هل تستفيد جبهة البوليساريو من درس أوجلان وحركة "إيتا" الباسكية؟

أخبارنا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

في مثل هذا الشهر من سنة 1973، تأسست جبهة البوليساريو الانفصالية، في سياق إقليمي ودولي مشحون بصراعات الحرب الباردة وبمخلفات الاستعمار. وقدمت الجبهة نفسها باعتبارها حركة تحررية تسعى لاستقلال الصحراء المغربية عن الوطن الأم. لكن وبعد مرور أزيد من خمسة عقود، عرف الجميع أن البوليساريو ليست سوى أداة في يد النظام الجزائري، في صراع مفتعل لا علاقة له بتقرير المصير بقدر ما هو تجسيد لعقدة النظام الجزائري التاريخية تجاه المغرب.

يدّعي النظام الجزائري، منذ بداية النزاع المفتعل، أنه يدافع عن "حق تقرير المصير" لما يسميه الشعب الصحراوي. وهو بذلك يخون أبسط مبادئ الانسجام السياسي، إذ كيف لنظام عاش كل عمره في ظل نظام الحزب الوحيد وصادر إرادة شعبه في انتخابات 1991، ووأد أول تجربة ديمقراطية حقيقية، أن يمنح دروساً في الحرية والاختيار؟ فالنظام الجزائري لم يؤمن أبداً بقيمة الاختلاف ولا بالتعدد، وهو ما يجعل دعمه لجبهة انفصالية بمثابة تصفية حسابات سياسية إقليمية أكثر منه دفاعاً عن مبدأ، وهو أمر أضحى مكشوفا للجميع. 

لقد أنهت اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا لسنة 1975  عملياً الوجود الاستعماري الإسباني بالصحراء المغربية، وأسست بذلك لمرحلة جديدة من استكمال الوحدة الترابية، لكن النظام الحاكم في المرادية ظل ينفخ في نار الانفصال، مسقطا من حساباته الواقع الدولي والإقليمي المتغير، وظل متشبثا بسردية جامدة تجاوزتها الأحداث، ورفضها منطق التاريخ والجغرافيا.

إن الحق في تقرير المصير لا يعني بالضرورة الانفصال. ولو تم تطبيق هذا المبدأ بمفهومه الضيق، لوجب تقسيم القارة الإفريقية إلى مئات الدول العرقية، في قارة تضم أكثر من 300 مجموعة عرقية، ناهيك عن باقي مناطق العالم حيث يتجاوز عدد العرقيات 5 آلاف. فهل يعقل أن يكون الحل لكل تنوع هو خلق كيانات جديدة؟ أم أن الحل الحقيقي يكمن في أنظمة ديمقراطية دامجة تضمن التعدد والوحدة في آن؟

تجارب الحركات الانفصالية في العالم تقدم دروساً بليغة. الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، بعد عقود من التمرد المسلح، دعا أنصاره إلى نبذ السلاح واعتماد المسار السياسي، في لحظة وعي وطني عميق بل إن الأمر بلغ حد حل حزب العمال الكردستاني. وكذلك فعلت "إيتا" الباسكية في إسبانيا التي اعترفت بأخطائها وطلبت الصفح من ضحاياها، لتطوي بذلك صفحة من العنف وتلتحق بمسار الدولة المدنية. هذه التجارب تؤكد أن نهاية العمل المسلح والانخراط في العمل السياسي هو الطريق الأسلم لأي فصيل يحمل مطالب سياسية أو ثقافية أو هوياتية.

في المقابل، تعيش جبهة البوليساريو ومن ورائها النظام الجزائري، حالة من الإنكار المرضي للواقع، تشبه، كما يشرح علم النفس الحديث، الآليات الدفاعية التي يلجأ إليها العقل الباطن عند العجز عن التكيف. إنكار الواقع هنا تحول إلى متلازمة مرضية تقود إلى ممارسات عبثية، يدفع ثمنها آلاف الصحراويين المحتجزين قسراً في تندوف، كضحايا للعبة جيوسياسية جزائرية خاسرة. 

لقد أصبح من الواضح أن البوليساريو تحولت من "بؤرة ثورية" إلى "سقط المتاع"، بالنظر إلى مسارها المتآكل. وأمام التحولات الجيوسياسية الكبرى التي يعرفها العالم، يبدو أن نزاع الصحراء يعود ليُقرأ من زاوية جديدة  باعتباره امتداد للحرب الباردة، وعامل عدم استقرار في المنطقة، حيث يسعى النظام في الجزائر للبحث الدائم عن صراع خارجي، لتحصين وضبط الجبهة الداخلية من أي انفلات، في حين يدفع المغاربيون ثمناً باهظاً من عدم الاستقرار وضعف التنمية والعجز المزمن في التكامل.

في النهاية، يبقى السؤال معلقاً: هل يدرك النظام الجزائري فداحة الجريمة التاريخية التي يرتكبها بحق شعوب المنطقة؟ أم أن مرض إنكار الواقع، كما وصفه فرويد، قد تحول إلى نمط حكم لا يرى في المستقبل سوى تهديداً يجب دفنه في رمال الأوهام؟

أخبار ذات صلة

0 تعليق