نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: من قلب الحرفة وروح العيد: سكاكين تُشحذ وذكريات تُبعث من جديد, اليوم الجمعة 6 يونيو 2025 09:22 صباحاًمن قلب الحرفة وروح العيد: سكاكين تُشحذ وذكريات تُبعث من جديد نشر في باب نات يوم 05 - 06 - 2025 مع إشراقة شمس دافئة فوق أحياء مدينة مدنين، يبدأ سمير قراف نهاره كما تعوّد منذ اثنين وعشرين عاما، حاملا أدواته القليلة والكثيرة في معناها، قاصدا طريق بني خداش حيث ينتصب موسميا ليشحذ السكاكين. هناك، حيث يحتك الحديد بالحجر، يعود صوت الطفولة ودفء الذكرى، وتعود حرفة الشحذ القديمة إلى الواجهة مع اقتراب عيد الأضحى. شحذ السكاكين في مدنين، وإن بدا للبعض مهنة عابرة، إلا أنه طقس من طقوس العيد، ومصدر رزق مؤقت لكثيرين اختاروا السير على درب الأجداد. تتجدد الحركة كل عام مع الأيام الأخيرة التي تسبق الذبح، ويظهر الشحّاذون على أطراف الشوارع والأسواق، كهولا وشبابا، كل منهم اختار بعناية مكانه وأعدّ أدواته من حجر وماء و»جير»، منتظرين من يؤمن بأن حدة السكين لا تُولد إلا من حجر الوادي الأحمر وعرق الكادحين.سمير، في الأربعينات من عمره، ابن مدنين، لا يكل ولا يمل. يبدأ نهاره بتنظيف المكان، يضع سطله المملوء بالماء وصندوقه الصغير المملوء بالجير، يبتسم للمارة ويحييهم: «صباح الخير، نهارك زين، هاني موجود للعشاء». في حديثه مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء، يسترجع بداياته: «تعلمت المهنة وأنا صغير مع خالي، واليوم أنقلها لابني، بشرط أن يعتبرها تراثا لا مجرد مصدر رزق، حتى لا تفقد روحها وقيمتها».في الطرقات الرئيسية، تنتشر نقاط الشحذ التقليدي، لكن عددها يتراجع عاما بعد عام أمام زحف الأدوات العصرية. رغم ذلك، لا يزال المخلصون لهذه المهنة يقاومون الزوال بحبّهم لما يصنعونه وبإيمانهم بما تتركه المهنة من أثر. يقول سمير: «الطريقة التقليدية تحافظ على جودة الأداة، على عكس الطرق الحديثة التي يفقد أثرها سريعا».ومع حرارة الطقس وتزايد الحركة، تتوالى زيارات المواطنين، يحملون أكياسًا فيها سكاكين وسواطير وأدوات متنوعة، يستعدون ليوم الذبح. يقف سمير، يسأل الحريف عن طلبه، يتفقان على السعر، ثم يودعه بابتسامة: «غدوة القايلة يكونو حاضرين».لكن الشحذ ليس مجرد تمرير للسكين على حجر. هو فن يتطلب تركيزا ومهارة. يستند العامل على ساقه اليسرى، يضع السكين على حجر «الأودية الحمراء»، ويدور بها بقدمه اليمنى نحو الخلف، وكل ذلك يتطلب دقة عالية كي لا يصاب بأذى، كما يشرح سمير.ومع غروب شمس يوم عرفة، تتغير ملامح بعض نقاط الشحذ، لتتحول إلى أماكن لنشاط شعبي يعرف ب»شوشيط الرؤوس»، حيث يتجمع شبان من أبناء الحي يتولون مهمة تنظيف رؤوس الأضاحي في أولى أيام العيد، مقابل مبلغ رمزي، يضيف على المناسبة طابعا اجتماعيًا وروحا من التعاون والبهجة.هكذا، في مدنين، لا يُشحذ الحديد فقط، بل تُشحذ الذاكرة أيضًا، ويُعاد وصل ما انقطع من ماضي الحرف، ودفء العلاقات، وطقوس الأعياد. انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.