خافيير بلاس يكتب: تراجع أسعار النفط يهدد ذروة الإنتاج الصخري في أمريكا

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

كل الدلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة لن تشهد انخفاضاً سريعاً في متوسط إنتاج النفط السنوي

يصف تومي نوريس، شخصية البطل المدخن الشره الخيالية لمسلسل “لاند مان” التليفزيوني الأمريكي عن قطاع النفط في تكساس، الأمر أفضل من أي شخص آخر بقوله: “الأفضل أن يبقى سعر النفط أعلى من 60 دولاراً، لكن أقل من 90 دولاراً.

وعندما يبلغ 78 دولاراً للبرميل، فهذا السعر المثالي تقريباً”.

أما في الحياة الواقعية، الأسعار أقل بكثير من هذا المستوى “المثالي”، ففي وقت سابق من هذا الشهر، تراجع سعر خام غرب تكساس، الذي يُعد معياراً للقطاع، إلى أقل من 60 دولاراً للبرميل، مقترباً من 55 دولاراً، ما يُعد أدنى مستوى له منذ أربع سنوات.

“رغم ارتفاع الأسعار خلال الأيام الماضية، فقد بدأت التبعات في الظهور في تكساس ومناطق أخرى، إذ تخفض شركات النفط الصخري الإنفاق، وتعلن عن تقليص عدد منصات الحفر وفرق التكسير الهيدروليكي التي تستخدمها.”

يمثل إنتاج الولايات المتحدة برميلين من كل 10 براميل نفط تُستخرج على مستوى العالم، لذلك، ما يحدث فيها له تبعات كبيرة.

ذروة النفط الصخري تسبق التوقعات

عند الأسعار الحالية، ربما يكون إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري قد بلغ ذروته، لكن لا تتوقع انخفاضاً سريعاً كما حدث في 2015 و2020، فالأكثر ترجيحاً أن التراجع سيتخذ مساراً مستقراً به تقلبات طفيفة، وأياً كان المسار، فسيكون له تأثير بالغ على السوق العالمي.

فمع رفع تحالف “أوبك+” الإنتاج بوتيرة أسرع من المتوقع، وتباطؤ نمو الطلب بسبب الحرب التجارية، سيصبح النفط الصخري بمثابة أداة التوازن الرئيسية.

قالت فيكي هولاب، الرئيسة التنفيذية لـ”أوكسيدنتال بتروليوم”، إحدى أكبر منتجي النفط الصخري، للمستثمرين الأسبوع الماضي: “توقعنا أن يبلغ إجمالي الإنتاج في الولايات المتحدة أعلى مستوياته ما بين 2027 و2030. يبدو أن هذه الذروة ستتحقق في موعد أقرب”.

تراجع الأسعار يضغط على الإنتاج

تمثل ملاحظة “الأسعار الحالية” عاملاً حاسماً، ففي قطاع النفط الصخري، تُعد التغيرات الطفيفة في الأسعار بالغة الأهمية، فالفارق بين الزيادة الكبيرة في الإنتاج وخفضه يُقاس ببضعة دولارات، ربما لا تتجاوز 10 دولارات إلى 20 دولاراً للبرميل.

فعند سعر 50 دولاراً، ستواجه شركات عديدة كارثة مالية، وينخفض الإنتاج بشكل حاد، وعند 55 دولاراً سيكون القطاع قادراً على الاستمرار، ورغم أن 60 دولاراً ليس مستوى مناسباً، سيستمر تدفق السيولة والإنتاج، وعند 65 دولاراً ستعود جميع الشركات إلى الحفر بمعدل أكبر، أما عند سعر 70 دولاراً، فسيحقق القطاع أرباحاً كبيرة ويرتفع الإنتاج.

تنعكس أسعار النفط على الإنتاج، وتتضح العلاقة بينهما في نسبة إعادة الاستثمار، أي المبلغ الذي تخصصه شركات النفط الصخري لحفر آبار جديدة مقارنةً بما تدفعه للمستثمرين وتسدده للدائنين.

وتتغير هذه النسبة باستمرار، ففي الماضي، تعاملت شركات النفط الصخري مع انخفاض أسعار النفط برفع نسبة إعادة الاستثمار، عبر تخصيص مبالغ أكبر بشكل ملحوظ للتنقيب.

لكن في الفترة الحالية، يضغط المستثمرون على هذه الشركات ليحصلوا على توزيعات الأرباح، لذلك، فإن التراجع الحالي في الأسعار قد يُترجم إلى تراجع الإنتاج بوتيرة أسرع مما حدث خلال فترتي الانخفاض السابقتين في 2020-2021 و2014- 2016.

مؤشرات على تراجع إنتاج النفط الصخري

في الفترة الحالية، تظهر إشارات على تراجع الإنتاج في كل مكان، فعدد منصات التنقيب عن النفط حالياً يبلغ 474 منصة، وهو ثاني أدنى مستوى منذ أواخر 2021، بحسب البيانات الصادرة عن “بيكر هيوز”، إحدى كبرى الشركات المتخصصة في خدمات الطاقة.

لكن في قطاع النفط الصخري، التنقيب ليس المقياس الأكثر أهمية، فالأهم بكثير هو عدد ما يُطلق عليها “فرق التكسير”، وهي فرق متخصصة في تنفيذ التكسير الهيدروليكي في الآبار، وهي عملية تعتمد على ضخ المياه والرمال والمواد الكيماوية تحت الأرض بهدف استخراج النفط من الصخور الزيتية التي يصعب اختراقها.

في حوض برميان، المنطقة الرئيسية لاستخراج النفط الصخري الممتدة من تكساس إلى نيومكسيكو، انخفض عدد فرق التكسير الهيدروليكي إلى أدنى مستوى في أربع سنوات عند 105 فرق، بحسب شركة “برايمري فيجن” التي تتابع اتجاهات القطاع.

يُذكر أن في 2023، عندما اقترب سعر النفط من 100 دولار للبرميل، كان هناك أكثر من 160 فريقاً يعمل في حوض برميان.

استغلت شركات كبرى في مجال النفط الصخري، مثل “دياموندباك إنرجي” و”كونوكو فيلبس”، الإعلان عن أرباح الربع الأول لتعلن عن خفض الإنفاق.

مع ذلك، أشار معظمها إلى أن هذا الخفض لن يُترجم إلى انخفاض كبير في الإنتاج.

يرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب: استخرجت معظم الشركات كميات نفط أكبر من توقعاتها خلال الفترة ما بين شهري يناير ومارس، ما سيعوض تأثير أي تراجع في الفترة المقبلة؛ وأنها تنقّب بشكل أكثر كفاءة؛ ورغم احتمال انخفاض إنتاج الخام، يُرجح أن يحقق إنتاج المواد البترولية الأخرى، مثل المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي، أداءً أفضل.

متوسط إنتاج النفط السنوي يحدد الذروة

يُتوقع أن إجمالي إنتاج النفط في الولايات المتحدة قد بلغ ذروته في الآونة الأخيرة في أكتوبر عند 20.68 مليون برميل يومياً، بحسب البيانات الحكومية.

بينما تقدّر أحدث البيانات الأسبوعية، التي تكون أقل موثوقية في العادة، إجمالي الإنتاج عند نحو 20.4 مليون برميل يومياً.

إذا ثبتت دقة البيانات الأسبوعية، واستمر الإنتاج عند هذا المستوى لبقية العام، سيكون متوسط إنتاج الولايات المتحدة في 2025 نحو 20.3 مليون برميل يومياً، ما يمثل ارتفاعاً عن المتوسط السنوي المسجل في 2024 عند 20.1 مليون برميل.

ولن يتراجع هذا المتوسط السنوي عن مستوى العام الماضي إلا إذا انخفض إجمالي الإنتاج في الولايات المتحدة إلى 20 مليون برميل يومياً بحلول يونيو أو يوليو.

وإذ يُرجح تراجع المتوسط السنوي في 2026، سيضطر قطاع النفط الصخري إلى مواجهة الأسعار المنخفضة لعدة شهور أخرى.

الدلائل تستبعد الانخفاض السريع في إنتاج النفط

لكن قطاع النفط الأمريكي لا يقتصر على النفط الصخري، فخليج المكسيك مسئول عن نحو 20% من إجمالي إنتاج الخام في الولايات المتحدة، ويُرجح أن يرتفع الإنتاج هناك هذا العام مع بدء تشغيل عديد من المشروعات، ما سيساعد على تعويض تراجع الإنتاج في الحقول البرية.

“في الفترة الحالية، تشير كل الدلائل إلى أن الولايات المتحدة لن تشهد انخفاضاً سريعاً في متوسط إنتاج النفط السنوي”.

“يبدو بلوغه الذروة مرجحاً، بل وقد يشهد تراجعاً طفيفاً إذا استمر تراجع الأسعار”.

لكن لا يوجد ما يشير إلى أن الولايات المتحدة توشك على تكرار الانخفاض الكبير الذي حدث في 2020، عندما انخفض متوسط الإنتاج السنوي نحو 650 ألف برميل يومياً عن مستواه في 2019.

بقلم: خافيير بلاس، كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج”

المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق