نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
دم وماء وامتلاء, اليوم السبت 17 مايو 2025 03:04 صباحاً
تعيِّد الكنيسة في منتصف الفترة الخمسينيَّة، بين أحد الفصح المجيد وأحد العنصرة، لعيد يدعى انتصاف الخمسين، وهو اليوم الخامس والعشرون تحديدًا. إنجيل العيد وخدمة العيد الليتورجيَّة يكشفان لنا معنى العيد وأهمِّيَّته الروحيَّة والإيمانيَّة والخلاصيَّة.
المقطع الإنجيليُّ من إنجيل يوحنَّا (يوحنَّا 7: 14-30) يوضح أنَّ الربَّ يسوع المسيح صعد إلى هيكل أورشليم في انتصاف عيد المظالِّ اليهوديِّ الَّذي كان يدوم أسبوعًا كاملًا أي سبعة أيَّام. وهو أحد الأعياد اليهوديَّة الكبيرة الثلاثة الَّتي هي الفصح والعنصرة والمظالُّ. الأوَّل هو ذكرى خروج اليهود من مصر وعبورهم البحر الأحمر فغرق فرعون وجيشه الَّذي كان يلاحقهم. الربُّ كان يريد أن يعبروا إلى أورشليم السماويَّة بعيش وصاياه لا بمخالفتها. الثاني أصبح تذكار صعود موسى إلى جبل سيناء واستلامه الوصايا العشرة من الله. أمّا الثالث فيأتي في الشهر السابع بعد الفصح ويتذكّرون فيه المدّة التي قضوها في البرية بعد خروجهم من مصر، لهذا يقيمون الاحتفال لمدَّة أسبوع ينصبون فيه خيامًا ويقطنون فيها. كما يشعلون قناديلًا ليلًا تيمُّنًا بسحابة النور الَّتي كانت تتقدَّمهم في سيرهم وتضيء طريقهم.
في الليتورجيَّة اليهوديَّة في عيد المظالِّ، هناك طقس يعرف بنضح الماء Water Libation أو إراقة الماء، فكانوا يجلبون طوال الأسبوع مياهًا من بركة سلوام في إناء ذهبيٍّ في موكب مهيب من الكهنة إلى الهيكل، تصاحبه الأناشيد والمزامير(من 113 إلى 118) المعروفة باسم «الهليل» أي التسبيح، والناس يرفعون أكفَّ الدعاء طلبًا للغيث، ورجاءً في سنة خصبة مباركة.
حينما يبلغ الموكب الهيكل يجري طقس مقدَّس، فكان الكهنة يطوفون حول المذبح حاملين الماء، وهم يلوِّحون بأغصان الصفصاف، وهي من رموز هذا العيد ومظاهره الشعائريَّة. ويصعد الكاهن الحامل للماء إلى المذبح، وهناك يسكب الماء في قناة أو إناء خاصٍّ موضوع بجانب المذبح.
وكان رئيس الكهنة يعلن أنَّ مَن كان عطشانًا فليقترب ويشرب، إشارة إلى الصخرة الَّتي طلب الربُّ من موسى أن يضربها، وخرج منها ماء وشرب الشعب، وكما قال إشعياء النبيُّ: «هوذا الله خلاصي فأطمئنُّ ولا أرتعبُ، لأنَّ ياه يهوه قُوَّتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصًا. فتسْتقُون مياهًا بفرحٍ من ينابيع الخلاص» (إشعياء 12: 2-3).
وفي الوقت ذاته، كان يُسكب سكيب من الخمر، ليجري الماء والخمر معًا في مشهد رمزيٍّ مزدوج؛ فالخمر يرمز إلى الفرح، وأمَّا الماء فيرمز إلى الحياة.
يلي أسبوع عيد المظالِّ يوم صلاة وابتهال مهمٌّ جدًّا، هو اليوم الثامن، اليوم الثامن للاعتكاف – الاحتشاد - الاجتماع Shemini Atzeret the Eighth Day of Assembly. فكلمة Shemini تعني ثمانية وكلمة Atzeret هي الاحتشاد، وأتت منها العنصرة باللغة العربيَّة.
في اليوم الثامن لا يعود يجلب الكاهن المياه من البركة، إشارة إلى أنَّ الشعب يشرب من ينابيع كنعان وليس من مياه البرِّيَّة.
صحيح أنَّ اليوم الثامن يلي عيد المظالِّ مباشرة، إلَّا أنَّه يُعَدُّ عيدًا مستقلًّا.
و «مياه كنعان» تتعلَّق بحسب المفهوم اليهوديِّ التوراتيِّ بـ «أرض الموعد» بأرض الخير الإلهيِّ واستمراريَّة علاقة الله بهم. إنَّها الأرض الَّتي تفيض لبنًا وعسلًا (خروج 33: 3). فشتَّان ما بين البرِّيَّة وكنعان.
هذا كلُّه كان تصوُّرًا مسبقًا للمسيح الآتي، الربِّ يسوع المسيح، فهو الصخرة كما قال بولس الرسول: «وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًّا، لأنَّهم كانوا يشربون من صخرة روحيَّةٍ تابعتهم، والصخرة كانت المسيح» (1 كور 10: 4)، لهذا نقرأ: «وها في اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلًا: إنْ عطشَ أحد فليُقبِلْ إليَّ ويشرب. مَن آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهارُ ماء حيٍّ». (يوحنَّا 7: 37-38).
وعندما دخل يسوع إلى الهيكل وشرح أمام علماء اليهود تعجَّبوا وسألوا: «كيف هذا يعرف الكتب، وهو لم يتعلَّمْ؟». وسأل الشعب: «أَلَعَلَّ الرؤساء عرفوا يقينًا أنَّ هذا هو المسيح حقًّا؟».
الجواب نعم إنَّه المسيح. ودخوله الهيكل وهو كبير، يذكِّرنا بدخوله وهو في عمر الإثنتي عشرة. لهذا نشاهد يسوع في أيقونة عيد نصف الخمسين تارة صغيرًا وطورًا كبيرًا.
وبالنسبة لليوم الثامن فهو في المسيحيًّة اليوم الملكوتيُّ الَّذي صنعه المسيح، إنّه يوم الأحد ويوم الربِّ ويوم القيامة المجيدة.
ومسك الختام، بما خرج من صدر يسوع على الصليب عندما طعنه جنديٌّ رومانيٌّ بحربة ليتأكَّد من أنَّه مات. فالَّذي خرج هو دم وماء لحياة جديدة. يسوع فدانا بدمه وأعطى تلاميذه كأس الخمر في العشاء السرِّيِّ قائلًا لهم : «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا." (متى 26: 27-28).
نعم الذبيحة الحيَّة الأبديَّة هي الربُّ، وما كان يفعله الكاهن اليهوديُّ كان صورة مسبقة لذبيحة المسيح وخلاصه، كما قال الربُّ على الصليب عندما أسلم الروح: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا 30:19). نتوقّف هنا عند الكلمة اليونانيّة المستعملة " Τετέλεσται – Tetelestai" وتعني " قد تم"، وهي كلمة مهمّة، تُستخدم في المعارك للإعلان عن إتمام المهمة بالكامل وبنجاح، واقتصاديًّا بمعنى " مدفوع بالكامل".
عمل الفداء الخلاصيّ الذي أتى المسيح ليقوم به قد تم بالكامل وحُسِمَت المعركة الروحية لمصلحة الرب الذي غلب الموت، وجميع النبوءات عن المسيح وآلامه قد تحققت. قديمًا لم تكن الذبائح تزيل الخطيئة، أما الآن فقد قُدمت الذبيحة الكاملة. وأتى الفعل في صيغة المضارع التام ليشير على أنه حدث تمّ وله نتائج مستمرة.
فالمجد لك يا ربَّ المجد، أنت الَّذي تفيض علينا بمياه الروح القدس الَّتي لا تنضب وتجدِّدنا. وهذا هو دلالة وجود ثلاثة آحاد[1] متتالية قبل بلوغ العنصرة يوجد فيها مياه.
إلى الربِّ نطلب.
[1]. أحد مخلّع بركة بين حسدا وأحد المرأة السامريّة وأحد الأعمى الذي اغتسل في بركة سلوام.
0 تعليق