وَصف وزير الثّقافة غسان سلامة، نفسه بأنّه "أكبر مالك عقاري"، لأنّ مهمّته هي الدّفاع عن مدن وقلاع وأسواق ومبانٍ أثريّة في كل لبنان، ويحميها من التعدّيات، مشيرًا إلى أنّ "نصف عمل وزير الثّقافة هو الدفاع عن هذه الممتلكات، والحفاظ عليها. لديّ قضايا كثيرة أمام المحاكم، ومتابعات يوميّة مع الدّرك. قضايا تتعلّق بسرقات أثريّة أو تعدّيات بالبناء على آثار، أو تشويهها". وعَدّ هذا الجزء من عمله "ثمينًا جدًّا وسياديًّا، ويعطيه أهميّة فائقة".
وأكّد في حديث لصحيفة "الشّرق الأوسط"، "أنّنا أوقفنا تعدّيات في أماكن كثيرة، ونعمل بجدٍّ على تطوير اتفاقات مع متحف "اللوفر" وإيطاليا للمساعدة في البحث عن آثار جديدة"، موضحًا أنّ "الجزء الثّاني من عمل له علاقة بالإنتاج الثّقافي. هذا جانب يعاني من ضعف بسبب عدم وجود تمويل. دورنا أن نسهّل، وأن نفتح أسواقًا جديدةً أمام الكتّاب وصنّاع الأفلام وغيرهم".
وركّز سلامة على أنّ "ماليّة الدّولة ستكون صعبة لثلاث أو خمس سنوات مقبلة. بالتالي لم يعد دور الوزارة كمستثمر، وإنّما كمساعد ومشجّع أكثر من أي شيء آخر"، معتبرًا أنّ "دور الوزارة هو الحفاظ على التراث وربط النّاس بتاريخهم، لذلك حين حلّت ذكرى انفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب، وطلب أهالي الضّحايا وضع صوامع المرفأ المدمَّرة على لائحة الجرد العام وإلغاء القرار السابق بهدمها، تجاوبت معهم". ولفت إلى أنّه "إذا كان عائلات الضّحايا يعدّون الصّوامع شاهدًا صامتًا على الفجيعة الّتي ضربتهم، فلا يجوز حرمانهم منها على الأقل حتى صدور القرار الظنّي".
وعن السّبب وراء اعتبار نفسه "شحّاذ الحكومة"، يشرح أنّه "في فترة توزيره السّابقة أتى بمبالغ كبيرة. أمّا الآن فوضع الماليّة أضعف بكثير، والشحاذة أصعب". مع ذلك تمكَّن من الحصول على هبة مليون دولار لرقمنة المكتبة الوطنيّة، وهبة أخرى لترميم قصر بيت الدين، وغيرها لتطوير التياترو الكبير.
كما أكّد أنّ "المشكلة هي في الحصار المالي المفروض على لبنان، رغم أنّني لست في المجال السّياسي لكنّه يصيبني، كالطّاقة والزّراعة وأي مجال آخر. إمكانيّة الحصول على قروض وهبات أصعب بكثير من قبل"، معربًا عن أمله في أن "يتفكّك هذا الحصار. وهناك أسباب لتفكيكه، لكنّ هذا لا يمنعني من المحاولة مع المنظّمات الدّوليّة".
وشدّد سلامة على أنّ "هجرة المبدعين تخلق فجوةً، وتضعنا أمام فراغ نحتاج إلى جيل كامل لنردمه. نحن بحاجة إلى أمن وتعافٍ وتشجيع سوق محليّة ثقافيّة لا تصدّر المبدعين، ولكن تصدِّر الإبداع، والفرق أساسي بين الإثنين"، كاشفًا أنّه سيدعو مختلف القطاعات إلى الاجتماع والتشاور مطلع أيلول المقبل. "نبدأ بالفنون التشكيليّة أي الرّسم والنّحت، وندعو الفنانين أصحاب الغاليريهات، والمبدعين الوسطاء، والنقّاد، وبعد 15 يومًا ننتقل إلى السّينما، ثمّ بعدها نجتمع بالعاملين في قطاع المسرح، ثمّ الكتب، حيث نلتقي بالكتّاب والنّاشرين والموزّعين والمستوردين والمورّدين كلّهم معًا، لنرى ما التوصيات الّتي نقدّمها؛ ونصوغ سياسةً ثقافيّة".
وأفاد بأنّ "قبل مطلع العام المقبل، أي بعد ثلاثة أشهر من الاجتماعات، خلال الخريف، تصبح لدينا رؤية واضحة للقطاع الثّقافي، ستُعرض على مجلس الوزراء"، معلنًا "أنّه طلب من وكالة التنمية الفرنسيّة دراسةً تفصيليّةً حول "الصّناعات الثّقافيّة في لبنان"، ستُنجَز قبل عيد الميلاد. لكنَّ النّتائج الأولى رغم الأزمة الماليّة الّتي نعيشها، تشير إلى أنّ هذا القطاع بمساهمته في النّاتج القومي والصّادرات وعدد النّاس الّذين يعملون فيه، يتجاوز قطاع الزّراعة وربّما حتى قطاع الصّناعة".
وذكر أنّ "التقديرات الأوّليّة للدّراسة تشير إلى أنّ حصّة القطاع الثّقافي تتجاوز 15 في المئة من صادرات لبنان"، مشيرًا إلى "أنّني حين قلت ذلك في مجلس النّواب، استغربوا كلامي. لكن لن أُفاجأ لو كانت النّتيجة 20 في المئة من مجمل الواردات. هو قطاع واعد جدًّا لأسباب كثيرة، منها أكاديمي. هناك كليّات ترميم تُخرِّج مهارات عالية وخبرات في الجامعة اللّبنانيّة في طرابلس، والجامعة اليسوعيّة الّتي لديها مختبر ترميم عصري إلى أقصى الحدود، وجامعة الروح القدس- الكسليك عندها قسم ترميم لوحات وكتب بتقنيّات عالية جدًّا".
وأضاف سلامة: "النّاس لا يعرفون كم الاستثمار مفيد في هذه المجالات. الدّول المجاورة لا تستفيد إلى الآن من هذه المهارات، لأنّها بالكاد تلبّي الطّلب اللّبناني"، مبيّنًا "أنّه يُعيد ترميم أكثر من ألفَي لوحة لوزارة الثّقافة. في الجامعة اليسوعيّة، أذهب أتفقّدها باستمرار، كأطفالي، تحتاج إلى سنتين أو ثلاثًا. عندنا أيضًا كتب كثيرة بحاجة إلى ترميم. الأمر السّعيد أنّنا في لبنان أصبحت لدينا تجهيزات متقدّمة جدًّا وكفاءات".
أخبار متعلقة :