شهامة الإيمان

الفن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.

في الأحد الثاني بعد الفصح، تحتفل الكنيسة بأحد "حاملات الطيب"، إذ تكرّم النسوة اللواتي أتينَ باكرًا إلى القبر، حاملات الطيب، ليجدن القبر فارغًا، ويصبحن أولى الشاهدات على قيامة الرب، وأول المبشّرات بها. وفي هذا اليوم أيضًا، تذكر الكنيسة يوسف الرامي ونيقوديموس، التلميذين اللذين خرجا من خفاء الإيمان إلى العلن، ليكرّما جسد المصلوب بدفن لائق.

تضيء الكنيسة على هذه الوجوه النيّرة التي تألقت في ظلمة الألم واليأس. نسوة لم يرهبهنّ صمت القبر، ولا جنود الحراسة، بل أسرعن يحملن الطيب في شجاعة وإخلاص، بينما التلاميذ أنفسهم كانوا قد انسحبوا من المشهد خوفًا. لقد قدّمن مثالًا حيًا عن الإيمان العملي، فخدمْن المسيح في حياته، وتبعْنه في موته، وشهدْن لقيامته. وما زالت اليوم كثيرات من النساء يتقدّمن بخدمة صامتة ومتفانية في الكنيسة، في التعليم والترتيل والإرشاد، في الاعتناء بالمحتاجين، وفي حمل مشعل الإيمان داخل بيوتهن ومجتمعاتهن، في صمت القديسين.

أما يوسف الرامي ونيقوديموس، فيسجّلان في هذا المشهد موقف الرجولة الحقّة والشهامة الصادقة. فحين تراجع الكثرة، تقدّما هما إلى الصليب، وطلبا جسد يسوع، غير آبهين بردود الفعل أو الاتهامات. شهامة الإيمان لا تحتاج إلى صوت عالٍ، بل إلى موقف حاسم. كم من أتباع المسيح تبعوه في المجد، لا في الألم؟ كم منّا يطلب الجلوس عن يمينه ويساره، لا الوقوف تحت صليبه؟

يُسائلنا هذا الأحد: هل نحن تلاميذ للقيامة، أم متفرجون؟ هل نقترب من المسيح حقًا، أم نكتفي بالقرب الظاهري؟ هل نُعلن انتماءنا له، أم نُخفيه خوفًا أو خجلًا؟ إن الطيب الذي ينتظره المسيح منّا اليوم هو المحبة العملية، والرحمة الصادقة، والخدمة المتواضعة، والولاء الذي لا يعرف المواربة.

ليكن في قلب كلٍّ منا طيبٌ نقيّ، نقدّمه للمسيح في فقرائه ومتألمي هذا العصر. ولتكن لنا شجاعة يوسف ونيقوديموس، فنخرج من خفاء الإيمان إلى علنه، معلنين بجرأة: "نحن له، نحن للمصلوب القائم من الموت."

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق