اليوم الجديد

الهروب إلى الخيال..

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الهروب إلى الخيال.., اليوم الاثنين 12 مايو 2025 03:14 صباحاً

الهروب إلى الخيال..

نشر بوساطة jebadr@ في البلاد يوم 12 - 05 - 2025


من الطبيعي أن يحلم الإنسان بحياة أفضل، أو يسعى لتحقيق طموح يراوده، كأن يحلم بالاستقلال المالي، تأسيس مشروعه الخاص، أو الظفر بشريك حياة تشاركه الاستقرار. تلك أحلام مشروعة، بل ضرورية، فهي الوقود الأول لكل إنجاز عظيم. غير أن الفرق الجوهري يكمن بين الحلم المرتبط بالسعي والعمل، وبين الهروب إلى الخيال عبر "أحلام اليقظة" التي لا تتجاوز جدران الذهن.
أحلام اليقظة، في جوهرها، ليست سوى ملاذ آمن من واقع مرير، يُمنِّي فيه الإنسان نفسه بعالم مثالي لا يعرف تعباً ولا عوائق. إنها أشبه برجلٍ يجلسُ كلَّ صباحٍ على أطراف الطريق، يغرق في تصوراتٍ عن كنوز لا تنضب، وقصور تُبنى بلا جهد، بينما جيبه خاوي ويداه عاجزتان عن تحصيل حتى قوت يومه. هذا النمط من الهروب لا يبني طموحاً، بل يشلّ الإرادة ويغذي الوهم.
ولأحلام اليقظة وجهان؛ أحدهما مضيء يثري الخيال ويشعل جذوة الإبداع، يُلهم الفنان والكاتب والمفكر والمبتكر، متى ما اقترن بالعمل وسُخّر كوسيلة لا كغاية. أما الوجه الآخر، فهو عاتم خانق، يُغرق صاحبه في غشاوة من الأوهام التي تفصله عن الواقع، وتعطله عن أي تقدم ملموس.
الفرق واضح بين من يتخيل مشروعاً، ثم ينهض لوضعه على أرض الواقع، وبين من يبني قصور أحلامه على رمال الخيال، فتتبدد مع أول موجة من الواقع. الأول حالم طموح، والثاني هارب منهك.
الأخطر أن يتحول هذا الهروب المستمر إلى عادة، بل إلى إدمان. فقد أظهرت دراسات نفسية أن نحو 2.5 % من البالغين يعانون من "أحلام يقظة مفرطة"، تجعلهم يقضون ساعات طويلة في عوالم متخيلة، تؤثر سلباً على إنتاجيتهم، وتشوّه علاقاتهم الاجتماعية. بعضهم يدرك عبثية هذا الانغماس، لكنه لا يقوى على التحرر منه، كمدمن يخجل من اعترافه، لكنه عاجز عن التوقف.
إن الخيال حين يتجاوز حدوده ليصبح بديلاً دائماً للواقع، يتحول من نعمة ملهمة إلى لعنة خانقة. فالهروب لا يصنع واقعاً، والراحة اللحظية التي يمنحها الخيال، تُنبت مرارة أعمق عند العودة إلى الحياة الحقيقية. وحدها الإرادة هي الجسر الذي يعبر عليه الحالم من عوالم الخيال إلى أرض الإنجاز. فالأحلام لا تُصنع في الخيال، بل تُولد في العقل، وتكبر بالعمل وتُثمر بالإصرار.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




أخبار متعلقة :