كيف يوظف ترامب نهج "اللايقين" لخدمة المصالح الأميركية؟

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف يوظف ترامب نهج "اللايقين" لخدمة المصالح الأميركية؟, اليوم الاثنين 12 مايو 2025 07:03 صباحاً

يبرز الرئيس ترامب -الذي أعاد تعريف مفهوم التفاوض السياسي والاقتصادي- عبر إتقان لعبة اللايقين، ذلك أن تقلب التصريحات وتغيير المواقف، والتلويح بالعقوبات أو فرض الرسوم دون مقدمات، كلها أدوات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيته.

وقد عبر عن ذلك تقرير سابق لصحيفة "الغارديان"، ذكر أن  "الشركات في مختلف أنحاء العالم تحاول التكيف مع المعدل السريع للقرارات الرئاسية المتهورة: حيث يمكن الإعلان عن السياسات وتعديلها وتأجيلها بنفس السرعة التي يستطيع بها زعيم العالم الحر نشر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي!".

هذا الاستخدام الممنهج لحالة "عدم اليقين" لم يكن عبثياً أو عشوائياً، إنما تحوّل في كثير من الأحيان إلى سلاح تفاوضي يخدم مصالح واشنطن على المدى القصير. فمن خلال خلق بيئة مضطربة، يصبح خصوم الولايات المتحدة أكثر استعداداً للتراجع أو القبول بشروط غير متوازنة خشية من الأسوأ.

تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، رصد "كيف يستغل ترامب حالة عدم اليقين كسلاح؟"، مشيراً إلى أن:

  • الرئيس الأميركي زعزع استقرار أميركا الشمالية بتهديداته بالرسوم الجمركية والضم، وفاجأ أوروبا بتهديداته بالتخلي عنها.. لقد أثار بالفعل قلق خصومه.
  • الأمر لم يكن كله خدعة، ففي "يوم التحرير"، انزلقت رسومه الجمركية من مخبئها إلى ساحة المعركة. ومع ذلك، تشير منشورات وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن هذه الرسوم الجمركية تُمثل جانباً آخر من عدم اليقين، ومقدمة أخرى للمفاوضات.
  • يبدو أن حملته تُزعزع استقرار أميركا بقدر ما يُزعزعه خصومه المُختارون. وهذا قد يُؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل الأميركية المُتسلسلة: زيادة في تجنب المخاطرة، وهبوط حاد في السوق، وركود اقتصادي.
  • علاوة على ذلك، قد يكون إصراره على تطبيق حالة عدم اليقين مُزعجاً لدرجة أن مُستهدفيه، كما أظهرت كندا مؤخرًا، يُفضلون المعركة نفسها على البقاء في حالة تأهب.
  • قد يُدرك ترامب قوة عدم اليقين، لكنه بحاجة إلى تحسين هدفه وتوقيته.

أداة فعالة

في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يشير استراتيجي الأسواق المالية في First Financial Markets، جاد حريري، إلى أن:

  • سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تُعد أداة فعّالة في تحريك الأسواق المالية العالمية.
  • ترامب يتبع نهجاً تصعيدياً في تصريحاته، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لخلق حالة من عدم اليقين تؤثر مباشرة على الأسواق، ثم يعود للتفاوض بعد تحقيق أهدافه.
  • هذه الاستراتيجية تمنح واشنطن قدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي، مما يعزز من مكانتها كقوة اقتصادية قادرة على فرض شروطها وتحريك الأسواق حسب مصالحها.
  • هذا النهج ليس حكراً على ترامب، بل يمكن أن يظهر في حالات توتر أو أحداث اقتصادية كبرى تؤثر على الأسواق العالمية.
  • واشنطن تستفيد من هذه السياسات عندما تُدار بشكل صحيح، حيث تُمكنها من فرض وجودها على الساحة العالمية، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الأميركي من خلال جذب الاستثمارات وتعزيز النمو.

يرى حريري أن الاستفادة من هذه السياسات تتطلب إدارة دقيقة ومتوازنة؛ ذلك أن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى توترات اقتصادية، بينما يمكن أن تُستخدم كأداة لتعزيز النفوذ الاقتصادي الأميركي على الساحة الدولية.

عدم اليقين "الاستراتيجي"

وفي الآونة الأخيرة، حاول وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إعطاء وزن فكري لسياسة التعرفات الجمركية الجديدة التي تنتهجها إدارة ترامب من خلال الاستعانة بنظرية الألعاب.

في نظرية الألعاب، يُطلق على ذلك اسم "عدم اليقين الاستراتيجي"، هذا ما قاله لشبكة "إيه بي سي نيوز"، موضحاً موقف البيت الأبيض المتذبذب تجاه الصين وأوروبا.

وأضاف: "لن تخبر الطرف الآخر في المفاوضات بما ستؤول إليه الأمور".

لكن تقريراً لمنصة "إيمرجنغ ستراتيجي"، يشير إلى أن "هذا التصريح كاشف، ليس لأنه يعكس فهماً متطوراً للنظرية الاستراتيجية - وهو ليس كذلك - بل لأنه يُظهر اعتقاد الإدارة بأن نهجها الارتجالي الذي يُعزز الضغط يُمكن تبريره باعتباره تقلباً عقلانياً.

ويبدو أن هذا النمط من الارتجال المقصود لا يقتصر على البُعد النظري أو على تكتيكات التفاوض مع الصين أو خصوم واشنطن بشكل مباشر، بل يمتد ليشكل سمةً عامة في تعامل إدارة ترامب مع شركائها التقليديين، بما في ذلك الحلفاء الأوروبيين. فالمقاربة القائمة على فرض التعرفات والضغط الاقتصادي، دون خطة واضحة المعالم، تولّد حالة من الارتباك لدى العواصم الغربية، وتُربك مسارات التعاون القائمة منذ عقود.

ضمن هذا السياق، تتسارع التحذيرات من تفكك المنظومة الاقتصادية الغربية، وتراجع الثقة السياسية بين ضفتي الأطلسي. فقد رصد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية مؤشرات مقلقة على تحوّل جذري في العلاقات الأميركية الأوروبية مع بداية ولاية ترامب الثانية.

ويشير تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى أنه:

  • بعد بضعة أشهر فقط من ولاية ترامب الثانية، دخلت العلاقات عبر الأطلسي مرحلةً جديدةً في مسارٍ مجهول. فقد عادت التعرفات الجمركية للظهور، ويتزايد عدم اليقين، وتتآكل الثقة السياسية.
  • بينما لا يزال التوصل إلى حلٍّ تفاوضيٍّ من شأنه أن يُخفِّض بعض التعرفات المقترحة في البداية ممكناً، فمن الواضح أن العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي تمرُّ بمرحلةٍ جديدة.
  • إن ديناميكيات التنافس، وانعدام الثقة المؤسسية، وتباين السياسات تجعل العودة إلى روح التعاون التي سادت في عهد بايدن أمرًا غير واردٍ في عهد ترامب.

سلاح تفاوضي

بدوره، يوضح خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:

  • السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب تعتمد بشكل واضح على توظيف حالة عدم اليقين كأداة ضغط وسلاح تفاوضي في يد الإدارة الأميركية.
  • "ترامب لا يكتفي باستخدام الرسوم الجمركية أو التهديد بفرضها على الشركاء التجاريين مثل الصين والمكسيك وكندا، بل يتعمد ترك الأسواق في حالة ترقب دائم، وهو ما يخلق أجواء من القلق بين المستثمرين والشركات".
  • "كل يوم يظهر خبر جديد أو تصريح متقلب يخص التعرفات الجمركية أو العقوبات أو حتى توجهات السياسة النقدية، ما يُبقي السوق في حالة توتر دائمة ويصعّب على أي طرف آخر التخطيط أو الرد بشكل مدروس".

ويستطرد: حالة عدم اليقين هذه تخدم واشنطن على أكثر من صعيد؛ أولها أنها تمنحها مساحة أكبر في التفاوض، حيث يصبح الطرف الآخر أكثر استعداداً لتقديم تنازلات خوفاً من المفاجآت، وقد يقبل بشروط لم يكن ليقبلها في ظروف أكثر استقراراً. وثانياً، تؤدي إلى تفضيل رؤوس الأموال العالمية للملاذات الآمنة مثل الدولار والسندات الأميركية، ما يدعم قوة العملة الأميركية حتى في ظل تباطؤ اقتصادي.

لكن سعيد يحذّر من أن لهذا السلاح حدوداً واضحة، فعندما تتجاوز حالة عدم اليقين مستوى معيناً تبدأ في الإضرار بالاقتصاد الأميركي نفسه. وأردف: "نرى ذلك في تراجع مؤشرات وول ستريت، وارتفاع مؤشر الخوف VIX، وضعف الدولار أحياناً، بالإضافة إلى موجات تسريح العمالة التي تضغط على سوق العمل الأميركي".

ويضيف:

  • السياسات المتقلبة تؤدي إلى تردد الشركات الأميركية في الاستثمار أو التوظيف، مما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي وفرص العمل.
  • كما تدفع هذه الحالة البنوك المركزية العالمية إلى اتباع سياسات أكثر تحفظاً، ما قد يضع ضغوطاً على الفيدرالي الأميركي لتخفيف الفائدة أو تقليص وتيرة تشديد السياسة النقدية، وهو ما قد لا يصب دائماً في مصلحة واشنطن على المدى الطويل.

ويختتم سعيد تصريحاته قائلاً: "إذا استمرت هذه السياسات دون وضوح أو استقرار، فإن احتمالات الدخول في ركود اقتصادي تتزايد، ما قد يؤدي إلى ارتداد التأثير السلبي على الإدارة الأميركية نفسها، ويزيد من الضغوط السياسية الداخلية، خاصة مع تراجع شعبية الرئيس وسط الناخبين المتأثرين بالأزمة في حياتهم اليومية".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق