فرحة بلغة "براي": تلاميذ كفيفون يتلمّسون الحروف في معرض تونس الدولي للكتاب

تورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فرحة بلغة "براي": تلاميذ كفيفون يتلمّسون الحروف في معرض تونس الدولي للكتاب, اليوم الخميس 1 مايو 2025 08:47 مساءً

فرحة بلغة "براي": تلاميذ كفيفون يتلمّسون الحروف في معرض تونس الدولي للكتاب

نشر في باب نات يوم 01 - 05 - 2025

307578
في ركن هادئ من أجنحة معرض تونس الدولي للكتاب، تهادى موكب صغير من التلاميذ، هم لا يحملون حقائب وإنما يحملون أملا كبيرا في أن تعانق أصابعهم كتابا لكن هو ليس كأي كتاب بل مطبوعا بطريقة "براي" ويُخاطب عيونهم بلغة اللّمس.
هؤلاء التلاميذ القادمون من "مدرسة النور للمكفوفين" ببن عروس، رافقتهم أستاذتهم درة بن عمر في زيارة لمعرض تونس الدولي للكتاب (25 أفريل - 4 ماي 2025). وقد بدت هذه الزيارة بحثا مرهقا بين الأجنحة عن وجود نادر يتمثل في كتب مطبوعة بطريقة "براي".
كانت خطواتهم خفيفة من جناح إلى آخر وأملهم ثقيل. أصوات الباعة لا تنقطع في جذب الحرفاء ورفوف مترعة بالعناوين وورق يلمع تحت الأضواء، لكن لا أثر لما جاؤوا من أجله فكل شيء يوحي بالمعرفة إلا أن المعرفة بالنسبة إليهم ظلت في طي الغياب.
تقول الأستاذة درة بن عمر، وهي أستاذة مدارس فوق الرتبة مميز بمدرسة النور للمكفوفين ببن عروس، في حديثها مع وكالة تونس افريقيا للأنباء: "منذ طفولتي وأنا أزور المعرض، كنت مولعة بالقصص لكن كنت أعود في كل مرة محمّلة بالألم. إخوتي يشترون القصص وأنا لا أجد ما أقرأه. اليوم تغيّر المشهد قليلا، فقد بدأت الجهود لتوفير بعض القصص بطريقة براي، لكن الطريق لا يزال طويلا".
وبينما كانت المجموعة على وشك الاستسلام لخيبة أخرى، قادتهم الصدفة إلى جناح صغير الحجم لكن محتوياته رفيعة وقيّمة، إنه "دار سالي للنشر" حيث كانت المفاجأة سارة جدّا هناك بالنسبة إليهم.
ووسط دهشة الأطفال وتساؤلهم، كانت الأستاذة درة تكبت دموعا غامرة بالفرح. فهذه المرة الأولى التي يجدون قصصا مصممة خصيصا لهم ومكتوبة بلغة "براي" من جهة، وبالخط العادي من الجهة المقابلة. وبجانب النص رسومات مجسّمة يمكن تحسّسها بالأصابع.
هنا تتحدث أحلام محمود إدريس، صاحبة دار سالي وباحثة في علم نفس الطفل: "أردت أن أبتكر كتابا يُشعر الطفل الكفيف أنه غير مستثنى. فليس له فقط كتب مدرسية وهو من حقه أن يملك كتابا للمتعة والخيال والمغامرات". وأضافت: "لذلك أصدرت أول قصة تونسية مخصصة للأطفال المكفوفين مكتوبة بطريقة براي ومرفقة برسوم لمسيّة تتيح للطفل رؤية' الصورة بأنامله".
وتحدّثت أيضا عن التكلفة المادية الباهظة لهذا المشروع، قائلة: "هذا العمل مكلف جدا فطباعة كتاب البراي تحتاج جهدا خاصا وكذلك الرسومات اللمسية التي يتم تنفيذها يدويا". وبنبرة يحدوها الحماس والتفاؤل استحضرت صاحبة دار سالي للنشر ابتسامة طفلة صغيرة وهي تلمس كتابا للمرة الأولى، مؤكدة: "شعرت أن المشروع يستحق كل شيء."
وكان الوجدان في الجناح يتّقد ضحكات ولمسات مستكشفة ودهشة تسكن وجوه الأطفال، وكأنهم يلامسون لأول مرة شكلا جديدا من الحياة. يقول أحد الأطفال معبّرا عن غبطته وسعادته التي لا توصف وبصوت بالكاد يُسمع وسط أصداء الأصوات التي تملأ أرجاء المعرض: "أنا نجي كل عام للمعرض، أما المرة هاذي أول مرة نلقى حاجة نقراها." ونحب كي نرجع مرة جاية ديما نروّح بحاجة نقراها".
لقد كانت هذه الزيارة للأطفال المكفوفين لحظة انكشاف، إذ تبيّن أن توفير كتاب بلغة المكفوفين ليس ترفا ثقافيا بل هو ضرورة إنسانية ملحّة حتى تكتمل مساواة هؤلاء الأطفال مع بقية أطفال تونس. وتختم الأستاذة درّة حديثها بالدعوة إلى تطويع الكتب المدرسية أيضا ليُرفق المشهد الوصفي فيها بصور مجسمة. و"حينها نمنح للتلميذ الكفيف فرصة كاملة للمطالعة والتفاعل والحياة عبر الورق ليقرأ ويبني هو الآخر".
وهكذا غادر هؤلاء التلاميذ المعرض هذه المرة لا بخُفّيْ حنين بل بقلوب مفعمة بما يشبه النصر ذلك النصر الصغير الذي يُكتب بلغة الصمت واللمس ويُقرأ من دون عيون لكنه يُحسّ بقوة النور.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق