القبة الذهبية: ترامب قد يضع الصين على حدود اميركا

الفن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

يواصل الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ ضرب الافكار والتقاليد والاقوال المأثورة التاريخية عرض الحائط، وآخر ضحية له في هذا السياق كان القول المأثور: "الاستقلال يؤخذ ولا يعطى". حدد ترامب ثمناً لاستقلال ​كندا​ وهي البلد الجار للولايات المتحدة الاميركية ذات المساحة الكبيرة جداً، اذ اقترح انضمامها إلى "القبّة الذهبية" مقابل 61 مليار دولار، أو اعتماد بديل أكثر تطرفاً: أن تصبح الولاية الحادية والخمسين في الاتحاد الأميركي لتحصل على الحماية مجاناً. وبينما بدا العرض في ظاهره دفاعيًا، فإن دلالاته العميقة تكشف عن تصدع جوهري في العلاقة بين واشنطن وأوتاوا.

وفي لمحة سريعة، فإن القبة الذهبيّة برنامج درع دفاعي صاروخي أرضي وفضائي، أيّ أنها نظام دفاع جوي متحرّك مصمّم لصد الصواريخ قصيرة المدى، ويتوقع أن يكون البرنامج جاهزاً للعمل بالكامل قبل نهاية ولاية الرئيس الاميركي الحالي. وقدّر ترامب تكلفة البرنامج بنحو 175 مليار دولار، رغم أن مكتب الميزانية في الكونغرس أوضح أن التكلفة الفعلية تبلغ نحو 540 مليار دولار أميركي.

رفض كندا العلني لهذا العرض لا يُعدّ مجرّد موقف سيادي، بل إعلان عن أزمة ثقة عميقة مع واشنطن. ولأول مرة منذ عقود، يُطرح داخل النخب السياسية والفكرية الكندية تساؤل جوهري: هل يمكن للبلد الاستمرار في التعويل على ​الولايات المتحدة​ كضامن وحيد للأمن والدعم الاقتصادي؟ هذا التساؤل مشروع، خصوصاً وان ترامب اثبت ان رؤيته للعلاقات الدولية، قائمة على مبدأ "الربح والخسارة". وبدلاً من اعتبار الأمن القومي خليطاً من مجموعة عوامل ابرزها العلاقات القوية مع الحلفاء التاريخيين، بات يُستخدم كأداة ضغط لفرض شروط اقتصادية وسياسية، ما يضع كندا أمام معادلة مستحيلة: إما دفع ثمن سياسي ومالي باهظ، أو القبول بحماية مشروطة تقوّض مفهوم السيادة الوطنية.

ومع تصاعد هذا الشك، هل يمكن القول انّ اميركا تدفع جارتها نحو تنويع شراكاتها الاستراتيجية، سواء عبر تعزيز التعاون الدفاعي مع الاتحاد الأوروبي، أو حتى التوجّه نحو قوى عظمى اخرى ك​الصين​؟ على الرغم من التناقض الأيديولوجي بين بكين وأوتاوا، فإن المصلحة الاستراتيجية قد تدفع كندا الى خيار تموضع جزئي في علاقاتها الدولية. التعاون مع الصين في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية، أو حتى ​الدفاع السيبراني​، قد يُستخدم كورقة ضغط تجاه واشنطن. وهذا الامر قد يصح، اذا ما علمنا ان الصين وروسيا اعلنتا انهما ستبدآن مشاورات حول منع نشر الأسلحة في الفضاء، وتعهدتا بمواجهة "السياسات والأنشطة الهادفة إلى تحقيق تفوق عسكري، واستخدام الفضاء ساحة للمعركة"، في اقوى اشارة الى اعتراضهما على هذا المشروع الذي يعطي اميركا افضلية في الفضاء وعلى الارض في الوقت نفسه.

لكن مثل هذا التحوّل محفوف بالمخاطر، إذ سيعني الدخول في معادلة أكثر تعقيداً في ظل اشتداد التوتر بين الولايات المتحدة والصين التي ستدرس الوضع بدقة كبيرة، لان تواجدها على حدود اميركا ليس بالامر السهل، وهي تعلم تماماً انه لا يمكن تحويل كندا الى "تايوان"، علماً ان بكين تحارب بشدة التدخل الاجنبي والاميركي في تايوان ومحاولات اعلان استقلالها. من هنا، تفهم الصين ما ستكون عليه ردة الفعل الاميركية اذا ما اصبحت على الحدود المباشرة -اي في كندا- والتأثير السلبي الذي يمكن ان يظهر من جراء هذا الامر.

بغض النظر عن كل ذلك، فإن "القبّة الذهبية" كشفت هشاشة التحالفات التي لطالما بُني عليها النظام الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. وكندا، تجد نفسها اليوم مجبرة على إعادة النظر بعلاقاتها الاستراتيجية، في عالم تتغير فيه موازين القوى بسرعة. فهل ستفكر في الحفاظ على استقلالها والثمن الذي ستدفعه مقابل بقائها دولة سيّدة حرّة مستقلّة، ام انها ستجد نفسها وقد تحوّلت الى احدى مقطورات القطار الاميركي الكبير؟.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق