نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين الأمل والواقعية .. كيف يحدد المستثمرون نقطة الخروج المثالية؟, اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025 02:16 مساءً
في صباح أحد أيام يونيو 2024، جلس "لوجان بروكس" وهو مستثمر هاوٍ بدأ رحلته في سوق الأسهم قبل ثلاث سنوات أمام شاشته يتابع حركة سهم شركة صناعة الرقائق الإلكترونية الأمريكية العملاقة إنفيديا.
كان السهم قد ارتفع بشكل صاروخي على خلفية الحماس العالمي للذكاء الاصطناعي، وهو ما جعل "بروكس"، الذي اشترى السهم قبل أشهر، يسعد بحجم الأرباح التي يراها تتضاعف أمامه بوتيرة لم يعهدها من قبل.
كل تحليلات الأخبار، وكل نقاشات المستثمرين على مواقع التواصل، كانت تقول: "المستقبل للذكاء الاصطناعي، والارتفاعات لم تبدأ بعد"، وبينما كان زر البيع أمامه في منصة التداول، اختار أن ينتظر، وهو يقول لنفسه "لماذا أخرج الآن وقد تتضاعف الأرباح أكثر؟".
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
لكن السوق لا ينتظر أحدا، فمع بداية يوليو، جاء التصحيح الحاد، وفقد السهم جزءًا كبيرًا من مكاسبه، ومعه تقلصت أرباح "بروكس" إلى أقل من النصف، عندها أدرك أن القرار الأهم لم يكن الشراء، بل معرفة متى يخرج.
هذه القصة ليست عن سهم بعينه أو مستثمر واحد، بل عن معضلة يعيشها الآلاف يوميًا في أسواق المال: كيف نوازن بين الأمل في تحقيق المزيد من المكاسب، والواقعية التي تتيح فرصة اتخاذ القرار الصحيح لضمان تحقيق أفضل مكاسب ممكنة؟
إن تحديد نقطة الخروج المثالية – أي معرفة متى يجب بيع الأصول – ليس قرارًا عاطفيًا، بل عملية مدروسة تقوم على قراءة المؤشرات، وتقدير المخاطر، ووضع استراتيجية واضحة قبل الدخول أصلًا حيث يُعد من أكثر القرارات النفسية والمالية تعقيدًا.
فعند الخروج المبكر، قد تفقد جزءًا من المكاسب المحتملة، وإذا تأخرت، فقد تتعرض لخسائر تمحو أرباحك، فالسر يكمن في الموازنة بين الأمل في تحقيق المزيد من الأرباح، والواقعية والانضباط في اتخاذ القرار.
كيف يمكنك اتخاذ قرار الخروج الصحيح؟
أي قرار استثماري صحيح، لا بد أن يخضع لاستراتيجيات مدروسة تساعد على التحرك بشكل سريع وملائم للأحداث الجارية، لذا فإن المستثمر في البورصة عليه أن يضع في ذهنه عدة اعتبارات مع قيامه بضخ استثمارات في سوق الأسهم.
ويعد تحديد الأهداف بوضوح منذ البداية من أبرز تلك الاعتبارات، إذ يجب وضع هدف للعائد، وفترة الاحتفاظ بالأسهم، ومستوى تحمل للمخاطر قبل دخول أي صفقة.
كما أوضح بينجامين جراهام، في كتابيه تحليل الأوراق المالية، والمستثمر الذكي ، أن الاستثمار الحقيقي يقوم على تحليل دقيق يضمن سلامة رأس المال وتحقيق عائد معقول، مما يؤكد أهمية أن تكون قرارات الخروج مبنية على تحليل موضوعي وليس مجرد توقعات.
كما يجب الاعتماد على المؤشرات والقواعد الفنية حيث يمكن وضع معايير واضحة وخالية من العاطفة لتحديد توقيت الخروج، مثل مستويات الدعم والمقاومة، والمتوسطات المتحركة، وإيقاف الخسائر بناءً على نطاق التذبذب.
كما أن قاعدة الـ 7% قد تساعد على اتخاذ قرار الخروج الملائم، وتقوم هذه القاعدة على تخلص المستثمر من السهم عند حدود خسارة ما بين 7 و8% أو ربح من 20 إلى 25% لحماية الأرباح ورأس المال.
وبالفعل تمكن بعض المستثمرين الذين تعاملوا وفقًا لتلك القاعدة عند تداول سهم "ميتا" في 2021، من تجنب خسائر فادحة فخرجوا مبكرًا، ثم عادوا للاستثمار خلال مرحلة التعافي.
وفقًا لتقرير نشره موقع إنفزيتورز، اشترى العديد من المستثمرين سهم ميتا بنحو 377.55 دولار أمريكي في 30 أغسطس 2021، ثم انخفض السهم لاحقًا بنسبة 7% تقريبًا، واستطاع الذين اتبعوا القاعدة السابقة تفادي خسارة تصل إلى 77% بحلول نوفمبر 2022.
ولم يتمكن السهم من العودة إلى نقطة الشراء الأصلية سوى في يناير 2024.
ربط الاستراتيجيات بالأمثلة الواقعية | ||||||
الاستراتيجية |
| المثال الواقعي |
| العائد أو النتيجة |
| الدرس المستفاد |
تحديد أهداف واضحة |
| سوفت بانك – علي بابا |
| مكاسب ضخمة أكبر بكثير من رأس المال |
| الالتزام بالخطة يضمن حماية الأرباح |
بيع عند القيمة العادلة |
| بيركشاير – بنك أوف أميركا |
| أرباح بلغت نحو 5.3 مليار دولار أمريكي |
| اغتنام القمة الواقعية أفضل من انتظار قمة مثالية |
قاعدة 7%-8% |
| ميتا 2021 |
| تجنب خسارة 77% |
| إدارة الخسائر تحمي رأس المال |
الانضباط العاطفي |
| بنك فرست ريبابلك |
| تجنب الخسائر الضخمة لكن مع جدل أخلاقي |
| ضرورة الشفافية في قرارات الخروج |
ومن الاستراتيجيات التي يجب على المستثمر اتباعها عند اتخاذ قرار الخروج الصحيح هو تجنب التنبؤات والاعتماد على حركة الأسعار الفعلية، الأسواق لا يمكن التنبؤ بها بدقة.
وبدلًا من محاولة تخمين الاتجاه، من الأفضل الاستجابة للتحركات الفعلية للأسعار حيث يستفيد المتداولون على المدى القصير من اتباع الزخم والسلوك السعري بدلًا من التوقعات.
كما يجب ضبط العواطف، وفي هذا الإطار يشير المستثمر "تشارلي مانجر" الذي عمل نائب رئيس مجلس إدارة شركة بيركشاير هاثاواي إلى ضرورة الاستعداد الذهني لاحتمال هبوط المحفظة، كاختبار للقدرة على الصمود قبل جني مكاسب قوية لاحقًا.
وبحسب "مانجر" فإن الاستسلام العاطفي كثيرًا ما يؤدي إلى قرارات خروج خاسرة، كما أن وضع استراتيجية خروج محددة مسبقًا قبل الدخول في الاستثمار يقي من القرارات المرتجلة في لحظات التوتر.
أمثلة واقعية لخروج ناجح
في الربع الثاني من عام 2025، نفّذت شركة بيركشاير هاثاواي صفقة تخارج من جزء من استثمارها في بنك أوف أميركا، حيث باعت أسهمًا بقيمة تقارب 6.9 مليار دولار، محققة أرباحًا قبل الضريبة بلغت نحو 5.3 مليار دولار.
ويجسد هذا المثال نموذجًا للخروج الاستراتيجي المنضبط عند تحقيق مكاسب كبيرة، بدلًا من التمسك بالأصل حتى تتآكل الأرباح.
نموذج آخر لقرار استثماري ناجح يتجلى في تخارج سوفت بانك من حصتها في شركة علي بابا الصينية.
فقد بدأت المجموعة اليابانية استثمارها في عام 2000 بمبلغ 20 مليون دولار أمريكي، وواصلت الاحتفاظ بحصتها حتى إدراج الشركة في البورصة عام 2014، ليصل تقييم الاستثمار آنذاك بمليارات الدولارات.
وفي العام المالي 2024، أعلنت سوفت بانك بيع معظم حصتها، محققة عوائد ضخمة بلغت 425 ضعفًا لقيمة الاستثمار الأصلي - أي ما يعادل نحو 8.5 مليار دولار أمريكي - وذلك قبل التراجع الحاد في سعر السهم بفعل الضغوط التنظيمية في السوق الصينية.
هذا القرار يعكس التزامًا واضحًا ببيع الأصل عند الوصول إلى مستوى العائد المستهدف بدلًا من المراهنة على استمرار الصعود.
أما المثال الثالث، فيتعلق بانهيار بنك فرست ريبابلك في عام 2023، حيث بادر عدد من كبار التنفيذيين بمن فيهم الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة إلى بيع أسهم بقيمة إجمالية تقارب 11.8 مليون دولار، وبأسعار تراوحت بين 123 و145 دولارًا للسهم.
وجاءت هذه العمليات قبل فترة وجيزة من تراجع السهم بنسبة تجاوزت 97%، ورغم أن هذه الخطوة حمت جزءًا كبيرًا من رؤوس أموالهم، فإنها أثارت جدلًا واسعًا حول ما إذا كانت قد استندت إلى معلومات داخلية غير معلنة عن المشكلات التي كان يواجهها البنك.
ورغم الجدل المثار حول دوافع هذا التخارج، فإنه يبرز كيف أن التحرك السريع استنادًا إلى مؤشرات ضعف واضحة يمكن أن يحمي رأس المال من خسائر كارثية.
وفي الوقت نفسه، يسلّط الضوء على الفرق بين التخارج الاستثماري المشروع والتصرفات التي قد تثير تساؤلات قانونية وأخلاقية.
ففي عالم الاستثمار، لا يوجد "توقيت مثالي" يمكن ضمانه، لكن يمكن صياغة "خطة مثالية" تُبنى على الموازنة بين الأمل في تحقيق المزيد من المكاسب والواقعية في حماية ما تم تحقيقه بالفعل.
والمستثمر الناجح هو من يحدد قواعده قبل أن يبدأ، ويعرف متى يخرج قبل أن يُجبره السوق على الخروج.
فالانضباط، أكثر من أي مهارة أخرى، هو ما يميز بين مستثمر يحافظ على أرباحه وآخر يتركها تتبخر مع أول رياح معاكسة.
المصادر: أرقام- بلومبرج- رويترز- فايننشال تايمز- سي إن بي سي- وول ستريت جورنال- موقع إنفزتورز دوت كوم- سي بي إس نيوز- فوربس
أخبار متعلقة :