في سياق الحراك المتسارع الذي يشهده المغرب استعدادا لتنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، دخلت عشر من كبريات شركات المحاماة الإسبانية على خط المنافسة لتعزيز حضورها داخل السوق القانونية المغربية، وذلك بهدف الظفر بعقود استشارية تتعلق بإنجاز المشاريع الكبرى، وعلى رأسها الملاعب العملاقة التي ستحتضن مباريات الحدث الكروي الأهم في العالم.
ويوجد في مقدمة هذه الشركات مكتبي "كليفورد تشانس" و"غاريغس"، وهما من أعرق مؤسسات المحاماة بإسبانيا، ويحظيان بسمعة دولية مرموقة، إضافة إلى امتلاكهما فروعا قائمة بالمغرب، حيث تستعدان الشركتان، المعروف عنهما إشرافهما على صفقات دولية في مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل، بقوة لتقديم خدماتهما القانونية في ما يرتبط بإرساء عقود بناء "الملعب الكبير للدار البيضاء"، الذي سيكون أضخم ملعب في العالم بسعة 115 ألف متفرج والذي سيشيد بتكلفة تقدر بـ300 مليون يورو.
ويرتقب أن يكون هذا المشروع محط تنافس محتدم بين شركات دولية، ليس فقط في مجال البناء والهندسة، بل أيضا في حقل الاستشارة القانونية، حيث يتطلب المشروع إنجازا محكما في ظرف لا يتجاوز 30 شهرا، تماشيا مع جدول الفيفا الذي يضع الملعب كمرشح بارز لاحتضان المباراة النهائية إلى جانب ملعب "سانتياغو بيرنابيو" في مدريد و"كامب نو" في برشلونة، ما يجعل الرهانات السياسية والاقتصادية أكبر من أي وقت مضى.
ولم يقف هذا الحراك القانوني عند حدود الشركتين العملاقتين، بل شمل ثماني مؤسسات إسبانية أخرى، أغلبها من منطقة فالنسيا، حيث كثفت من اتصالاتها وعلاقاتها في المغرب، مدفوعة بحجم المشاريع المزمع إنجازها تزامنا مع تنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا 2025 ثم مونديال 2030، ما دفع بهذه الشركات، التي ظلت حتى وقت قريب تركز على مجالات الإنشاءات والإنارة والمواد الصناعية، بالتوجه نحو تقديم خدمات استشارية وقانونية مندمجة، بدعم من الحكومة الجهوية لفالنسيا عبر مؤسسة Ivace+i Internacional.
ويأتي هذا التحول في ظل انتعاش الاقتصاد المغربي، حيث تشير التوقعات إلى أن الناتج الداخلي الخام سيحقق نموا يتجاوز 3% خلال العام الجاري، ما يعزز جاذبية المملكة كوجهة استثمارية لعدد من الفاعلين الإسبان الذين يسعون لتنويع أسواقهم خارج أوروبا، مستفيدين من الاستقرار السياسي والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد الذي يطبع المشاريع الكبرى بالمغرب.
وفي قلب هذه الدينامية، يشكل قطاع البنية التحتية نقطة جذب مركزية، حيث انطلقت مشاريع ضخمة تشمل تطوير الطرق السيارة، من ضمنها محور تيط مليل – برشيد الذي سيضم ثلاث ممرات في كل اتجاه ويرتبط بالطريق الرابط بين الرباط والدار البيضاء، باستثمار يصل إلى 4 مليارات يورو، كما أن المطارات المغربية، من الدار البيضاء إلى طنجة ومراكش، مقبلة على توسعات كبرى لتلبية الطلب المتزايد المتوقع خلال السنوات المقبلة، وهو ما استرعى انتباه الشركات القانونية التي تهيئ نفسها لمواكبة مختلف مراحل التعاقد والتقاضي والتحكيم.
وفي ظل هذا التهافت المتزايد على السوق المغربية، لم تعد المملكة ورشة مفتوحة للأشغال الكبرى فقط، بل صارت أيضا فضاء قانونيا جذابا تترسخ فيه مكانة المغرب كشريك موثوق على الصعيد الإقليمي والدولي، كما أن ملاعب مونديال 2030 لم تشعل فقط سباق الإنجاز المعماري، بل فتحت أيضا جبهة قانونية عنوانها المنافسة الشرسة بين مكاتب المحاماة الدولية لنيل شرف الإشراف على عقود ستسجل في التاريخ.
0 تعليق