كان الراحل تريم عمران تريم قومياً عروبياً، حاملاً رؤية واضحة بلا تعنت، ورأياً حراً، ووجهة نظر ترفل في الصواب والحيادية والموضوعية، من دون ميل أو انحياز، وكان يتناول في أحاديثه العامة القضايا كافة التي تدور على الساحة المحلية والخليجية، وأخرى ترزخ من وطأتها بعض الدول العربية، ولم يتوان عن طرح ذلك في كتاباته المختلفة، فقلمه كان أداته في التعبير عن قناعاته ورؤاه الخادمة لقضايا أمته.وفي مقالاته التي نشرتها صحيفة «الخليج» التي أسسها تريم عمران مع شقيقه الراحل الدكتور عبدالله عمران، كان سباقاً في طرح حلول وإيجاد مخارج مختلفة للمستعصي من الأمور والمشكلات، وكان مستشرفاً للمستقبل وصاحب توقعات أثبتت الأيام صحتها.إزاحة حواجز العجز عربياًفي مقال بعنوان «إزاحة حواجز العجز عربياً» نشرتها «الخليج» عام 1980، قال: «من الذي يتحرك اليوم باتجاه قلب الأمة العربية؟ ليس زعماء الضفة، بل رفض الهزيمة، احتمال الموت وارد، لكن ما أسهله، ما أروعه، الأمة العربية اليوم تتكلم بالسلم، رافضة الاستسلام».وأضاف: «الأرض لن تفرغ من أصحابها، بل تملأ بالمواليد، والدم إذا لزم الأمر، فنحن في حاجة إلى زمن التهور الذي يبدأ بخطوة، يخطوها اليوم الكبار، فلسطين ما كانت يوماً قضية مشاريع ومشاريع مضادة، وثورتها لم تعط كل هذا العطاء المهول من أجل دولة، فلسطين هي أن يكون هناك عرب أو لا يكون».الاقتراب من الوحشفي مقال بعنوان «الاقتراب من الوحش»، نشر عام 1980، تحدث الراحل تريم عمران، عن التقارب مع الشعب الأمريكي، وقال: «من يكره التقارب مع الشعوب، خاصة إذا كان هذا الشعب هو الشعب الأمريكي، عنوان جميل لحلم من أحلام المدينة الفاضلة، رحم الله أفلاطون والفارابي».وأوضح في مقاله: «ولكن صديقنا الدكتور مهدي وهو مناضل مجيد من مناضلي الشوارع، وحاملي اللافتات، يقول إن الدروب سالكة، والأمر ممكن».. إننا مع الدكتور، ومع السلام، ومع الشعوب، واللافتات والتظاهرات، ومع تجربة استعمال ميكانيزمات الديمقراطية لصالحنا».عن اغتيال الدكتور المشد في باريس، كتب الراحل مقالاً بعنوان «معركة العقل العربي»، نشرت عام 1981، جاء فيه: «عشرات الآلاف من الأطباء العرب، والعلماء العرب، يملؤون معامل ومختبرات أمريكا وأوروبا الغربية، كان يمكنهم أن يحدثوا انقلاباً صناعياً علمياً في بلادهم، لكن ذلك ممنوع، نحن لا نقدم لهم الفرص ولا الاحترام».وأضاف: «والآخرون يمنعونهم بالإغراء، ويهددونهم بالموت.. إننا الآن أمة أمام مسؤولية بقاء شامل أو فناء أبدي، وهذا الوضع يستدعي استنفاد كل الطاقات في كل المجالات، وتأجيل كل الصراعات إن لم يكن ممكناً وأدها، وذلك لإقامة القوة العربية الواحدة، والصناعة العربية الواحدة، والقاعدة التي تغري الآلاف من العبقريات العربية نحن نطردها، وغيرنا يتبناها، فإن رفضت فهو يغتالها».إن الله لا يغير ما بقومعام 1980 تناول الراحل في مقال بعنوان «إن الله لا يغير ما بقوم»، بعض مفردات الأحداث في الواقع العربي، منتهيا بالقول: «الحكم يدافع عن نفسه بالعدل، والثورية تدافع عن نفسها بوسائل تتماشى مع سمو أهدافها، فلا يمكن الوصول إلى الغايات العظمى بوسائل حقيرة، والناس تقيم حكومتها لتحميها.. وعندما تنسى أي حكومة هذه المهمة، وتتحول وظيفتها من تأمين الناس إلى ترويعهم، ومن المحافظة على حياتهم إلى قتلهم، فإنها تفقد شرعيتها ومبرر وجودها، وبالتالي، يستحيل الدفاع عنها، أو الاقتناع بشعاراتها.. ونذكركم ببداية العلاج، حيث يقول الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)». عصر الحيتانكتب الراحل تريم عمران مقالاً عام 1980 بعنوان «عصر الحيتان والسردين»، قال فيه إن الثروة تحتاج إلى قوة بحجمها وإلا ضاعت، هذه حقيقة يجب أن نفهمها، وأن أمن المنطقة يعلو على الحساسيات القبلية، والنزاعات الحدودية، هذه حقيقة أخرى، وإلا فإن الذي يعرض الحماية، وصديقه الذي يفرض الحماية، لن يجد من يمنعه أن يدخل من دون استئذان بعذر أو من دون عذر.وتابع في مقاله: «فنحن أهل الخليج نربك كل القوى العالمية لشدة غنانا، وشدة ضعفنا تماماً، كما كانت الدولة العثمانية في طور احتضارها، فلم يمنع من التهامها، إلا عدم اتفاق الذئاب على الأنصبة في تركة الرجل المريض، الحل، اتفقوا يرحمكم الله، فمنطق عصر الحيتان الكبيرة، يحب تكاثر السردين، لأنه غذاء سهل الابتلاع».فن التقدم للخلفعندما اجتمع وزراء الاقتصاد العرب في عمان عام 1980 في اجتماع حمل شعار «الاستراتيجية الاقتصادية العربية»، كتب تريم عمران مقالاً بعنوان: «فن التقدم للخلف»، قال فيه: «حتى الآن منذ أولى محاولات التصنيع في عهد محمد علي، حاكم مصر، لم يسمح للعرب أن يديروا صناعة متقدمة لخلق الكفاية، وتغطية الاحتياجات».وأضاف: «بل كلما بدت بشائر تحرك صناعي، تم إجهاضه بالحرب أو بالخيانة الداخلية، كما حدث عندما ضرب الإنجليز الصناعة المصرية بعد الاحتلال، وحولوا البلد إلى مزرعة للقط.. سيبقى العرب أكثر من عشرين دولة يتباوسون في المؤتمرات، ويبتسمون أمام المصورين، ويرفعون الشعارات، لكنهم يتقدمون للخلف».كل الباطل وأجزاء الحقبعبارات محددة، ورؤية مستنيرة، قال الراحل تريم عمران في مقال نشر عام 1980 تحت عنوان «كل الباطل وأجزاء الحق»: «ليست المشكلة مشكلة قوة، فالقوة دائماً تعد عنصراً متغيراً وفق الظروف والمعطيات، أما الحق فخالد، وغير قابل للتجزئة، فإذا وضعنا هذه القاعدة الأخلاقية في موضعها الصحيح، فإنها تعمل لصالحنا سواء في السياسة أو في الحرب».وتابع في مقاله: «وتجنبنا الكثير من الإذلال غير المبرر، والمواقف غير الكريمة، فالحق مثلاً يؤخذ ولا يستجدى، وصاحب الحق قوي به، وليس حتماً على هذا الجيل، أو الذي بعده أن يستعيد كل الحقوق، لكن يتحتم عليه أن يعمل لاسترجاعها، وذلك بأن يوفر القوى القادرة عند استكمالها على فرض حقه على الخصوم والأصدقاء معاً».موقف زايد.. ووقفة ديستانحول اللقاء السريع الذي جمع المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع الرئيس الفرنسي ديستان، خلال وقفته القصيرة في مطار أبوظبي عام 1980، كتب تريم عمران مقالاً بعنوان «موقف زايد.. ووقفة ديستان» قال فيه، إن اللقاء اكتسب أهمية فوق العادة، ليس فقط لأنه يتم في ظرف غير عادي بالنسبة لمنطقة الخليج والعالم، ويتم على حافة حرب توشك أن تتحول إلى صدام عالمي بين القوى الكبرى. وأضاف: «وما يعنيه من رعب ليس مثله رعب، لكن الأهمية الأشد لهذه الوقفة وهذا اللقاء، أنه يتم بين رمزين، لا يمكن تجاهل تأثرهما بالانفجار، وتأثيرهما فيه، زايد رئيس دولة هي بشكل أساسي عنصر مهم من عناصر المعادلة الراهنة، وصاحبة رأي وموقف فيما يدور، وديستان هنا ممثل مجموعة الدول الصناعية التي تعيش على النفط ولا تملكه، ومن مصلحتها أن يبقى النفط آمناً أولاً، وحراً ثانياً».لبيك اللهم لبيكفي 19 أكتوبر 1980، الذي وافق حينها موسم الحج، نشرت صحيفة «الخليج»، مقالاً للراحل تريم عمران، جاء فيه: «إن الإسلام في محنة من أشد محنه التاريخية، وهكذا فالعروبة في محنة أكبر، لأن العروبة بخير، ما بقى إسلامها بخير، وهذه الحقيقة يشهد بها هذا الجمع الذي يأتي بغير العرب، ومن كل فج عميق، إلى قلب أرض العرب، ليدفعوا عهداً قديماً، ويقسموا قسماً عظيماً، يتجددان كل عام».وتابع المقال: «وهذا الربط بين العروبة والإسلام، يجعل منا أصحاب مسؤولية أكبر تجاه الرسالة التي شرفنا بظهورها فينا، وهذه إرادة الله، لا نملك إلا أن نصدع لها، ونوافق مسيرتنا على هديها، وإلا كنا مقصرين في الأمانة، ومتخلفين على مستوى الفكرة العظمى، التي كنا وما زلنا جنودها وسدنتها».ما انتظرناه معاً يحضر أمام عيوننافي عيد «الخليج» التاسع عام 1988، كتب تريم عمران مقالاً أكد فيه، أن خيارات الكلمة مفتوحة على كل الاتجاهات، ثمة كلمة تنطلق بالحب وبالإيمان في وجه الخطأ، والزور، والبهتان، كما ينطلق الحجر بيد فتى عربي في الأرض المحتلة بكل حبه لوطنه، وتاريخه ومستقبله، وبكل إيمانه بحقوقه.وقال: «وثمة كلمة حق تفتح الآذان، وتدخل القلوب، وتستقر في الوجدان، وثمة كلمة حق تغضب، وتصرخ، وتتفاعل، لكنها لا تنزلق ولا تنساق، إن الكلمة شهادة، وستظل كلمة (الخليج) تشهد أن أمتنا العربية تحلم بالحرية أكثر من حلمها بأي شيء آخر، وأن إنساننا العربي كفؤ، وجدير بعصره وزمانه، وقادر على اجتراح المعجزات، وإن مراسي الوطن مكانها القلوب، مكنونة فيها، لا يهزها شيء».