في خطوة غير مسبوقة، أُعلنت عن إطلاق مبادرة أكاديمية الفنون والثقافة، وهي تجربة تهدف إلى دمج التعليم الأكاديمي مع البرامج الفنية الإبداعية. تشتمل هذه المبادرة التي تشرف عليها وزارة التعليم بالتعاون مع وزارة الثقافة، على استقطاب ورعاية وتنمية المواهب الفنية لدى طلاب التعليم العام من خلال برامج متخصصة في مجالات متعددة تشمل الرسم، العزف، المسرح، والتمثيل، والغناء. تمثل هذه الأكاديمية الأولى من نوعها في المملكة، ومن المقرر أن تبدأ مرحلتها الأولى مع بداية العام الدراسي.

ستستقبل الأكاديمية طلاب الصفين الرابع الابتدائي والأول المتوسط في مدرستين، واحدة للبنين في الرياض والأخرى للبنات في جدة. تهدف الأكاديمية إلى التوسع تدريجياً لتشمل كافة المراحل الدراسية في مختلف مناطق المملكة. تتبنى فلسفة الأكاديمية دمج المناهج الدراسية المعتمدة من وزارة التعليم مع التدريب الفني العملي، عبر مناهج وحدات تدريبية حديثة وكوادر متخصصة. يتضمن ذلك بيئة تعليمية محفزة تُوازن بين التحصيل العلمي وصقل المواهب الفنية، مما يضمن للطلاب تجربة تعليمية شاملة.

للتقديم، يُشترط أن يكون الطالب قد أنهى الصف الثالث الابتدائي أو السادس الابتدائي، حيث يجب عليه اختيار مجال موهبة واحد فقط من المجالات المطروحة وتقديم أعمال أو عروض أداء تثبت موهبته. أيضًا، يلزم تقديم مقطع فيديو قصير يوضح رغبه في الانضمام إلى الأكاديمية. تأتي هذه المبادرة في إطار رؤية السعودية 2030، التي تسعى لتمكين جيل جديد يُبرز التفوق العلمي والإبداع الفني، بالإضافة إلى تعزيز الهوية الثقافية للمملكة.

الأبعاد المسرحية والتربوية

في حديثها مع “الشرق الأوسط”، أبرزت الدكتورة نوف الغامدي، عضو “الاتحاد الدولي لأبحاث المسرح” بجامعة كامبريدج، أهمية تدريس المسرح والتمثيل في سن مبكرة، حيث اعتبرت ذلك أداة تربوية شاملة تساعد الطالب في التعبير عن ذاته وبناء شخصيته على أسس واثقة. وتطرقت الغامدي إلى دراسة من “National Endowment for the Arts” أظهرت أن التعليم الفني المبكر يُساهم في تحسين الأداء الأكاديمي وتعزيز النمو الاجتماعي والعاطفي.

وجدت الدراسة أن برامج التعلم الاجتماعي العاطفي كانت لها تأثيرات إيجابية، حيث أظهرت تحسناً ملحوظاً في الأداء الأكاديمي للطلاب. تطرقت الغامدي أيضًا إلى نتائج دراسة تشير إلى أن الطلاب المشاركين في الأنشطة المسرحية يحققون معدلات أعلى في اختبارات SAT، مما يظهر التأثير الإيجابي للمسرح على الثقة بالنفس وقدرات التواصل.

معايير اكتشاف الموهبة المسرحية

فيما يتعلق بمعايير اكتشاف الموهبة المسرحية الحقيقية لدى الأطفال، شددت الدكتورة نوف على أن هذه الموهبة لا تقتصر على القدرة على الحفظ أو الأداء التقليدي، بل تتجلى في التعبير الصادق والتفاعل القوي مع المواقف التمثيلية. تحدثت عن دراسة تطبيقية أُجريت في تركيا أشارت إلى أن التدريب المسرحي المبكر يُعزز المهارات الاجتماعية والتواصلية، حيث تمت مراقبة تأثير البرنامج على مجموعة من الطلاب.

يُعتبر الإبداع في الارتجال وفهم أبعاد الشخصيات والعمق النفسي لها، بالإضافة إلى الالتزام بروح الفريق والانضباط في التدريب، مؤشرات حيوية تشير إلى وجود موهبة فطرية قابلة للاستثمار.

الثمار المستقبلية للمبادرة

فيما يخص التأثيرات على المشهد المسرحي والفني السعودي، تعتبر الدكتورة نوف أن إطلاق الأكاديمية هو خطوة استراتيجية نحو تأسيس جيل جديد من المبدعين المؤهلين أكاديمياً، مما يساهم في بناء قاعدة احترافية في الفنون المسرحية. وفقًا لبيانات وزارة الثقافة، ازداد عدد العروض المسرحية المحلية، مما يعكس وجود أرضية خصبة للنمو.

مع تنفيذ مبادرات مثل “School Theatre Initiative” التي تهدف لتدريب المعلمين في المدارس الحكومية، يتوقع أن تشهد المملكة نقلة نوعية في جودة الإنتاج المسرحي وزيادة في المحتوى الإبداعي، مما يتماشى مع المعايير العالمية. تعزز هذه الجهود تنافس المواهب الوطنية وتخلق فرص عمل جديدة، فضلاً عن تعزيز القوة الناعمة للمملكة عبر الفنون كوسيلة للتواصل الثقافي.