رغم بدء دورة التيسير النقدي في مصر، وخفض الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من عام، لا تزال الأنظار تتجه نحو المستثمر الأجنبي وترجيح كفته بين البقاء في أدوات الدخل الثابت أو التحول إلى سوق الأسهم، على الرغم من تحول دفة بعض الاستثمارات من أدوات الدين قصيرة الأجل إلى أدوات الاستثمار متوسطة وطويلة الأجل كالأسهم والسندات.
وخفض “المركزي” أسعار الفائدة منتصف أبريل الماضي بنحو 2.25% لتسجل 25% للإيداع و26% للإقراض، ما يحقق فائدة حقيقية تمثل نحو 11.4%، في ظل وصول التضخم السنوي لمستويات 13.6% خلال مارس.
ويرى المتعاملون أن قرار الأجانب لن يكون آنيًا، بل مرهون بتطورات التضخم وخريطة الفائدة خلال الأشهر المقبلة، إلى جانب مدى تعافي السوق وقدرته على استيعاب سيولة جديدة وتوفير فرص مغرية.
قالت رانيا يعقوب، العضو المنتدب لشركة “ثري واي” لتداول الأوراق المالية، إن معدلات الفائدة الحقيقية على أدوات الدين المصرية لا تزال عند مستويات جاذبة، وهو ما يؤجل انتقال الاستثمارات الأجنبية إلى سوق الأسهم في الوقت الراهن.
وأضافت أن استمرار جاذبية أدوات الدين يأتي رغم حالة عدم اليقين التي تهيمن على الأسواق العالمية، ما يدفع المستثمرين الأجانب إلى تفضيل أدوات الدين على الأصول الأكثر مخاطرة مثل الأسهم.
وأشارت إلى أن الأجانب ما زالوا يطلبون عوائد مرتفعة عند الاكتتاب في عطاءات أدوات الدين، إلا أن الحكومة المصرية لم تعد تحت ضغط لقبول هذه العوائد المرتفعة، في ظل تحسن مؤشرات الاستقرار وارتفاع الاحتياطي النقدي.
اقرأ أيضا: هل يكفى خفض الفائدة الأخير لإنعاش الإقراض غير المصرفي؟
وتوقعت يعقوب أن يشهد السوق هدوءًا نسبيًا خلال الفترة المقبلة، مع اتجاه المستثمرين لإعادة تقييم العائد على أدوات الدين، خاصة أن البحث عن أعلى عائد على المدى القصير يرتبط غالبًا بفترات التقلب وعدم اليقين.
وأوضحت أن وقف طرح شهادات الاستثمار ذات العائد المرتفع لن يؤدي إلى خروج سيولة كبيرة من الشهادات المستحقة، مرجحة أن يتوجه جزء محدود من هذه السيولة إلى أدوات استثمارية أخرى، وليس إلى الأسهم بالضرورة، لاسيما مع استمرار الفائدة الحقيقية عند مستويات مرتفعة، وتوفر بدائل مصرفية قادرة على اجتذاب السيولة.
وشهدت أول 3 جلسات من العام الجاري عودة الأجانب للشراء في البورصة المصرية بواقع 27.1 مليون جنيه، و27.1 مليون جنيه، و27.8 مليون جنيه خلال الجلسات الثلاث على التوالي، مقابل مبيعات قوية من الأجانب في الأسهم بلغت 2.9 مليار جنيه خلال الربع الأخير من العام المنقضي.
حامد: خفض الفائدة لا يعني بالضرورة انتعاشة سريعة
وقالت راندا حامد، العضو المنتدب لشركة “عكاظ” لإدارة وتكوين المحافظ، إن الزخم المتوقع في سوق الأسهم سيكون “زخمًا حذرًا”، لا يشبه ذلك الذي شهدته السوق عقب تحريك سعر الصرف الأول للجنيه في 2016.
وأوضحت أن قراءة حركة المؤشر من 2016 تظهر أن الزخم الأكبر جاء عقب التعويم مباشرة، بينما بين عامي 2018 و2021، رغم اتجاه البنك المركزي إلى خفض الفائدة تدريجيًا، فإن المؤشر العام للبورصة شهد تراجعًا، ما يتناقض مع التصور الشائع بأن التيسير النقدي يُفترض أن يدعم السوق بشكل مباشر.
وأشارت إلى أن العديد من المعطيات حالت دون استفادة البورصة من تراجع الفائدة حينها، منها معدلات التضخم المرتفعة، وضعف السيولة، ونمو المعروض النقدي، إضافة إلى متغيرات خارجية مثل جائحة كورونا.
وأضافت حامد أن السيناريو الحالي يعكس دخول الاقتصاد المصري في دورة تيسير نقدي جديدة، لكن المحيط الاقتصادي المحلي والعالمي لا يزال يحمل الكثير من التحديات التي قد تحد من تأثير خفض الفائدة على أداء السوق، إلا أن هناك مقومات داخلية تُبقي السوق في مسار صاعد – ولو بوتيرة حذرة.
اقرأ أيضا: رغم خفض الفائدة.. الأجانب والعرب يعودون للاستثمار في أدوات الدين الحكومية
ولفتت إلى أن القطاع العقاري قد يبدأ في التعافي بشكل فعلي حال تراجع الفائدة إلى ما دون 10%، مشيرة إلى أن أسعار الفائدة لا تزال عند مستويات مرتفعة للغاية حاليًا، ما يعيق تحسن الطلب.
ورغم ذلك، أكدت وجود عوامل دعم إيجابية أبرزها التوقعات الاقتصادية الرسمية، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد المصري بنحو 3.8% خلال العام الحالي، مقارنة بدول أخرى في المنطقة، فضلًا عن تحسن الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة تحويلات العاملين بالخارج، واستقرار سعر الصرف.
وشهدت مصر مراجعة إيجابية لتوقعات نموها لعامي 2025 و2026، حيث تعكس هذه التطورات الإيجابية التقدم في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي طبقًا للصندوق، حسبما قالت رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
وأشارت إلى أن الفائدة الحقيقية لا تزال مرتفعة، وأن خفض الفائدة لن ينعكس فورًا على تراجع العوائد على أدوات الدين، بل من المتوقع أن يتم بشكل تدريجي.
وذكرت أن الضبابية الحالية بشأن الرؤية الاقتصادية محليًا وعالميًا ستجعل كثيرًا من المستثمرين يترددون في سحب مدخراتهم من الشهادات مرتفعة العائد، لكنها توقعت أن يتجه جزء من هذه الأموال إلى سوق الأسهم، بينما سيُعاد تجديد الجزء الآخر على الفائدة الجديدة الأقل تدريجيًا.
حسن: الفرصة سانحة لعودة الأجانب إلى البورصة
ووسط تباين الرؤى بشأن تأثير خفض أسعار الفائدة على اتجاهات المستثمرين، خالف محمد حسن، العضو المنتدب لشركة “ألفا للاستثمارات المالية”، التقديرات المتحفظة لكل من راندا حامد ورانيا يعقوب، مؤكدًا أن السوق أمام فرصة قوية لعودة الأجانب إلى الأسهم خلال الفترة المقبلة، مدفوعًا بتوقعات استمرار دورة التيسير النقدي وزيادة جاذبية الأسهم مقارنة بأدوات الدين.
وأضاف حسن أن خفض الفائدة يدعم أداء البورصة بطبيعته، لكنه أشار إلى احتمالية حدوث استثناءات قصيرة الأجل، قد تدفع بعض المستثمرين الأجانب لتوجيه استثماراتهم إلى أذون وسندات الخزانة لفترة مؤقتة قبل العودة للأسهم بهدف تعظيم العائد.
وتوقع أن يستغرق هذا التحول نحو الأسهم على الأقل ثلاثة أشهر، على أن تشهد السوق حينها دخولًا أوسع من المستثمرين الأجانب.
وبينما يراهن البعض على أن هذه الخطوة ستنعش سوق المال وتفتح شهية المستثمرين، فإن تأثير خفض الفائدة لا يتوزع بالتساوي على جميع الشركات المدرجة في البورصة.
وتمثل خطوة خفض الفائدة من قبل “المركزي” طوق نجاة لعدد من الشركات المدرجة في البورصة المصرية، خاصة تلك التي تعتمد على الاقتراض كأحد مصادر التمويل الرئيسية لتوسعاتها أو تغطية التزاماتها التشغيلية، فكل نقطة مئوية يتم خفضها من الفائدة تعني تراجعًا مباشرًا في تكلفة التمويل، مما يعزز هوامش الربحية ويدعم التدفقات النقدية الحرة، لا سيما في القطاعات كثيفة المديونية مثل العقارات والصناعة.
ووفقًا لمسح أجرته «البورصة» سابقًا، جاءت شركة “القلعة للاستثمارات” في صدارة الشركات الأكثر اقتراضًا بنحو 112 مليار جنيه خلال أول 9 أشهر من العام الماضي، مقابل 81.5 مليار جنيه خلال الفترة المقارنة من 2023، و”المصرية للاتصالات” بإجمالي قروض وصلت إلى 80.7 مليار جنيه بنهاية العام الماضي، مقارنة بنحو 49 مليار جنيه بنهاية 2023.
وإلى جانب الشركات المثقلة بالديون، يبرز قطاع العقارات كأحد أكبر المستفيدين من الخفض المحتمل، في ظل ارتباطه المباشر بحركة أسعار الفائدة التي تؤثر على قرارات الشراء والتمويل العقاري، كما من المتوقع أن تنشط شهية المستثمرين الأفراد نحو الأسهم في حال فقدت أدوات الدخل الثابت جاذبيتها نسبيًا، وهو ما ينعكس إيجابًا على قيم التداول والسيولة السوقية.
في المقابل، قد تستفيد أيضًا بعض الشركات الصناعية والتجارية التي تخطط لاقتراض تمويلي خلال الفترة المقبلة، إذ يشجع تراجع الفائدة على التوسع في الإنفاق الرأسمالي وزيادة الإنتاج.
الألفي: تأثير الخفض محدود حاليًا لكن دورة التيسير تحمل وعودًا على المدى المتوسط
قال عمرو الألفي، رئيس قطاع الاستراتيجيات بشركة “ثاندر” لتداول الأوراق المالية آنذاك، إن تأثير الخفض الأخير محدودٌ نسبيًا على السوق، لكنه يحمل في طياته إشارة واضحة على بدء دورة التيسير النقدي التي قد تستمر خلال ما تبقى من العام.
وأوضح الألفي أن البنوك ستظل من القطاعات المستفيدة حيث إن الانخفاض سيكون تدريجيًا، وفي المقابل سيتم تخفيض الفائدة على الودائع، ما يقلص الضغط على هوامش الربحية، متوقعًا أن يؤدي ذلك إلى زيادة في معدلات الإقراض تدريجيًا، مع تحسن شهية القطاع الخاص على التمويل.
وحتى أن انعكاس أثر التخفيض على أسعار الأسهم قد لا يكون فوريًا، خاصة في ظل المكاسب التي حققتها بعض هذه الأسهم مؤخرًا، مشيرًا إلى سهم «ابن سينا فارما» كمثال على ذلك.
عبدالحكيم: القطاع العقاري وغير المصرفي سيكون بوابة دخول الأجانب للأسهم
وتوقع محمد عبدالحكيم، العضو المنتدب ورئيس البحوث بشركة “أسطول”، أن يتجه المستثمرون الأجانب نحو القطاعات الأكثر استفادة من خفض الفائدة، وعلى رأسها القطاع العقاري والقطاع المالي غير المصرفي، باعتبارهما من أبرز القطاعات المرشحة للنمو في بيئة سعر فائدة منخفضة.
عبدالنبي: العائد الخالي من المخاطر يتراجع مما يعزز تقييمات الشركات
وفي نفس السياق، أوضح أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة “مباشر كابيتال”، أن خفض الفائدة ينعكس إيجابيًا على تقييمات الشركات، عبر تقليص معدل العائد الخالي من المخاطر المستخدم في التقييم، وهو ما يعزز من فرص السوق في استقطاب مستثمرين جدد.
