نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: انتخابات بيروت "المملّة"... من ضعف المشاركة إلى هزيمة "التغيير"!, اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025 04:05 صباحاًلم تكن الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت مجرّد "جولة" من الاستحقاق الذي بدأ قبل ثلاثة أسابيع في جبل لبنان، ومرّ على الشمال وعكار والبقاع وبعلبك الهرمل قبل أن يصل إلى خواتيمه في الجنوب الأحد المقبل، فهي شكّلت "الواجهة" منذ اليوم الأول للتحضيرات، حتى كادت أن تؤجَّل أو تُلغى تحت عنوان "فرض" المناصف، بعد تصاعد المخاوف والهواجس من إمكانية أن تقضي على قيم التنوّع والعيش المشترك التي لطالما طبعتها.كان لانتخابات بيروت طعمٌ آخر أيضًا، من حيث المبدأ، على مستوى "الحماوة الانتخابية" التي ظنّ كثيرون أنّها ستفرض نفسها، مستذكرين تجربة انتخابات العام 2016، حين حقّقت "بيروت مدينتي" أرقامًا مهمّة ونوعيّة، قبل أن يعلن رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري اعتكافه، وقبل أن تبدأ "رياح التغيير" بالظهور، لتتوّج باحتجاجات العام 2019، التي أفضت في انتخابات العام 2022 البرلمانية، إلى ظهور ما سُمّيت بـ"كتلة التغيير".ترجمت هذه "الحماوة" بعدد المرشحين، فضلاً عن اللوائح التي اختارت خوض غمار المعركة، رغم كلّ الظروف والتعقيدات والصعوبات، والتي تصدّرتها تلك اللائحة التي وصفت نفسها بـ"الجامعة"، وقد جمعت التناقضات، من "حزب الله" وحركة "أمل" إلى حزبي "القوات" و"الكتائب"، مرورًا بـ"التيار الوطني الحر"، والنائب فؤاد مخزومي، تناقضات كانت ربما "خريطة الطريق" للفوز بكلّ المقاعد، وضمان المناصفة، في حجر واحد.لكن، أبعد من هذه النتيجة، ثمّة الكثير من الدروس والعِبَر التي يجب أخذها من انتخابات بيروت، على تعقيداتها، فكيف تفسَّر نسبة الاقتراع المتواضعة، بل الضئيلة، ولماذا فضّل أهل العاصمة المكوث في منازلهم، على المشاركة، وأيّ رسالة وجّهوا بـ"اعتكافهم"، وإن لم يكن الأول من نوعه تاريخيًا؟ وما هي الاعتبارات التي أدّت لفوز الأحزاب الكبرى، التي لم تجمعها سوى "المصلحة"، والأهمّ، لهزيمة "التغييريين" المدوّية، إن صحّ التعبير؟!.في المبدأ، وقبل قراءة النتائج وتحليلها وتفسيرها، لا بدّ من التوقف عند مفارقة "إحجام" أهل بيروت عن المشاركة، بعيدًا عن محاولة الكثيرين التقليل من وقع "رتابة" الانتخابات و"هزالة" نسبة الاقتراع، بالقول إنّها تبقى أعلى من تلك التي سُجّلت عام 2016، وإن أهل بيروت تاريخيًا لا يجدون أنفسهم معنيّين بالاستحقاق البلدي والاختياري، بعكس ما هو الحال مثلاً مع الانتخابات النيابية، ما يجعل المقارنة مع انتخابات 2022 مثلاً في "غير مكانها".يشير العارفون إلى أنّ المقارنة مع 2016 هي التي قد لا تكون في مكانها، فالظروف تغيّرت جذريًا، وقد شهدت البلاد في تسع سنوات متغيّرات دراماتيكية هائلة، بدءًا من الاحتجاجات الشعبية عام 2019 التي قيل إنّها أسّست لواقع سياسي وشعبي جديد، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي والمالي الذي لا يزال يلقي بتبعاته "الثقيلة" على اللبنانيين حتى اليوم، مرورًا بأحداث الأشهر الأخيرة، في أعقاب العدوان الإسرائيلي على لبنان.بالنسبة إلى هؤلاء، كلّ هذه العوامل كان يجب أن تشكّل "حافزًا" للمشاركة في الانتخابات، من أجل إيصال مجلس بلدي ينهض فعلاً، لا قولاً، بالعاصمة، ويحقّق ما عجزت عنه المجالس البلدية السابقة، إلا أنّ أهل بيروت فضّلوا تحويل نهار الانتخابات إلى يوم أحد "عادي"، أو ربما "أقلّ من عادي"، حيث فرغت الشوارع خلافًا للعادة في يوم العطلة، من أجل إيصال رسالة "استياء" من المشهد العام، تشمل أحزاب السلطة، كما تلك المصنّفة معارضة.ثمّة من يعزو الأمر إلى اعتكاف تيار "المستقبل"، وسحب رئيسه سعد الحريري يده من الأسابيع قبل أسابيع، رغم إعلانه في 14 شباط الماضي أنّ التيار سيكون جزءًا من كلّ الاستحقاقات الوطنية المقبلة، لكنّ العارفين يشدّدون على أنّ المسألة أبعد من ذلك، فاعتكاف الحريري من عدمه لم يكن ليغيّر من حقيقة أنّ أهل بيروت لا يجدون أنفسهم "معنيّين" بانتخابات لا تقدّم ولا تؤخّر برأيهم، ولا سيما في ظلّ معركة "الصلاحيات" بين البلدية والمحافظ.لكن، إذا كان كلّ ذلك صحيحًا، فلماذا فاز تكتّل "أحزاب السلطة"، إن صحّ التعبير؟ كيف فاز التحالف "الهجين" بين قوى قالت إنّ "بيروت تجمعها"، فيما كلّ شيء آخر يفرّقها، مثل "حزب الله" و"القوات اللبنانية" مثلاً، وهما اللذان كانا يتبادلان الاتهامات بالفتنة وغيرها، على هامش الانتخابات أصلاً؟ وماذا عن الخسارة المدوية لـ"بيروت مدينتي"، رغم كلّ الزخم والديناميكية، فضلاً عن اللوائح الأخرى، التي تتقاطع على مبدأ المعارضة؟!.يتحدّث العارفون عن مجموعة من الأسباب والعوامل التي دفعت إلى ذلك، على رأسها غياب الحملات الدعائية الحقيقية لمعظم اللوائح والمرشحين، في ظل الاعتماد "حصرًا" على وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل ذلك غياب "الماكينات الانتخابية" التي انعدم وجودها، باستثناء تلك التابعة للأحزاب الكبرى، التي استطاعت الحشد والتجييش، ولو بصورة نسبية، فيما فشل غيرها عن تأمين الحدّ الأدنى المطلوب لتحفيز الناس على المشاركة.وإذا كانت "التناقضات" التي جمعتها لائحة "بيروت بتجمعنا" بدت نقطة ضعف "فاقعة" لكثيرين، من وجهة نظر مبدئيّة وربما أخلاقيّة، فإنّها على الأرض شكّلت "نقطة قوة" للائحة، التي استقطبت جماهير الأحزاب على اختلافها، بعدما أقنع جمهور "حزب الله" مثلاً نفسه أنّه يصوّت للائحة كما هي، "لعيون السيّد"، ولو ضمّت "القوات"، وأقنع جمهور الأخيرة أنّ "التشطيب"، لا الحزب، هو "العدو"، وأنّ المناصفة أهمّ من كلّ الاعتبارات الأخرى.في المقابل، ثمة من يشير إلى "تشتّت" الأصوات، الناجم عن تعدّد لوائح المعارضة، باعتباره أحد العوامل التي أدّت إلى الهزيمة، وهو ما يُضاف إليه مجموعة من العوامل الأخرى، بينها عدم مراعاة هذه اللوائح للتوازنات "البيروتية" إن صحّ التعبير، فضلاً عن عدم تمثيلها العائلات الكبرى بالشكل المناسب، وتغييبها الفقراء بشكل أساسي عن المشهد، من دون أن ننسى "الشعبوية" التي وقع بها البعض، ولا سيما مرشحو "بيروت مدينتي".وبالحديث عن "بيروت مدينتي"، قد تكون خسارتها رسالة "قاسية" موجّهة من أهل بيروت إلى نواب "التغيير"، الذين كانت بيروت الأساس في وصولهم إلى الندوة البرلمانية عام 2022، وهي التي تضمّ "حصّة الأسد" منهم، وفي ذلك تُفهَم "خيبة" من الناخبين من أداء هؤلاء النواب الذين استبشر بهم الكثيرون خيرًا، فإذا بأدائهم يأتي مناقضًا للتوقعات والآمال، فضلاً عن خلافاتهم الشخصية التي طغت على كلّ شيء.في النتيجة، هي انتخابات "مملّة" شهدتها بيروت، من كلّ الزوايا وعلى كلّ الأبعاد. انتخابات "مملّة" على مستوى نسبة الاقتراع المتواضعة والضئيلة، وحتى على مستوى الزخم والديناميكية، بلا إشكالات تُذكَر. ولكنها انتخابات "مملّة" على مستوى النتائج، التي كرّست "قوة ونفوذ" أحزاب السلطة نفسها، وبالوعود الإصلاحية نفسها، بمعزل عن "الرسائل" التي تنطوي عليها هذه النتائج، والتي لا يمكن القفز فوقها…