نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التقسيم العكسي للأسهم: استراتيجية إنقاذ أم خطوة محفوفة بالمخاطر؟, اليوم الجمعة 8 أغسطس 2025 10:35 مساءً
اعتادت الأسواق بشكل أكبر على تقسيم الأسهم منها على التقسيم العكسي للأسهم، لما يوفره الأول من زيادة جاذبية أسهم الشركة في السوق وتوسيع قاعدة ملكيتها بما يقلل ضغوط كبار المساهمين على إدارة الشركة، ولكن التقسيم العكسي يظهر في بعض الحالات التي تعاني فيها الشركة موقفًا حرجًا في السوق أو تسعى لتحسين صورتها.
فعندما تقوم شركة بتنفيذ تقسيم عكسي لأسهمها، فإن الهدف الأساسي غالبًا ما يكون رفع السعر الاسمي للسهم، خاصة إذا كان منخفضًا إلى درجة تهدد بإخراج الشركة من البورصة أو يؤثر سلبًا على صورتها أمام المستثمرين بسبب انخفاض قيمة السهم بشكل كبير.
سيتي جروب مثالًا
في هذه العملية، يتم دمج عدد معين من الأسهم في سهم واحد، مثل أن يتم تحويل كل 15 سهمًا إلى سهم واحد جديد. ورغم أن هذا يغير شكل السهم وعدد الأسهم المتداولة، إلا أن القيمة السوقية الإجمالية للشركة لا تتغير نتيجة لهذه العملية.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
فالقيمة السوقية، والتي تُحسب بضرب عدد الأسهم القائمة في سعر السهم الواحد، تبقى ثابتة لأن التغير في عدد الأسهم يقابله تغير معاكس في السعر، فمثلًا، إذا كانت الشركة تملك 150 مليون سهم بسعر 0.20 ريال، فإن قيمتها السوقية تكون 30 مليون ريال، وبعد تنفيذ تقسيم عكسي بنسبة 1 مقابل 15، يصبح عدد الأسهم 10 ملايين، ويرتفع سعر السهم إلى 3 ريالات، مما يحافظ على نفس القيمة السوقية البالغة 30 مليون ريال.
ومن الأمثلة على التقسيم العكسي ما حدث في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حيث كانت سيتي جروب تعاني من انخفاض حاد في سعر سهمها، الذي وصل إلى حوالي 4.5 دولار في بداية 2011 بعد انخفاض بنسبة 40% خلال عامين.
وفي محاولة لاستعادة الثقة وتحسين الصورة السوقية، أعلنت في مارس 2011 عن تنفيذ تقسيم عكسي بنسبة 1 مقابل 10، أي أن كل عشرة أسهم تم دمجها في سهم واحد، دون تغيير في القيمة الاسمية للسهم.
هدف التقسيم العكسي
وكان هدف التقسيم واضحًا ويتمثل في جذب المستثمرين المؤسساتيين حيث كثير من الصناديق الاستثمارية لا تستثمر في الأسهم التي يقل سعرها عن 5 دولارات، ورفع السعر إلى أكثر من 40 دولارًا بعد التقسيم جعل السهم مؤهلاً لهذه الصناديق.
كما هدفت الإدارة أيضا إلى إعادة توزيع رأس المال من خلال خفض عدد الأسهم من حوالي 29 مليار إلى 2.9 مليار سهم، مما يسهل إدارة توزيعات الأرباح، فضلًا عن إرسال إشارة نفسية للسوق بأن الأزمة المالية أصبحت خلفها، وأن الشركة في طريقها للتعافي.
وبالفعل تحققت بعض الأهداف للإدارة من بينها تغير في سلوك التداول بعد التقسيم، إذ انخفض متوسط حجم الصفقة من حوالي 2,400 سهم إلى 270 سهما، مما يشير إلى تغير في نوعية المستثمرين، كما حدث تراجع كبير في أنشطة التداول عالي التردد، فقبل التقسيم، كانت سيتي جروب من أكثر الأسهم تداولًا من قبل خوارزميات التداول الآلي، أما بعد التقسيم، انخفضت نسبة التداولات السريعة بنسبة 70% بسبب ارتفاع السعر.
وبشكل عام يمكن القول إن نمط التداول اليومي لسهم سيتي جروب أصبح مشابهًا لأسهم الشركات المالية الكبرى مثل تلك المدرجة في "ستاندرد أند بورز 500"، ولكنه أثار غضب المستثمرين الأفراد حيث اشتكى كثير منهم من خسائر بسبب شراء سهم رخيص رأى فيه فرصة استثمارية بعيدة عن هيمنة الشركات الكبرى فتغير واقع الشركة بدمج الأسهم وتغيرت تركيبة مستثمريها.
ويمكن القول إن تقسيم سيتي جروب العكسي عام 2011 يُعد مثالًا كلاسيكيًا على استخدام هذه الأداة لتحسين الصورة السوقية وجذب المستثمرين المؤسساتيين، ولكنها لم تحقق هدفها بعد تحسن لأيام فقط في سعر السهم فإن سعره انخفض أكثر من 15% بعد عام على قرار التقسيم العكسي بما يؤكد محدودية فاعلية قرار التقسيم العكسي.
أبل نموذجًا
ومن أبرز الشركات التي قامت بعملية التقسيم العكسي (والتقسيم العادي) للأسهم تأتي "أبل"، ففي عام 2000، كانت الشركة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، حيث انخفض سعر سهمها إلى مستويات مقلقة، متأثرًا بتقلبات السوق وانفجار فقاعة الإنترنت، بلغ سعر السهم حينها مستوى 15 دولارًا، مما دفع الإدارة إلى اتخاذ قرار استراتيجي بتنفيذ تقسيم عكسي بنسبة 2 مقابل 1 في 21 يونيو من نفس العام.
