اليوم الجديد

كيف هندست الصين ثورتها الخضراء لتغيير العالم؟

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف هندست الصين ثورتها الخضراء لتغيير العالم؟, اليوم السبت 9 أغسطس 2025 10:11 صباحاً

- "الصين هي مهد الثورة الصناعية الخضراء العالمية"؛ بهذه العبارة الحاسمة، افتتحت البروفيسورة إليزابيث ثوربون، من جامعة نيو ساوث ويلز، حديثها خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في يونيو 2025.

 

- لم تكن هذه الكلمات مجرد رأي عابر، بل خلاصة رؤية استراتيجية عميقة تقودها بكين، لتقلب موازين الطاقة العالمية وتثبت أن التحول الأخضر ليس ترفًا، بل ضرورة أمنية واقتصادية.

 

- بدت فكرة "الصين الخضراء" كأنها حلم بعيد المنال؛ خاصة لمن يتذكر سماء بكين القاتمة عام 2013، التي حجب ضبابها الدخاني الكثيف معالم المدينة.

 

- لكن خلال عقد ونيف فقط، نجحت الصين في تحقيق قفزة نوعية، محولةً صورتها من أكبر ملوث في العالم إلى القوة الدافعة للتحول نحو الطاقة النظيفة.

 

لغة الأرقام الصارخة: استثمار بحجم قارة

 

 

- الأرقام لا تكذب، بل تروي قصة طموح لا يعرف حدودًا؛ ففي عام 2024 وحده، استحوذت الصين على أكثر من 40% من إجمالي قدرة الطاقة المتجددة المضافة عالميًا.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- ضخت الصين استثمارات بلغت 818 مليار دولار في تحول الطاقة، وهو رقم يفوق ضعف ما استثمرته أي دولة أخرى.

 

- لا يُعتبر هذا الرهان التاريخي، الذي وصفه المبعوث الصيني للمناخ، ليو تشن مين بأنه "راسخ وثابت"، أموالًا مهدرة.

 

- وبدورها، تؤكد البروفيسورة ثوربون، التي ترأس "مشروع حوكمة الطاقة الخضراء"، أنه استثمار "مستدام تمامًا"، فهو يصب مباشرة في بناء صناعات جديدة، وتوليد إيرادات ضخمة، وخلق ملايين الوظائف.

 

التحدي المزدوج: سباق الصين المحموم مع الزمن

 

- بينما تمتعت الاقتصادات المتقدمة بترف زمني يتراوح بين 40 و70 عامًا للانتقال من ذروة الانبعاثات الكربونية إلى الحياد الصفري، وضعت الصين نفسها أمام جدول زمني شبه مستحيل: 30 عامًا فقط.

 

تخيل حجم المعادلة التي تسعى بكين لحلها:

 

- تأمين طاقة مستقرة لـ 1.4 مليار نسمة.

 

- تلبية احتياجات أضخم قاعدة صناعية في العالم.

 

- مواصلة مسيرة التوسع الحضري الهائلة.

 

- التخلص التدريجي من الاعتماد التاريخي على الفحم.

 

- إن نجاح الصين في هذه المهمة لن يغير مسارها فحسب، بل سيحدث ثورة في منظومة الطاقة العالمية، حيث تطمح أن تشكل المصادر غير الأحفورية أكثر من 80% من مزيج طاقتها بحلول عام 2060.

 

فلسفة "شيان لي هو بو": عبقرية التوقيت والتسلسل

 

 

- يكمن سر النجاح الصيني في فلسفة فريدة تُعرف رسميًا باسم "شيان لي هو بو"، والتي تُترجم إلى "ابنِ أولًا، ثم اهدم لاحقًا".

 

- تصف ثوربون هذا النهج في كتابها "البيئة التنموية" بأنه شكل من أشكال "الهدم الخلّاق"؛ فبدلًا من الدخول في جدل عقيم حول كيفية هدم منظومة الوقود الأحفوري قبل بناء بدائل قوية - وهو ما يشل حركة العديد من الدول المتقدمة - ركزت الصين على البناء أولًا.

 

- قامت الصين ببناء منظومة هائلة من صناعات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والسيارات الكهربائية، وعندما أصبحت هذه البدائل قوية وموثوقة، بدأت في تفكيك المنظومة القديمة بشكل تدريجي ومدروس.

 

- تعتبر هذه الرؤية التحول الأخضر "عاملًا مضاعفًا للأمن القومي"، فهو لا يحمي البيئة فقط، بل يعزز أمن الطاقة، وأمن الاقتصاد، والأمن المجتمعي، وصولًا إلى الأمن الجيوستراتيجي.

 

أمواج الجغرافيا السياسية: هل تعرقل الرياح العالمية مسيرة الصين؟

 

- على الرغم من هذا الزخم الصيني الهائل، يبدو التقدم العالمي متعثرًا. وبعد عشر سنوات من اتفاق باريس للمناخ، تلقي التوترات الجيوسياسية والصراعات الاقتصادية بظلالها على الإرادة الدولية.

 

- من جانبه، يحذر المبعوث الصيني من أن قمة المناخ القادمة (كوب 30) قد تكون "الأصعب على الإطلاق"، وأن تكلفة التقاعس سترتفع بشكل كارثي.

 

- وفي قلب هذه التوترات، تبرز مفارقة "القدرة الفائضة"؛ فالصين، بإنتاجها الضخم للألواح الشمسية وتوربينات الرياح، جعلت التحول الأخضر أرخص وأكثر جدوى للعالم بأسره. لكن هذه "الهدية للمناخ" تُقابل أحيانًا باتهامات تجارية ورسوم جمركية.

 

- وهنا، تقدم ثوربون حجة قاطعة: لا وجود لما يسمى بالقدرة الفائضة في مصادر الطاقة المتجددة الرخيصة ما لم نصل إلى نسبة 100% من الطاقة المتجددة على مستوى العالم. فاحتياجات الكوكب هائلة لدرجة أن العالم بحاجة إلى كل لوح شمسي وكل توربين رياح يمكن إنتاجه.

 

المستقبل: إصرار يتحدى العقبات

 

- يبقى السؤال الأهم: هل ستؤدي هذه التوترات إلى إبطاء مسيرة الصين أم ستدفعها لتسريع خطاها؟ تشير الدلائل، بحسب ثوربون، إلى الخيار الثاني. فمنذ اندلاع الحروب التجارية، ضاعفت الصين جهودها نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي والأخضر.

 

- وعندما سُئلت عن الطموح الأبعد، حول إمكانية أن تحقق دولة بحجم الصين "الحياد الكربوني" يومًا ما، أجابت بحكمة: عندما تلتزم الصين بهدف ما، فإنها غالبًا ما تحققه؛ ورغم أن الهدف يبدو اليوم خيالًا علميًا، فإن التاريخ القريب للصين يجعل المستحيل ممكنًا.

 

المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي

أخبار متعلقة :