بعد مرور عيد الأضحى الاستثنائي لهذه السنة، تعود من جديد الأسئلة الحارقة لتطفو على سطح النقاش العمومي، وعلى رأسها سؤال لا يقل أهمية عن طقوس الذبيحة نفسها، حيث لا يخلو حديث المغاربة عن التساؤل حول استمرار ارتفاع أسعار اللحوم إلى ما بعد عيد الأضحى، وهو سؤال يخفي وراءه شبكة معقدة من العوامل الاقتصادية والسوسيوثقافية، تترجم في النهاية إلى أرقام ثقيلة تثقل كاهل المواطن البسيط.
وعاش المغاربة خلال السنة الماضية، سيناريو مشابها، بل يكاد يكون نسخة طبق الأصل لما نعيشه اليوم، وبينما كانت الأنظار مشدودة نحو أسعار الأكباش التي شهدت ارتفاعا غير مسبوق السنة الفارطة، وجد كثير من المواطنين أنفسهم مرغمين على التخلي عن "الحولي"، والاكتفاء بشراء كميات من اللحم، في محاولة لحفظ ماء الوجه ومجاراة طقوس العيد بما توفر، لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن خيار "اللحم عوض الحولي" لم يكن ملاذا آمنا، بل تحول بدوره إلى أزمة جديدة، بعدما تجاوز ثمن الكيلوغرام الواحد 150 درهما، في سابقة لم تعرفها الأسواق المغربية منذ سنوات.
والأدهى أن هذا الغلاء لم يكن ظرفيا مرتبطا بأيام العيد فحسب، بل استمر لأسابيع طويلة بعد انقضاء المناسبة، وكأن السوق دخل في حالة من الجمود السعري غير المعلنة، حيث حافظت الأسعار على مستوياتها المرتفعة، بين 130 و150 درهما للكيلوغرام، رغم وعود المهنيين بخفاضها عقب العيد، حيث ومع توالي الأيام، بدا واضحا أن الحديث عن "الارتفاع الموسمي" لم يعد دقيقا، بل إن الأسعار أبت أن تعود إلى سابق عهدها حين كانت في حدود 80 إلى 100 درهم، كما كان الحال قبل موسم الأضحية.
اليوم، وقد مر عيد الأضحى الاستثنائي في المغرب، لا شيء يوحي بأن الوضع سيكون مختلفا حسب ما يؤكده مهنيون، فالسوق يعيش حالة ترقب ممزوجة بالقلق، والعديد من العوامل – من قلة التساقطات إلى ارتفاع أسعار العلف وتكاليف الإنتاج – تستعمل لتبرير موجة الغلاء، دون أن تلوح في الأفق مؤشرات ملموسة على انفراج قريب، حيث وفي غياب تدخلات صارمة من الجهات المعنية، يظل المواطن الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، مطالبا بتدبير ميزانيته الشهرية وسط دوامة لا ترحم من الزيادات المتتالية.
فهل يعيد التاريخ نفسه هذه السنة؟ وهل سنشهد من جديد سيناريو "الشناقة الجدد" الذين سيبيعون اللحوم بأسعار تضاهي أو تفوق تلك التي سجلناها العام الماضي؟ أم أن السوق سيعرف نوعا من الانضباط بعد العيد ويعود إلى مستوياته الطبيعية؟ وهي أسئلة مؤرقة تقض مضجع آلاف الأسر المغربية، وتضعنا أمام حقيقة مرة مفادها أن اقتناء اللحوم تحول إلى عبء ثقيل يختبر قدرات المواطنين على الصبر والاحتمال، في ظل واقع اقتصادي صعب.
أخبار متعلقة :