لم تكن جماعة الإخوان في يوم من الأيام تنظيمًا وطنيًا يدافع عن مصالح مصر، بل كانت منذ نشأتها في الإسماعيلية على يد حسن البنا عام 1928 أداة سياسية بغطاء ديني، صُنعت في بيئة الاحتلال البريطاني، وجُعلت أداة سياسية بغطاء ديني لتفتيت الداخل المصري وإضعاف الحركة الوطنية. وتوظيف الدين لخدمة أجندات لا علاقة لها بمصلحة الشعوب. واليوم، وبعد ما يقارب القرن، يتكرر المشهد في صورة أشد وضوحًا: وقوف عناصر الإخوان في قلب تل أبيب، تحت حماية جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك»، للتظاهر ضد مصر بينما الاحتلال يواصل تدمير غزة.
من لندن… البداية المريبة
في أربعينيات القرن الماضي، كشفت وثائق الأرشيف البريطاني كشفت أن سلطات الاحتلال رأت في الإخوان «أداة واعدة» يمكن توظيفها كورقة ضغط على الحكومات المصرية، وإشغال الرأي العام بصراعات داخلية على أسس دينية ومذهبية، بدلًا من التفرغ لمواجهة الاحتلال. كان الهدف واضحًا: تفتيت الداخل المصري عبر تنظيم ديني مسيّس قادر على شق الصف الوطني.
حتى بعد جلاء البريطانيين، ظلت هذه البذرة قائمة: الولاء للتنظيم فوق الولاء للوطن، والاستعداد للتحالف مع أي قوة خارجية تحقق مصلحة الجماعة.
التحالف مع واشنطن في زمن الحرب الباردة
لم يختلف النهج كثيرًا في الخمسينيات والستينيات، حيث فتحت الجماعة قنوات مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ، التي رأت في الإخوان شريكًا يمكن الاعتماد عليه في إطار الحرب الباردة، تحت شعار مواجهة الشيوعية والتيار الناصري. وفي الثمانينيات، لعبت الجماعة دورًا في الحشد والتجنيد للجهاد في أفغانستان، في خدمة أهداف تتقاطع مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، لا مع مصالح مصر.
من أفغانستان إلى البوسنة.. «الجهاد» بالوكالة
في الثمانينيات، برز دور الجماعة في تجنيد الشباب وإرسالهم إلى أفغانستان، تحت لافتة «الجهاد ضد الشيوعية». هنا تقاطعت مصالحهم مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، الذين دعموا هذا الجهد لسنوات، قبل أن يرتد على المنطقة كلها بالإرهاب والفوضى.
تكرر المشهد في البوسنة والشيشان، حيث كانت الجماعة حاضرة في مشهد «الجهاد العالمي» الذي كان في جوهره أداة لتصفية حسابات سياسية دولية، وليس نصرة المستضعفين كما ادعوا.
ما بعد 2011: التحالف العلني مع الخارج
مع أحداث 2011 وصعود الإخوان للحكم، تحولت الاتصالات الخفية إلى علاقات معلنة مع عواصم إقليمية وغربية. سعت الجماعة للحصول على اعتراف ودعم دولي بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب الملفات السيادية والأمنية لمصر، أو فتح الباب لتدخلات خارجية في الشأن الداخلي.
زار قادتهم البيت الأبيض، وتواصلوا مع مسؤولين أوروبيين، وفتحوا قنوات مع دول كانت حتى وقت قريب في خصومة معلنة مع مصر، لكن سقوطهم في 2013 أعادهم إلى مربعهم المفضل: الاستقواء بالخارج، والتحريض على الدولة المصرية في المحافل الدولية والإعلام الأجنبي.
المشهد الفاضح في تل أبيب
اليوم، نجد امتداد هذا المسار في مشهد لا يحتاج إلى تفسير: عناصر الإخوان يقفون أمام السفارة المصرية في تل أبيب، يهتفون ضد القاهرة، بينما غزة تحت القصف. وبما أن أي نشاط سياسي في تل أبيب لا يتم إلا بموافقة الشاباك، فهذا يعني أن الجماعة تتحرك تحت غطاء أمني من الاحتلال، في تماهٍ كامل مع أجندته.
ذروة هذا المسار جاءت مؤخرًا: مظاهرة لعناصر الإخوان أمام السفارة المصرية في تل أبيب. هتافات ضد القاهرة، في وقت يقصف فيه الاحتلال قطاع غزة بلا رحمة.
من القدس رايحين… إلى تل أبيب واقفين
ما فعلوه في تل أبيب ينسف عقودًا من الشعارات الجوفاء: من «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» إلى «تل أبيب واقفين ضد مصر».
لم يكن الهدف الدفاع عن غزة، فالاحتلال الذي يقفون في عاصمته هو نفسه الذي يهدم القطاع على رؤوس أهله. الهدف الحقيقي هو استخدام دماء الفلسطينيين كسلاح سياسي ضد القاهرة، باتهامها زورًا بخنق غزة عبر معبر رفح، متجاهلين أن المعبر ظل مفتوحًا لاستقبال الجرحى وإدخال المساعدات رغم العراقيل الإسرائيلية.
تطابق الخطاب مع حماس والإعلام الإسرائيلي
تزامنت هذه المظاهرة مع تصريحات خليل الحية، القيادي في حركة حماس، التي هاجم فيها مصر بنفس اللغة التي يرددها الإخوان في الخارج، وبما يتطابق مع رواية الإعلام الإسرائيلي. هذا التطابق يكشف أن هناك خيطًا واحدًا يربط بين تحركات الإخوان وخطاب قوى أخرى معادية لدور مصر الإقليمي.
خندق واحد من لندن إلى تل أبيب
من لندن التي احتضنت الجماعة عند نشأتها إلى تل أبيب اليوم، التي سمحت لهم اليوم بالتظاهر ضد مصر، ظل الإخوان أوفياء لخندق واحد: خندق العدو. لم يترددوا في التحالف مع الاستعمار أو الاحتلال طالما يحقق مصالحهم التنظيمية، ولم يتورعوا عن طعن مصر من الخلف وهم يرفعون شعارات الدين والقضية. واليوم، لم تعد خيانتهم تحتاج إلى وثائق سرية أو شهادات منشقين، فالمشاهد الحية تكفي لإدانة تاريخ كامل من التآمر على الوطن.
0 تعليق