في ظل التصعيد المتواصل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، تواصل طهران ردّها العسكري على العدوان الأخير الذي استهدف أراضيها، مؤكدةً أن العملية مفتوحة ومتصاعدة ضمن سياق استراتيجي محسوب. ومع تزامن الضربات الإيرانية مع كلمة الإمام القائد السيد علي الخامنئي، التي توعّد فيها بإذلال الكيان، تكشف المؤشرات الميدانية والسياسية عن تحوّل لافت في قواعد الاشتباك ومعادلات الردع في المنطقة.
في مقابلة خاصة، أكّد الباحث والمختص في الشأن الإيراني مختار حداد في مقابلة مع المنار أن الداخل الإيراني يشهد إجماعًا رسميًا وشعبيًا على ضرورة الرد على الكيان الصهيوني. وقال حداد إن اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي، مساء أمس، شكّل محطة مفصلية، تزامنًا مع الكلمة المتلفزة للإمام القائد السيد علي الخامنئي، والتي وصفها بـ”فصل الخطاب”، مشيرًا إلى أن العمليات العسكرية انطلقت بالتزامن مع تلك الكلمة التي حملت تأكيدًا واضحًا بأن الكيان الصهيوني سيُذلّ.
وأضاف: “منذ ذلك الحين، جميع المسؤولين الإيرانيين، سواء من القادة السياسيين أو العسكريين، أكدوا أن العملية مستمرة، ولن تتوقف، بل ستتسع بوتيرة تصاعدية. وقد استمرت الضربات لعدة ساعات، وتم التصريح بأن المرحلة المقبلة ستشهد استهدافات دقيقة داخل عمق الكيان الصهيوني”.
وأشار حداد إلى أن طهران أطلقت تحذيرًا واضحًا لجميع الدول التي قد تسعى لدعم الكيان الصهيوني أو تتدخل لمنع العمليات الإيرانية، مؤكدة أن أي جهة تتعاون مع العدو الصهيوني، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ستُعتبر هدفًا مشروعًا.
احتضان شعبي واسع للرد الإيراني
وفيما يخص الموقف الشعبي، أوضح حداد أن “الرد الإيراني يحظى بتأييد جماهيري واسع، وهو ما بدا واضحًا من خروج التظاهرات والمسيرات الشعبية في طهران وكافة المدن الإيرانية منذ صباح أمس، بل حتى قبل بدء العمليات العسكرية. وبعد صلاة الجمعة، شهدت الشوارع مسيرات شعبية حاشدة رفعت فيها رايات الجمهورية الإسلامية وفلسطين والمقاومة، ورددت هتافات: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”.
وتابع: “خلال تشغيل الدفاعات الجوية في طهران، خرج المواطنون إلى الشرفات والمنازل وهم يهتفون ‘الله أكبر’، في مشهد يعكس الروح المعنوية العالية، وثقة الشعب بقيادته العسكرية والسياسية”.
ردّ عسكري مركّب ومنظّم
وحول أداء القوات المسلحة، قال حداد: “إيران واجهت عدوانًا مركّبًا استخدمت فيه أدوات عسكرية وأمنية وتقنيات متطورة، ومع ذلك أظهرت القوات المسلحة قدرة عالية على احتواء الضربات. كما تم تعيين قادة عسكريين جدد بسرعة عقب استشهاد بعض القيادات، في دليل على استقرار وحيوية المؤسسة الدفاعية”.
وأضاف: “خلافًا لكل التوقعات التي رجّحت تأخّر الرد، جاء الرد الإيراني سريعًا ومفاجئًا، حيث أمطرت طهران تل أبيب بوابل من الصواريخ، وعلى دفعات متلاحقة. الدولة الإيرانية أثبتت أنها قادرة على استعادة زمام المبادرة خلال ساعات، دون أن تتأثر بنيتها أو قيادتها العسكرية”.
وأشار إلى أن “القيادة كانت تدير المعركة لحظة بلحظة، حتى قبل استكمال مراسم التشييع، وتم تسلّم المهام من قبل القادة الجدد مباشرة، دون أي فراغ في القيادة”.
وعن الاستجابة الميدانية، أوضح حداد أن “قوات الدفاع المدني، والإطفاء، والطوارئ، والأمن كانت حاضرة بسرعة بعد استهداف منازل المدنيين، وساهمت في ضبط الأوضاع، وسط تعاون لافت من الأهالي”.
وأكد أن “الوضع في طهران اليوم طبيعي وآمن، والمواطنون يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، في ظل شعور بالأمان والثقة بالقوات المسلحة”.
تعليق المفاوضات وموقف تفاوضي أقوى
وفيما يخص المسار السياسي والدبلوماسي، قال حداد: “إيران أعلنت تعليق مشاركتها في جولة المفاوضات التي كانت مقررة يوم الأحد، خاصة بعد اتضاح تواطؤ الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني، وظهور مؤشرات على علم مسبق أمريكي بالعدوان”.
لكنه أضاف: “في المقابل، العمليات العسكرية الإيرانية الواسعة عززت الموقف الإيراني في أي مفاوضات قادمة. طهران لم تعد تُفاوض من موقع ضعف، بل من موقع ميداني وسياسي متقدّم، وهذا ما بدأت تُدركه حتى بعض الدول الأوروبية”.
وختم بالقول: “رغم ذلك، فإن العودة الفورية إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة ليست مطروحة حاليًا. ما يجري اليوم هو تثبيت لمعادلات جديدة، تؤكد أن طهران قادرة على الرد، وعلى ضبط ميدان المواجهة سياسيًا وعسكريًا”.
وبدأ الرد العسكري الإيراني فجر السبت، في أعقاب عدوان صهيوني استهدف منشآت داخل الأراضي الإيرانية، وأدى إلى استشهاد قياديين بارزين. وعلى الفور، بدأت الجمهورية الإسلامية تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق، انطلقت من داخل الأراضي الإيرانية، وشملت هجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الانتحارية من طراز “آرش”.
وقد استهدفت الضربات الإيرانية مواقع عسكرية حساسة في عمق الأراضي المحتلة، أبرزها قاعدة “تل نوف” الجوية، وقاعدة “نفاطيم”، ومقرات تابعة لوزارة الحرب الصهيونية في منطقة “الكرياه” وسط “تل أبيب”. كما أصابت الضربات منشآت حيوية في مدن ريشون لتسيون، حيفا، بئر السبع، وأسدود.
وشهدت سماء فلسطين المحتلة موجات متتالية من الصواريخ الإيرانية، أفادت وسائل الإعلام العبرية بأنها نُفذت على شكل دفعات متعاقبة. وقد عجزت منظومة “القبة الحديدية” عن اعتراض الجزء الأكبر منها، ما أدى إلى دمار واسع وإصابات مباشرة في البنى التحتية والمراكز الأمنية.
في الداخل الإيراني، أُعلنت حالة الاستنفار الشامل في الدفاعات الجوية ووحدات الطوارئ، وجرى نشر بطاريات الدفاع الجوي حول المواقع السيادية والعسكرية. ورغم بعض الأضرار المادية جراء الاعتداء الصهيوني، سادت أجواء من التنظيم الميداني، وتمّت الاستجابة بسرعة فائقة من قوات الطوارئ والإغاثة.
كما تم تعيين قادة جدد لهيئة الأركان خلال ساعات من ارتقاء الشهداء، وبدأوا أداء مهامهم فورًا، في إشارة إلى الجهوزية البنيوية والمرونة القيادية التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية الإيرانية.
المصدر: موقع المنار
أخبار متعلقة :