اليوم الجديد

السوشيال ميديا وكذبة الثراء السريع: من يربح ومن يدفع الثمن؟

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السوشيال ميديا وكذبة الثراء السريع: من يربح ومن يدفع الثمن؟, اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025 07:55 صباحاً

في زمن تغيرت فيه موازين النجاح، لم يعد الاجتهاد طريقًا مضمونًا لتحقيق الحياة الكريمة. صار "الترند" أسرع من التخصص، وصار الهاتف الذكي أخطر من أعتى الشهادات الجامعية. أصبحت السوشيال ميديا حلمًا ذهبيًا لشباب يتطلعون إلى الثراء دون أن يطرقوا أبواب الوظائف أو يجلسوا في قاعات الدراسة. كل ما تحتاجه هو كاميرا وإنترنت وفكرة غريبة أو مثيرة، وقد تتحول في أيام إلى نجم، وربما إلى مليونير.

لكن الحقيقة التي لا يراها الجميع أن هذه الواجهة البراقة تخفي خلفها خدعة كبرى. فالسوشيال ميديا، التي تبيع الوهم بشكل يومي، تصدر مشاهد لحياة مترفة، وسفر دائم، وأموال تتدفق بلا عناء، لكنها لا تُظهر الجانب المظلم: الضغط النفسي، فقدان الخصوصية، التغيرات السريعة، والسقوط المدوي بعد أول سقطة أو فضيحة. بل إن معظم هؤلاء لا يجنون شيئًا فعليًا، فقط حفنة من اللايكات التي لا تشتري رغيف خبز.

وسط هذا المشهد، يظهر وجه أكثر قسوة: المتعلمون، أصحاب الشهادات، من أفنوا أعمارهم في الدراسة والتخصص، أصبحوا اليوم في الخلفية. طبيب يُقارن بداهية تيك توك، ومهندس عاجز عن مجاراة أرباح إنفلونسر يروّج لمسحوق غسيل. هذه المقارنات لا تؤذي فقط الأشخاص، بل تضرب الثقة في مفهوم العدالة كله. كيف تقنع شابًا بالالتحاق بكلية الطب وهو يرى أحد أقرانه يربح في شهر ما لن يجنيه في عام كامل؟

المؤلم أكثر أن هذه الظاهرة بدأت تعيد تشكيل القيم الاجتماعية. لم يعد العلم قيمة، بل صار وسيلة مملة لا تأتي بالكثير. لم يعد للجهد احترام، ولا للخبرة تقدير. بل إن بعض الشباب بات يشعر بالخجل من لقبه الوظيفي إن لم يكن لامعًا على "السوشيال". المجتمع صار يقيس الناس بعدد متابعيهم، لا بعدد إنجازاتهم.

وهكذا، ينخدع البعض بكذبة الثراء السريع، ويتورطون في سباق محموم نحو الشهرة، دون أن يدركوا أنهم قد يخسرون أنفسهم في الطريق. بينما يدفع المجتمع كله الثمن: قيم تنهار، علم يُهان، وشباب يتشتتون بين حلم غير مضمون وواقع لا يرحم.

ليس الخطأ في المنصات، بل في المبالغة في تقديرها، وفي خلطها بمقاييس النجاح الحقيقي. وحده الوعي قادر أن يُعيد التوازن. وحده المجتمع، حين يقرر أن يكرّم المعلم قبل الممثل، والعالم قبل المشهور، يمكنه أن يصحح المسار. أما غير ذلك، فنحن نمشي بخطى ثابتة نحو زمن لا ينتصر فيه إلا الضجيج.

أخبار متعلقة :