هذا القرار أدى إلى تقليص عدد الأسهم المتداولة من نحو 1.8 مليار سهم إلى 900 مليون سهم، ورفع السعر الاسمي للسهم إلى حوالي 31.44 دولار، دون أن تتغير القيمة السوقية الإجمالية للشركة.
وكان الهدف من هذا القرار هو تحسين صورة الشركة في السوق، وجعل سهمها أكثر جاذبية للمستثمرين المؤسساتيين الذين غالبًا ما يتجنبون الأسهم منخفضة السعر (مثل سيتي جروب) كما أرادت الإدارة إرسال رسالة ثقة إلى السوق بأنها قادرة على التعافي والنمو.
ومع ذلك، لم يكن تأثير التقسيم العكسي فوريًا أو إيجابيًا بالكامل، إذ انخفض سعر السهم بنسبة تقارب 30% خلال الأشهر الستة التالية، ليصل إلى نحو 22 دولارًا في نهاية عام 2000، ثم إلى أقل من 15 دولارًا في أكتوبر 2001.
رغم هذا التراجع، كان التقسيم العكسي بمثابة تمهيد لتحول استراتيجي كبير في مسيرة "أبل"، فخلال السنوات التالية، بدأت الشركة في إطلاق منتجات ثورية مثل "أيبود" في 2001، و"أيفون" في 2007، مما أدى إلى ارتفاع سعر السهم بشكل كبير وتضاعف القيمة السوقية للشركة.
وبحلول عام 2007، تجاوز سعر السهم حاجز 90 دولارًا، ليعكس نجاحًا طويل الأمد لم يكن ظاهرًا لحظة تنفيذ التقسيم، وإن قال البعض إن التأثير الحقيقي كان للمنتجات الجديدة والتطوير، ولكن محاولة لفت انتباه المؤسسات للشركة (مثل عمالقة إدارة الأصول وبيركشاير هاثاواي وغير ذلك) كان لها تأثير بالتأكيد.
محاولة إنقاذ
وقدمت شركة "أمريكان أباريل" نموذجًا مختلفًا لتقسيم الأسهم، ففي عام 2016 كانت الشركة تواجه أزمة مالية حادة، بعد سنوات من التوسع السريع والمشاكل الإدارية التي أثرت على أدائها في السوق.
فهذه الشركة، التي تأسست عام 1989 على يد رجل الأعمال الكندي "دوف شارني"، اشتهرت بإنتاج الملابس داخل الولايات المتحدة وحققت نجاحات في سنواتها الأولى، لكنها بدأت تفقد ثقة المستثمرين بعد تراجع مبيعاتها وتراكم ديونها.
ومع استمرار انخفاض سعر سهمها في بورصة نيويورك إلى ما دون الدولار الواحد، أصبحت مهددة بالشطب، وهو ما كان سيشكل ضربة قاسية لسمعتها وفرصها في الحصول على تمويل مستقبلي.
وفي محاولة للبقاء ضمن قائمة الشركات المدرجة، قررت إدارة الشركة تنفيذ عملية تقسيم عكسي للأسهم بنسبة 15 إلى 1 في عام 2016.
ولكن هذه الخطوة لم تكن كافية لإنقاذ الشركة من الانهيار، حيث إن مشاكل المالية كانت أعمق من مجرد انخفاض سعر السهم، فقبل عملية التقسيم العكسي بعام، أعلنت إفلاسها رسميًا بعد تراكم الديون وتراجع الإيرادات، فضلًا عن فضائح متعددة للإدارة متعلقة بسوء السلوك وسوء الإدارة.
وبعد إعلان الإفلاس، تم بيع أصول الشركة إلى شركة كندية في يناير 2017، مقابل حوالي 88 مليون دولار وجاءت الصفقة لتؤكد حجم المشاكل التي عانتها الشركة الأمريكية، حيث استحوذت"جليدان" الكندية على العلامة التجارية وحقوق الملكية الفكرية، لكنها لم تحتفظ بمعظم متاجر الشركة أو موظفيها.
وبعدها لم تعد "أمريكان أباريل" شركة مستقلة مدرجة في البورصة، بل أصبحت جزءًا من مجموعة "جليدان"، وتعمل بشكل محدود عبر الإنترنت، ورغم محاولات إعادة إحياء العلامة التجارية، إلا أن جميعها فشلت، وأصبحت الشركة مثالًا لكيف يمكن للنجاح السريع أن يتحول إلى انهيار مدوٍ بسبب سوء الإدارة والفضائح.
ومن أصل 3 محاولات استعرضناها للتقسيم العكسي للأسهم، لم تنجح إلا "أبل" وظهرت النتيجة بعدها بفترة طويلة، ولذا من المهم أن يدرك المستثمرون أن التقسيم العكسي لا يغير شيئًا في أساسيات الشركة، فإذا كانت تعاني من مشاكل مالية أو إدارية، فإن رفع سعر السهم بهذه الطريقة لن يحل أو يحرك شيئاً، بل إنه قد يكون إشارة تحذيرية للمستثمرين أن الشركة تعاني مشكلات بعضها غير ظاهر لهم حاليًا.
المصادر: أرقام- فورتشن- نيويورك تايمز- إيكونوميست- بروكينجز- إيكونوميست
أخبار متعلقة :