اتفاق التبادل بين حماس وواشنطن.. تجاوز أميركي لـ “إسرائيل” أم تحوّل في قواعد اللعبة؟

قناة المنار 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

في تطور غير مسبوق منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة، شهد الحراك السياسي منعطفًا لافتًا بتوقيع اتفاق تبادل بين حركة “حماس” والولايات المتحدة، بعيدًا عن الحكومة الإسرائيلية. ويبدو أن هذه الخطوة تجاوزت كونها مجرد صفقة لتبادل أسرى، لتتحول إلى تحرك استراتيجي يعكس تحولات أعمق في موازين القوى الإقليمية والدولية، في ظل توتر داخلي متصاعد داخل الكيان، وتباين في ردود الفعل الإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق، يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الأستاذ إسماعيل مسلماني، أن الاتفاق بين واشنطن وحماس يشكّل تحولًا غير مسبوق في مسار الصراع، مشيرًا إلى أن الإدارة الأميركية تجاوزت هذه المرة القنوات التقليدية وتواصلت بشكل مباشر مع حركة حماس، وهو ما أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والأمنية لدى الكيان الإسرائيلي.

وأوضح مسلماني أن خلفية هذا الاتفاق تعود إلى اتصالات مكثفة أجرتها واشنطن مع الحركة، أفضت إلى موافقة حماس على إطلاق سراح الجندي الأميركي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر، كبادرة حسن نية. وأضاف أن حكومة الاحتلال كانت قد عارضت الاتفاق في بداياته، لكن الضغوط الأميركية أرغمتها على القبول به، ما تسبب بتوتر ملحوظ في العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأشار مسلماني إلى أن المفاوضات جرت بصورة غير مباشرة، من خلال وسطاء في الدوحة والقاهرة، في ظل مماطلة إسرائيلية في تقديم خرائط الانسحاب. غير أن تمسك حماس بالحصول على تفاصيل واضحة قبل توقيع الاتفاق، وضع الجانب الإسرائيلي في موقف محرج.

وحول الأهداف الأميركية من الاتفاق، يرى مسلماني أن واشنطن تسعى لتحقيق اختراق دبلوماسي في ملف غزة من دون المرور عبر الممرات الإسرائيلية، ما يعزز من نفوذها الإقليمي، ويضعف من موقف نتنياهو داخليًا، تمهيدًا لتوفير ظروف ملائمة لوقف إطلاق نار طويل الأمد، قبيل موعد الانتخابات الأميركية المقبلة.

في المقابل، أرادت حماس من الاتفاق إثبات قدرتها على خوض مفاوضات مباشرة مع واشنطن، ما يعزز من شرعيتها الدولية، إلى جانب تحقيق مكاسب ملموسة في ملف الأسرى، وفرض شروطها. كما سعت إلى إدخال آلية جديدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة خارج نطاق السيطرة الإسرائيلية.

وحول التداعيات المحتملة، يرى مسلماني أن الاتفاق قد يمهّد لصفقة شاملة تشمل وقفًا دائمًا لإطلاق النار ورفعًا جزئيًا للحصار عن غزة، غير أن “إسرائيل” تسعى لإفشال هذا المسار من خلال فرض شروط إضافية. كما أن هناك احتمالًا لانطلاق مفاوضات أوسع تتناول إعادة إعمار غزة وتبادل ضمانات أمنية، لكن نجاح هذه المفاوضات سيعتمد على توجهات الإدارة الأميركية.

واختتم مسلماني تحليله بالتأكيد على أن هذا الاتفاق وضع تل أبيب في مأزق سياسي داخلي، وأثار حالة من الاحتقان في الشارع الإسرائيلي، معتبرًا أن حماس نجحت من خلال هذا الاختراق في تعزيز مكانتها، وإسقاط الرواية الإسرائيلية التي سعت طويلًا إلى تشويه صورتها أمام الرأي العام العالمي.

ملامح التغير تتأكد.. مفاوضات مباشرة دون علم تل أبيب

تتقاطع تصريحات الأستاذ مسلماني مع ما تكشفه التقارير الإخبارية الأخيرة، حيث تشير المعطيات الميدانية والسياسية الجارية في كل من الدوحة وواشنطن إلى بروز ملامح تحوّل فعلي في مسار التعاطي الدولي مع ملف غزة.

فقد كشفت مصادر متطابقة عن مفاوضات مباشرة تجري منذ أيام في العاصمة القطرية، بين حركة حماس والإدارة الأميركية، تتناول ملفين غاية في الحساسية: وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل الأسرى. اللافت في الأمر، أن هذه المفاوضات – بحسب تقارير أميركية وإسرائيلية – تجري من دون علم أو تنسيق مسبق مع الحكومة الإسرائيلية، ما اعتبرته وسائل إعلام عبرية “تجاوزًا صريحًا للسيادة الإسرائيلية” من قبل واشنطن، حليفتها الأولى.

لقاء غير معلن ووساطة متعددة المسارات

ووفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن مسؤول فلسطيني، فإن المحادثات تُجرى في الدوحة بوساطة قطرية ومصرية، وتتركز حول صفقة لتبادل الأسرى، يتصدرها الجندي الأميركي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر، الذي أعلنت حماس نيتها الإفراج عنه كبادرة حسن نية، تمهيدًا لوقف القتال وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

من جهتها، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن “الأيام المقبلة ستكون حاسمة” في تحديد مصير الصفقة، خاصة مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة، في زيارة وصفتها الإدارة الأميركية بأنها تهدف إلى “تعزيز الجهود الإنسانية والسلام الشامل في الشرق الأوسط”.

وعلى الرغم من التحذيرات الإسرائيلية المتكررة من التفاوض مع حماس دون شروط مسبقة، إلا أن الإدارة الأميركية تمضي قدمًا في المحادثات، بحسب موقع “أكسيوس”، وهو ما فُسِّر في تل أبيب كتراجع واضح لنفوذها على القرارات الأميركية المتعلقة بغزة.

وفي هذا السياق، قالت القناة 12 إن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قدم مقترحًا بوقف القتال لمدة 70 يومًا، مقابل إطلاق جزئي للرهائن، وهي صيغة اعتُبرت تقويضًا لموقف حكومة الاحتلال التفاوضي، الذي طالما ربط التهدئة بنزع سلاح المقاومة.

بدورها، أبدت حركة حماس “إيجابية عالية”، وفق بيان رسمي، مؤكدة استعدادها “لخوض مفاوضات مكثفة لوقف الحرب، وإدارة غزة من قبل جهة مهنية مستقلة”، في تحول لافت في خطاب الحركة، يعكس – على ما يبدو – وعيًا متزايدًا بحجم الضغوط العسكرية والإنسانية التي يعيشها القطاع منذ استئناف الاحتلال عدوانه في آذار/مارس الماضي.

وبينما تواصل قوات الاحتلال تصعيد عملياتها في القطاع، من خلال استدعاء وحدات احتياط جديدة، يرى مراقبون أن توجه حماس نحو صفقة تشمل رهائن ومساعدات إنسانية، يمثل محاولة لتقليل كلفة المعركة القادمة، وربما تفاديها كليًا.

في السياق ذاته، وصف المبعوث الأميركي آدم بولر إعلان حماس عن الإفراج عن الجندي عيدان ألكسندر بأنه “خطوة إيجابية إلى الأمام”، مشيرًا إلى دور زيارة ترامب، والجهود الموازية لكل من وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث ويتكوف، في تفعيل هذه الخطوة.

ويقول مراقبون إن الإدارة الأميركية، التي لم تحقق حتى الآن أي اختراق جوهري في حرب غزة، تحاول الاستفادة من هذا الاتفاق لانتزاع مكسب سياسي وإنساني قبل أن تتدهور الأوضاع بشكل كامل، خاصة في ظل الانتقادات المتصاعدة لأداء إدارة ترامب في ملفات أوكرانيا والشرق الأوسط.

المصدر: موقع المنار

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق