قال الكاتب الإيطالي روبرتو سافيانو، إن زعماء “المافيا” يدركون تمامًا أن كل قرار سياسي يؤدي إلى رفع الأسعار يفتح الأبواب أمام “سوق تهريب واسعة النطاق”.
وأوضح سافيانو، في مقال نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، أن “الرسوم الجمركية المتبادلة” التي أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتطبيقها في أبريل الماضي، ستدفع المزيد من الأشخاص إلى اللجوء إلى التهريب.
وأشار إلى أن العصابات المكسيكية (الكارتلات)، ومنظمات الجريمة الإيطالية، والمافيا الروسية، وغيرها من الجماعات الإجرامية التي تمتلك القدرة على تهريب المواد غير المشروعة داخل الولايات المتحدة، ستتمكن بشكل متزايد من تهريب المواد والسلع المشروعة أيضًا، ما يخلق سوقًا ضخمة تشبه إلى حد كبير ما حدث في حقبة “الحظر”، حيث تقف عصابات الجريمة المنظمة على أهبة الاستعداد للاستفادة من الوضع.
وقال سافيانو، الذي يعيش مطاردًا من المافيا الإيطالية منذ 16 عامًا: “يكشف لنا التاريخ الأمريكي ما قد يحدث. فعلى سبيل المثال، حين فرض الرئيس توماس جيفرسون عام 1807 حظرًا شاملًا على التجارة الخارجية للضغط على بريطانيا وفرنسا، أدى ذلك إلى زيادة هائلة في عمليات التهريب، خصوصًا في المناطق الحدودية مثل فيرمونت ومين”.
كما أشار إلى أنه عندما تم تطبيق “قانون سموت-هاولي” للتعريفات الجمركية عام 1930، والذي رفع الرسوم على أكثر من 20 ألف سلعة مستوردة، بدأت منظمات المافيا الأمريكية-الإيطالية بإعادة هيكلة نفسها لتعمل كوسطاء، في الوقت الذي لجأ فيه صغار التجار إلى الطرق غير المشروعة لحماية هوامش أرباحهم.
ويؤكد سافيانو، الذي وصفه الفيلسوف الإيطالي أومبرتو إيكو بأنه “بطل وطني”، أن كل تعريفة جمركية تفتح شهيةً معينةً للعصابات الإجرامية، التي تتخذ الخطوات اللازمة لإشباعها. ومع ارتفاع الأسعار، بدءًا من منصات ألعاب الفيديو مرورًا بالخمور الفرنسية ووصولًا إلى المنسوجات، التي تقع فعليًا في صميم عمليات التهريب، فإن رسوم ترامب ستوفر فرصًا جديدة للمهربين.
اقرأ أيضا: رسوم “ترامب” الجمركية تهدد صناعة فساتين الزفاف في أمريكا
وأضاف: “عندما تتضاعف طرق التهريب، ندرك كيف تتحرك السلع والبضائع. فمثلًا، عبر كارتلات ‘جاليسكو نويفا جينراسيون’، التي اعتادت تهريب الوقود غير المشروع. قبل فرض رسوم ترامب، كان سوق التهريب يركز أساسًا على تزييف المنتجات القادمة من آسيا”.
وتُظهر بيانات “هيئة الجمارك وحماية الحدود” الأمريكية أنه تم ضبط سلع وبضائع مزيفة بقيمة 2.8 مليار دولار في عام 2023، و5.4 مليار دولار في عام 2024، بسبب زيادة الطلب على المنتجات منخفضة السعر.
وأشار سافيانو إلى أن زيادة الرقابة على الموانئ قد تكون أحد الحلول، لكنها ستؤدي إلى إبطاء عمليات التخليص الجمركي. وتختار المنظمات الإجرامية الموانئ وفقًا لسرعة التخليص، وليس لمستوى الفساد، فكلما زادت سرعة الميناء، زادت احتمالات تمرير البضائع دون رقابة. وقد تكون موانئ مثل سافانا (جورجيا)، وهيوستن (تكساس)، ولونج بيتش (كاليفورنيا)، أهدافًا مفضلة للمهربين لهذا السبب.
كما لفت إلى أن العلامات الموضوعة على المنتجات لا تكفي دائمًا لإثبات منشأها. ويُرجَّح أن الصين، التي تدير بالفعل نحو 40 ميناء في أمريكا اللاتينية، قد تستغل هذه الموانئ لتمرير بضائعها إلى الأسواق الأمريكية، وكأنها منتجات صُنعت في دول أمريكا الجنوبية.
اقرأ أيضا: نورييل روبيني يكتب: هل ينجو الاقتصاد الأمريكي رغم سياسات “ترامب”؟
ويتساءل سافيانو: هل من الممكن أن ترامب لا يدرك أن الرسوم الجمركية تمثل “فرصة ذهبية” للتهريب؟ ويرجح أنه (ترامب) ربما غير منزعج من ذلك، لأنه يعلم أن الشركات الأمريكية تسعى للحصول على السلع قبل فرض الرسوم للحفاظ على تنافسيتها. كما أن التهريب بحد ذاته يمنحه مبررًا سياسيًا إضافيًا لمواصلة الضغط على الحكومات الأجنبية.
ويضيف: “لن تكون هذه المرة الأولى التي يُظهر فيها ترامب هذا النوع من التفكير. فالمحامي الأمريكي الشهير روي كوهن، الذي يُعدّ الأب الروحي لترامب، مثّل في السبعينيات عددًا من زعماء المافيا مثل كارمين جالانتي، وكارلو جامبينو، ونيكولاس راتيني (نيك المراوغ)، وقدم النصح لعائلة جينوفيز الإجرامية. وكان كوهن يدرك أن هناك طريقتين لإدارة الأعمال: الطريقة القانونية، وطريقة ’القواعد‘، وهي المعايير غير الرسمية لجني الأرباح”.
وخلص سافيانو إلى القول: “الرسوم الجمركية تمثل القوانين، أما السوق السوداء فستتبع القواعد. ولن يصبح التهريب مجرد وسيلة للحصول على سلع رخيصة أو مزيفة، بل وسيلة ضرورية للحفاظ على التنافسية. وكلما زاد الطلب على السلع المهربة، صعبت مكافحة التهريب. وفي نهاية المطاف، قد نصل إلى نقطة يصبح فيها التهريب أمرًا مقبولًا مجددًا في أمريكا”.
0 تعليق