اليوم الجديد

“رونالدو” حين يتكلم الصمت: من دمعة لاعب.. إلى رسالة لكل صامت..

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
“رونالدو” حين يتكلم الصمت: من دمعة لاعب.. إلى رسالة لكل صامت.., اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 01:14 مساءً

عبود آل زاحم*

في تلك الليلة الثقيلة، لم يكن انكسار كريستيانو رونالدو بعد خسارة النصر أمام كاواساكي الياباني مجرد مشهد رياضي عابر، بل كان حدثًا إنسانيًا خالصًا، لحظةً تجمّد فيها الزمن، وارتفعت فيها مشاعر لا يُمكن تفسيرها بالكلمات.

انحنى رونالدو برأسه إلى الأرض، لا لأنه استسلم، بل لأن من يعمل من القلب لا يُهزم بسهولة.

لم يكن بكاؤه اعترافًا بالهزيمة، بل كان صرخة صامتة تعبّر عن أعوام من الشغف والجهد، عن الركض المستمر خلف المجد، عن كل ما بذله ليمنح الفريق الحلم.. لكنه، للمرة الأولى، لم يكفِ.

في تلك اللحظة، بدا واضحًا أن القائد الأسطوري لم يكن يخسر مباراة فحسب، بل كان يودّع حلمًا، يودّع لحظةً كان يؤمن أنها ستكون له. ومع ذلك، لم يحتج أن يتكلم؛ فصمته كان أكثر بلاغة من كل التصريحات. لقد أصبح هذا الصمت صوتًا لكل أولئك الذين يعملون بصمت، دون أن يُشار إليهم، دون أن تُكتب عنهم المقالات أو تُرفع لهم اللافتات، وكأنه يقول: “ليس كل وجع يُصرّح به.. بعض الوجع يليق به الصمت”.

رونالدو في تلك اللحظة كان مرآةً للكثير منا. أولئك الذين يبذلون ويجتهدون ويصدقون، لكنهم لا يصلون دائمًا، أولئك الذين يعلمون أن الجهد وحده لا يضمن النتيجة، ولكن الإخلاص لا يضيع عند الله أبدًا.
ومَن منا لم يشعر يومًا أنه فعل كل ما بوسعه.. ولم يتحقق له ما تمنى؟ لذلك فإن هذا المشهد لم يكن رياضيًا فقط، بل كان إنسانيًا بامتياز. لحظة نستعيد فيها أنفسنا من خلال عيني لاعبٍ عالمي بدا – ولو لثوانٍ – واحدًا منا. بدا بشريًا، حقيقيًا، منهكًا.

ومن هنا، تتجلى رسالة كريستيانو، دون أن ينطق بها: “إن لم يُصفق لك أحد، لا بأس.. طالما أنك تُصفق لذاتك بإخلاص”. هذه الرسالة هي دعوة لكل من يعمل بصمت، لكل من لم يُعرف اسمه، لكنه استمر في طريقه. دعوة للثقة بأن الله يرى، وأن الصبر ليس ضعفًا، بل امتيازًا لا يُمنح إلا للأقوياء. وما دام في قلبك إيمان، فإن الطريق لا يضيع. فـ”قد تخذلك اللحظة، لكن لا يخذلك الطريق”.

كان مشهدًا موجعًا، لكنه في ذات الوقت مُلهم، لأنه علّمنا أن البطولة ليست دائمًا في رفع الكأس، بل في رفع النفس من على رصيف الخسارة، “ليست البطولة أن تفوز، بل أن تنهض كلما خسرت”، وما أجمل أن يكون البطل، وهو في قمّة ألمه، سببًا في نهضتنا نحنْ، نحنُ الذين نعيش محاولات كثيرة دون أن نُصفق، نسير في طرق طويلة دون أن تُسلط علينا الأضواء، نحلم بصمت ونُكمل.. رغم كل شيء.

في بيئة العمل، كثيرون يشبهون رونالدو في تلك اللحظة. موظفون يُعطون كل ما لديهم، يعملون بإخلاص، يضحّون بوقتهم وجهدهم، وربما لا ينالون التقدير الذي يستحقونه، لكن كما أن “دمعة لاعب” حملت رسالة أمل رغم الخسارة، فإن كل جهد مبذول بإخلاص، ولو لم يُرَ، يبني نجاحًا قادمًا.

الرسالة للعاملين بصمت: قد لا تُرفع التقارير بأسمائكم، ولا تُكتب الإشادات في لوحات الشرف، لكن ما تزرعونه اليوم من صدق، ستجنيه مؤسستكم غدًا في استقرارها وتقدمها، العمل المخلص لا يُهزم، حتى وإن تأخر الاعتراف به، تمامًا كما فعل رونالدو.. واصلوا العمل، حتى وإن لم يصفّق لكم أحد. لأن البطولة الحقيقية ليست في التتويج، بل في البذل بصمت.

وهكذا، وبينما انسحب رونالدو من الملعب وسط دمعةٍ ثقيلة، زرع فينا شيئًا أثمن من النصر.. زرع فينا الصدق، الإيمان، والإنسانية.

*خبير تدريب وتطوير المواهب
وعضو الجمعية السعودية للموارد البشرية.
نقلاً عن: ‏‪alweeam.com

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

أخبار متعلقة :