وأشار إلى أن هناك شريحة من المستثمرين الأجانب تُفضل أدوات الدخل الثابت فقط، وتُعرف بـ”الأموال الساخنة”، في حين تتنوع تفضيلات آخرين بين الأسهم والدخل الثابت معًا، مما يجعل توقيت التحول مرهونًا بخطط الاستثمار الفردية لكل جهة.
وشهدت جلسات التعامل الأخيرة استقرارًا لسعر الجنيه أمام الدولار، بل وتحقيقه مكاسب كان آخرها تراجع تسجيل 50.83 جنيه للدولار الواحد، مقابل 51 جنيهًا قبلها بأسبوع واحد.
وساهم ذلك في تعزيز ثقة المستثمرين بالسوق المصري، خاصة في ظل تراجع سعر الدولار أمام الجنيه، ما يعني أن خروج الأجانب من السوق قد يحقق لهم أرباحًا من فروق العملة، بالإضافة إلى الأرباح المحققة من الاستثمار في الأسهم.
ويتزامن ذلك مع توجه الحكومة نحو سياسة التيسير النقدي التي لطالما طالب بها المستثمرون والشركات، خاصةً بعد انكماش مستويات التضخم المرتفعة، وبذلك دفعت المستثمرين نحو التخارج من أدوات الدخل الثابت وضخها في الأدوات الأخرى.
فهمي: خفض الفائدة خطوة أولى لكن الزخم الحقيقي يحتاج تخفيضات إضافية
وأوضح هيثم فهمي، خبير سوق المال، أن سيكولوجية المستثمر الأجنبي أو المصري ستدفعهم لتقليل تدفقاتهم على أدوات الدين المختلفة لصالح أسواق المال في ظل تراجع الفائدة والتحول لسياسة التيسير النقدي، مشيرًا إلى أن حجم التحول سيتضح مع مرور بعض الوقت على خفض الفائدة وترقب حالة السوق.
وأظهرت صافي تعاملات فئات المستثمرين داخل البورصة خلال شهر إبريل صافي شراء للمستثمرين المصريين بقيمة 1.51 مليار جنيه، مقابل صافي بيع للمستثمرين العرب والأجانب بقيمة 766.3 مليون جنيه، و745 مليون جنيه.
ويرى فهمي، أنه لابد من تقليص الفائدة خلال الفترة المقبلة لزيادة الزخم على البورصة بدلًا من أذون الخزانة والسندات، خاصةً وأن معدل الفائدة الحقيقي ما زال مرتفعًا.
إمام: رخص أسعار الأسهم المصرية تجذب المستثمر الأجنبي
وتوقع عبدالحميد إمام، رئيس قسم البحوث بشركة “بايونيرز لتداول الأوراق المالية”، أن يشهد السوق دخولًا تدريجيًا من المستثمرين الأجانب نحو الأسهم، بالتزامن مع تراجع التضخم وانتهاء آجال شهادات الادخار ذات العائد المرتفع.
وأشار إلى أن انخفاض العائد على أدوات الدخل الثابت سيحفز الأجانب والمؤسسات المحلية نحو أدوات أكثر مخاطرة وربحية، وفي مقدمتها سوق الأسهم.
وأوضح إمام أن الأسهم في السوق المصرية تتمتع بميزة تنافسية مزدوجة، من حيث انخفاض أسعارها وسهولة التسييل، مقارنة بالاستثمار في العقارات أو الذهب، ما يجعلها وجهة مفضلة خاصة مع سعي المستثمرين لاقتناص شركات مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية.
رغم بدء دورة التيسير النقدي، لا تزال عودة المستثمر الأجنبي إلى البورصة المصرية رهينة بمزيد من المؤشرات الإيجابية، وفي مقدمتها استمرار تراجع التضخم، واستقرار العملة، وزيادة ثقة المستثمرين المحليين.
وبينما يرى البعض أن خفض الفائدة يفتح الباب للانتعاش، يظل سؤال التوقيت وشهية المخاطر هو المحدد الفعلي للاتجاهات القادمة.
0 تعليق