكن تحترق، سأله موسى: «ما اسمك؟» فأجابه الله: «يهوه» – أي «أنا الكائن». وقال له: «قد رأيتُ مذلَّة شعبي... ونزلتُ لأُخلِّصهم».
هذا الإعلان الإلهيُّ تكرَّر في العهد الجديد، حين أرسل الله الملاك إلى يوسف، خطِّيب مريم، وقال له: «يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأنَّ الَّذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع. لأنَّه يخلِّص شعبه من خطاياهم».
وفي أحد الشعانين، نصرخ له: «هوشعنا» أي: «خلِّصنا». هي نفس الجذور، هي ذات الصرخة، وهي نفس الاستجابة: يسوع هو الله الَّذي يخلِّص.
الآية القائلة: «هذا هو ابني الحبيب الَّذي به سُررت» لها صدى عميق في العهد القديم، وتحديدًا في سفر أشعياء النبيِّ، الَّذي يُطلق عليه الآباء لقب «الإنجيل الخامس»، إذ يقول في الإصحاح الثاني والأربعين: «هذا هو عبدي الَّذي أعضده، مختاري الَّذي سُرَّت به نفسي». وهنا، نُدرك أنَّ فرح الآب هو في تحقيق خلاص البشريَّة، لذلك كان يسوع هو المخلِّص، وكان الصليب هو مشيئة إلهيَّة ثالوثيَّة، وليس أنَّ الآب كان غاضبًا والابن جاء ليمتصَّ الغضب الإلهيَّ، حاشا! ما حدث على الصليب لم يكن صراعًا داخل الله، بل كان اتِّحادًا كاملًا في المشيئة الثالوثيَّة بين الآب والابن والروح القدس، عمل فداء ومحبَّة وخلاص. فالَّذي يُحبُّ، يتحرَّك نحو الآخر. والله أحبَّنا، فأتى نحونا، ليُخلِّصنا. ولهذا لم يقبل يسوع أن يبقى على جبل التجلِّي، رغم أنَّ بطرس اقترح عليه أن يُقيموا ثلاث مظالٍّ. فالربُّ الَّذي كشف مجده الإلهيَّ على الجبل، هو نفسه الذي سيمضي طوعًا إلى الصليب. ولهذا، في عيد التجلِّي، نبدأ بترتيل قطع للصليب، لأنَّه بعد أربعين يومًا، نحتفل بعيد رفع الصليب الكريم المحيي.
وهكذا، نرى أنَّ جميع الأعياد مرتبطة ببعضها البعض: في الميلاد نرتِّل: «اليوم يولد من البتول» على نفس لحن: «اليوم عُلِّق على خشبة».
هذه الأسرار كلُّها متكاملة، والدعوة لنا نحن أن ندخل في هذا السرِّ، أن نقبله ونعيشه، أن نؤمن بأنَّ الربَّ يسوع المسيح هو الله المتجسِّد، الَّذي أتى إلينا، ليُعيد إلينا هويَّتنا السماويَّة. نحن أيقونات حيَّة، مشروع الله على الأرض. وليس أعظم من تلك المحبَّة الَّتي تجلَّت على الصليب، حين بذل الربُّ ذاته إكرامًا لنا، لأنَّ الصليب هو الجسر، الَّذي به نعبر من الموت إلى الحياة، من الظلمة إلى النور، من الأرض إلى السماء.
إلى الربِّ نطلب.
0 تعليق