مدينة دمياط للأثاث.. مشروع قومي ضخم، وُلد من حلم قديم بتحويل «صنايعي دمياط» لصانع عالمي، لكن وسط التحديات الاقتصادية، والبيروقراطية، والمنافسة الشرسة من الصين وتركيا، يطرح السؤال نفسه بقوة: هل الاستثمارات الأجنبية هي طوق النجاة؟
وفي شهر أبريل الماضي وقعت مدينة دمياط للأثاث عقدًا مع مجموعة روعة المجالس الخليجية لإنشاء مصنع داخل المدينة متخصص فى أعمال الديكورات، في إطار حرصها على تنويع الاستثمارات خارج حدود بلادها.
وفى نهاية عام 2024 أعلنت المدينة عن إبرام تعاقد مع مصنع العباسي للأثاث والأبواب الذى يُعد ضمن مجموعة الشمرانى جروب السعودية، لإنشاء مصنع داخل المدينة للأثاث والأبواب الفندقية، وتصدير كامل الإنتاج للمملكة العربية السعودية.
ومطلع العام ذاته، وقعت الشركة عقدًا مع شركة دوجى ايجى التركية، المتخصصة فى صناعة الأثاث والديكورات لإقامة مصنع فى المدينة بالإضافة إلى استحداث خطوط إنتاج إيطالية جديدة مما يساهم فى تحقيق التنمية المستدامة فى صناعة الأثاث.
وافتتح الرئيس السيسي في ديسمبر 2022، مدينة الأثاث بدمياط كواحدة من المشروعات القومية الكبرى وإحدى سلاسل المدن الجديدة المتخصصة في الصناعات الاستراتيجية، وكنقطة انطلاق للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبوابة يمكن من خلالها وصول أثاث دمياط إلى العالم ، خاصة أنها أول وأكبر منطقة صناعية متخصصة في صناعة الأثاث والصناعات التكميلية في الشرق الأوسط.
«عرفات»: فرصة لزيادة صادرات الأثاث إلى مليار دولار بحلول 2030
قال مؤمن عرفات، المدير التنفيذي للمجلس التصديري للأثاث، إن مدينة دمياط للأثاث تُعد حجر الأساس في خطة مصر للتحول لمركز عالمي لصناعة الأثاث.
وأوضح لـ«البورصة»، أن المجلس يسعى لجذب استثمارات أجنبية ضخمة لدعم تلك المدينة عن طريق تقديم الدعم للشركات والمصنعين، وتمهيد جميع الطرق لتحقيق حلم تصدير الأثاث المصري للعالم.
أشار إلى أن أولى الخطوات التي بدأها المجلس جاءت بالتحالف مع شركة بادما البولندية، إحدى كبريات الشركات العالمية، التي ستضخ استثمارات بقيمة 70 مليون يورو لتأسيس مصنع ضخم في مدينة العلمين الجديدة، بهدف دعم مصانع دمياط ونقل التكنولوجيا الحديثة إليها، وهو ما سيمنح الصناع فرصة لتطوير منتجاتهم لمستويات عالمية.
أفاد أن هذه الخطوة تمثل بوابة ذهبية أمام مدينة دمياط للأثاث لتكون جزءً أساسيًا من سلاسل التوريد العالمية، مؤكدًا أن المجلس يستهدف زيادة صادرات الأثاث إلى مليار دولار بحلول 2030، من خلال استغلال الفرص المتوفرة في أسواق الخليج، خاصة السعودية ومشاريع نيوم والمدن الاقتصادية، حيث أصبح المنتج المصري خيارًا مفضلًا لكثير من هذه الأسواق.
ولفت إلى أن مدينة دمياط للأثاث لم تعد مجرد منطقة صناعية، بل أصبحت مشروعًا يجمع بين الصناعة والتصدير والتدريب والتطوير، مُشيرًا إلى أن القطاع شهد قفزة نوعية في التكنولوجيا والتنافسية خلال السنوات الأخيرة، بعد تكثيف المجلس لجهوده وتدفق استثمارات أجنبية سواء من خلال المجلس أو مدينة دمياط للأثاث.
ونوه «عرفات»، بأن المجلس يحرص على ربط مدينة دمياط للأثاث بمنظومة صناعية متكاملة تضمن تطبيق أعلى معايير الجودة وتواكب أحدث الاتجاهات العالمية، وذلك من خلال تنظيم ورش العمل والبرامج التدريبية التي تستهدف رفع كفاءة الصناع وتأهيلهم للمنافسة العالمية.
وأشار إلى أن الورشة الأخيرة التي نظمها المجلس في يناير الماضي بالتعاون مع غرفة صناعة منتجات الأخشاب والأثاث ومصلحة الكيمياء، تحت عنوان «الخشب البلاستيكي وبدائل الأخشاب ومقاومة الحريق»، بمشاركة أكثر من 30 شركة، عكست التزام مدينة دمياط للأثاث بتحديث أدواتها وتبني طرق حديثة لضمان جودة المنتجات و تنافسيتها عالميًا.
«نهاد»: تعزز قدرات المصنعين المحليين وتدفع بالصناعة نحو التطور
في نفس السياق، أوضحت نهى نهاد، المدير التنفيذي لغرفة صناعة منتجات الأخشاب والأثاث، إن تدفق الاستثمارات الأجنبية يعد أحد الأسباب الهامة لتطور القطاع، ويزيد من مسؤولية الغرفة في تنظيم المزيد من ورش العمل لتطوير المصنعين سواء المتواجدين داخل القاهرة أو بمدينة دمياط للأثاث كأحد أهم المشاريع القومية، وتهيئتها لتكون قاعدة صناعية تصديرية تخدم السوق المحلي والعالمي.
وأكدت «نهاد» أن الغرفة حريصة على تقديم كل الدعم الفني واللوجستي للشركات لتعزيز قدراتها وتذليل أي تحديات تواجهها، مُشيرة إلى أن صناعة الأثاث في مصر، وفي مقدمتها مدينة دمياط للأثاث، تشهد نموًا متسارعًا، بفضل الاستثمارات الضخمة وخطط التطوير المستمرة التي تستهدف تحديث خطوط الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية للمنتج.
وأوضحت أن هذا النمو المتسارع في صناعة الأثاث بمصر خلال السنوات الأخيرة، يأتي بدعم من خطط التطوير والمبادرات التي تستهدف تأهيل الشركات وتحديث خطوط الإنتاج، مما يفتح المجال لمزيد من الاختراق للأسواق الخليجية والعالمية.
وتوقعت الغرفة أن تصل إيرادات سوق الأثاث المصري إلى نحو 796.10 مليون دولار بحلول 2029، مدفوعة بالتوسع الاستثماري وتحسن تنافسية المنتج المصري في الأسواق العالمية.
«شعبان»:نافذة مهمة للاطلاع على أحدث التطورات والابتكارات العالمية
وكشف مصطفى شعبان، رئيس مجلس إدارة شركة مون أرش للأثاث والديكور، وعضو غرفة صناعة منتجات الأخشاب والأثاث سابقًا، عن أن الاستثمار الأجنبي في قطاع الأثاث لا يقتصر على التمويل فقط، بل يمتد ليشمل الفكر والخبرة العالمية التي تُعد ضرورية لتطوير الصناعة المحلية.
وقال لـ«البورصة»: إن دخول المستثمر الأجنبي إلى القطاع يمثل نافذة مهمة للاطلاع على أحدث التطورات والابتكارات العالمية، وهو ما يُسهم في رفع كفاءة الشركات والمصنعين المحليين، وتحويل المصانع المصرية إلى كيانات قادرة على المنافسة عالميًا.
وأشار إلى أن وجود المستثمر الأجنبي يؤدي إلى نقل الخبرات، حيث يكتسب المصنعون المحليون مهارات وتقنيات جديدة تؤهلهم لاحقًا لنقل هذه الخبرات إلى شركات أخرى داخل السوق المحلي، مما يخلق دورة تطوير مستمرة.
ولفت إلى أن المستثمرين الأجانب يتميزون بسرعة الإنجاز والقدرة على الالتزام بالمواعيد، موضحًا: «في الخارج، يتم تجهيز شحن حاوية واحدة خلال أسبوع، بينما قد تستغرق العملية شهورًا محليًا، وهذه نقطة حيوية يجب الالتفات لها لتسريع حركة التصدير.»
وشدد على أن جذب الاستثمار الأجنبي يتطلب توفير بيئة أعمال مستقرة، وعمالة ماهرة، بالإضافة إلى وجود قوانين واضحة وإجراءات سريعة، لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الاستثمارات.
«أبو شوشة»: تعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الخامات المستوردة ضرورة ملحة
وهو ما أيده محمود أبو شوشة، رئيس مجلس إدارة شركة أندلسية للمصنوعات الخشبية، وعضو غرفة صناعة منتجات الأخشاب والأثاث باتحاد الصناعات المصرية، قائلا: إن القطاع يشهد نموًا ملحوظًا بدعم من الاستثمارات وخطط التطوير المستمرة، لكن مع ذلك لا تزال هناك بعض التحديات أمام المصنعين، منها بطء الإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج والخامات المستوردة.
وأضاف «أبو شوشة» أن تسريع وتيرة الإفراج الجمركي بات أمرًا حيويًا للحفاظ على تنافسية الصناعة، مؤكدًا أن طول المدة الحالية قد يفقد المصانع فرص تعاقدات تصديرية مهمة، خاصة في ظل المنافسة الشرسة من الأسواق الخارجية.
وأوضح أن الفترة المقبلة تتطلب التركيز على تعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الخامات المستوردة، من خلال تشجيع الاستثمار في صناعة الأخشاب البديلة والمواد الخام المحلية، وهو ما يعزز من قدرة القطاع على مواجهة التحديات العالمية وتقلبات الأسعار الدولية.
0 تعليق