نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بيئة أكثر أمانًا واستدامة, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 04:57 صباحاً
نشر بوساطة منيرة السويلم في الرياض يوم 09 - 05 - 2025
في ظل التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المملكة العربية السعودية نحو تنمية مستدامة شاملة، تبرز الطاقة المتجددة بوصفها خيارًا وطنيًا محوريًا يتجاوز كونها بديلًا بيئيًا نظيفًا، ليغدو ركيزة حيوية لإعادة تشكيل البنية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. فمع تسارع الخطى نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030، لم يعد الحديث عن الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح مقتصرًا على الجانب التقني أو البيئي، بل أصبح من الضروري مقاربته من زاوية أوسع تشمل التوظيف، والعدالة الاجتماعية، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز الأمن الطاقي الوطني. تفتح مشاريع الطاقة المتجددة الكبرى، مثل محطة سكاكا للطاقة الشمسية ومشروع دومة الجندل لطاقة الرياح، آفاقًا غير مسبوقة لبناء قطاع جديد متكامل يعتمد على الكفاءات الوطنية، ويغذي منظومة الابتكار المحلي، ويخلق بيئة مواتية لريادة الأعمال الخضراء. هذا التحول لم يكن ليتحقق لولا توافر إرادة سياسية واضحة، ودعم حكومي مستمر للاستثمار في بنية تحتية تقنية وبحثية متطورة، تعزز من موقع المملكة كمركز إقليمي وعالمي في إنتاج الطاقة النظيفة وتخزينها وتصديرها. لكن الأهم من كل ذلك، أن هذا التحول بات يمس الحياة اليومية للمجتمعات المحلية، لاسيما في المناطق الريفية والنائية التي ظلت لعقود على هامش التنمية المركزية. لقد أصبحت الطاقة المتجددة أداة للعدالة الاجتماعية، تسهم في خفض تكاليف المعيشة، وتحسين الخدمات الأساسية، وتوفير وظائف مستدامة للأجيال الشابة. هذا النص يستعرض من خلال شهادات ومواقف مجموعة من المهندسين والطلبة السعوديين، الأبعاد المتعددة لهذا التحول، ويرصد كيف يتقاطع الطموح الفردي مع التوجه الوطني لبناء مستقبل أخضر مزدهر، تُسهم فيه الطاقات السعودية الشابة في صياغة مشهد طاقي جديد، تقوده الابتكارات، وتدعمه الرؤية، ويخدم الإنسان والمكان.
آفاق واسعة للتوظيف
وفي هذا السياق، أكد المهندس عبدالله مشرع السبيعي، خريج جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في مجال الطاقة المتجددة، أهمية الطاقة النظيفة في تعزيز التنمية المستدامة للمجتمعات المحلية، مشيرًا إلى دورها الحيوي في تحسين جودة الحياة في المناطق الريفية والنائية، وتوفير فرص عمل جديدة، وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية. وأضاف السبيعي أن الاستثمارات المتزايدة في هذا القطاع تُعد حلاً واقعيًا لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المملكة. وأوضح السبيعي قائلاً: "باعتباري خريجًا من قسم هندسة الطاقة المتجددة، أرى أن التحولات الأخيرة في قطاع الطاقة في المملكة قد فتحت آفاقًا واسعة للوظائف، لا سيما في ظل التحول الوطني نحو مصادر طاقة نظيفة، وفقًا لمستهدفات رؤية 2030. لم يعد قطاع الطاقة المتجددة مجرد خيار تجريبي، بل أصبح جزءًا استراتيجيًا في خطط الدولة التنموية، ويتجلى ذلك في مشاريع كبيرة مثل محطة سكاكا للطاقة الشمسية، ومشروع دومة الجندل لطاقة الرياح، بالإضافة إلى الخطط الطموحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق". وأضاف: "لقد خلق هذا التحول طلبًا متزايدًا على الكفاءات الوطنية في مجالات مثل التصميم، التشغيل، تحليل الطاقة، والهندسة، وكذلك في تقنيات جديدة مثل الشبكات الذكية وتخزين الطاقة. ولم تعد الفرص محصورة في الشركات الكبرى، بل ظهرت مسارات جديدة في الشركات الناشئة، والمراكز البحثية، وريادة الأعمال الخضراء". وتطرق السبيعي إلى تجربته الأكاديمية، قائلاً: "لقد ساعدتني دراستي على بناء قاعدة علمية صلبة في مجالات الفيزياء الحرارية، وانتقال الطاقة، وتقنيات توليد الطاقة المتجددة. كما ساهمت مشاريعي الجامعية في تعزيز مهاراتي في التصميم والتحليل باستخدام البرمجيات المتخصصة". وأشار إلى مشاركته في برامج إثرائية، مثل برنامج جامعة طوكيو للطاقة المستدامة، وكذلك تمثيله للجامعة في معرض Saudi MET، حيث قدم ملصقًا بحثيًا عن تقنيات الطاقة الشمسية. وأشار أيضًا إلى تجربته العملية مع شركة ناشئة، حيث استطاع تطبيق ما تعلمه أكاديميًا في تطوير منتج ابتكاري نال جائزة عالمية في معرض جنيف للاختراعات. وخلص إلى القول: "هذه التجارب الأكاديمية والبحثية والمهنية أعطتني رؤية شاملة لمستقبل الطاقة، وأكدت لي أن النجاح في هذا القطاع يتطلب معرفة تقنية ومهارات تفكير ابتكاري، إلى جانب القدرة على التكيف مع سرعة تطور السوق". وفي ختام حديثه، أكد السبيعي أنه تخرج في "توقيت ذهبي"، حيث تتلاقى طموحاته المهنية مع احتياجات المملكة في مجال الطاقة المتجددة. وأضاف: "أنا مستعد الآن للمساهمة الفعالة في بناء منظومة طاقة متجددة وطنية، تدعم اقتصادنا، وتحفظ بيئتنا، وتفتح آفاقًا لأجيال قادمة من المهندسين السعوديين".
من الفكرة إلى التغيير الجذري
في قلب التحول نحو الطاقة المتجددة، يبرز الابتكار كعنصر محوري في تجاوز التحديات التقنية وتحقيق أقصى درجات الكفاءة في إنتاج الطاقة. فمع تزايد الحاجة إلى حلول أكثر فعالية، لم يعد الاكتفاء بالموارد الطبيعية كافيًا وحده، بل أصبح من الضروري تطوير تقنيات مبتكرة ترتقي بأداء الأنظمة، وتخفض التكاليف، وتعزز استدامة الموارد. وفي هذا السياق، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تبني تقنيات متقدمة تدعم البحث العلمي وتُمكن العقول الوطنية من الإسهام في بناء مستقبل طاقي يعتمد على الذات ويعزز من الذكاء الاصطناعي. وفي حديثنا مع المهندس سلمان مصطفى هلال، عضو هيئة التدريس في كلية الهندسة، أكد أن الابتكار في قطاع الطاقة المتجددة لا يعد خيارًا تقنيًا فحسب، بل هو ضرورة تمهد لنهضة صناعية وبيئية واقتصادية متكاملة. وتطرق إلى التحديات التقنية التي تواجه هذا القطاع، مشيرًا إلى أن الحلول المبتكرة التي تتعامل معها المملكة قد تفتح آفاقًا واعدة ستسهم في تحويل هذه التحديات إلى إنجازات ملموسة. وقال المهندس سلمان: "إن الابتكار في الطاقة المتجددة هو المحرك الرئيس للنهضة المقبلة في هذا القطاع، تمامًا كما أحدثت الثورة الصناعية الرابعة نقلة نوعية في عالم الصناعة، وكما قاد التحول الرقمي إلى تطور غير مسبوق في التقنيات. العالم مليء بمصادر الطاقة المتجددة، فالدراسات تشير إلى أن الطاقة الشمسية التي تصل إلى سطح الأرض في ساعة واحدة، قادرة على تلبية احتياجات العالم من الطاقة لمدة عام كامل." وتابع هلال متحدثًا عن التحديات الرئيسة التي تواجه الطاقة المتجددة، متمثلة في ضعف الكفاءة، غالبًا بسبب القيود المرتبطة بالمواد المستخدمة في التصنيع والتصاميم التقليدية غير المثلى. لكن الابتكار في تصميم الأنظمة وتحسين خصائص المواد المستخدمة، مثل تطوير مواد أكثر كفاءة في امتصاص الضوء أو تخزين الطاقة، سيحدث تحولًا جذريًا في هذا القطاع. من الناحية الاستراتيجية، تُعد المملكة واحدة من الدول الرائدة التي تمتلك مقومات قوية تجعلها في طليعة الدول المبدعة في مجال تقنيات الطاقة المتجددة. فالمملكة غنية بالموارد الطبيعية الأساسية مثل السيليكون المستخدم في تصنيع الخلايا الشمسية، والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة التي تدخل في صناعة البطاريات وأنظمة تخزين الطاقة.
بعدٌ اجتماعي يتجاوز التقنية
لا تقتصر أهمية الطاقة المتجددة على الجوانب البيئية والاقتصادية فحسب، بل تمتد آثارها لتصل إلى جوهر الحياة الاجتماعية، مغيرةً بذلك العديد من أنماط الحياة في المجتمعات، خاصة في المناطق التي بقيت لعقود بعيدة عن التطور والتنمية المركزية. ففي تلك الأماكن، تلعب مصادر الطاقة المتجددة دورًا محوريًا في تحسين مستوى المعيشة، من خلال توفير حلول طاقة مستدامة، وخفض تكاليف الحياة اليومية، وتحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. في هذا السياق، التقينا بالمهندس عبدالعزيز الغامدي، طالب من كلية الهندسة، قسم الطاقة، في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، الذي سلط الضوء على الأثر المجتمعي الكبير لمشاريع الطاقة المتجددة. وأشار إلى كيف يمكن لهذه المشاريع أن تصبح أداة حيوية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. قال عبدالعزيز: "تمثل الطاقة المتجددة أحد الأعمدة الرئيسة لتحقيق التنمية المستدامة، لا على مستوى الدول فحسب، بل في قلب المجتمعات المحلية. وفي ظل التوجه العالمي المتسارع نحو الطاقة النظيفة، أصبحت هذه الطاقة عاملاً مؤثرًا في تحسين حياة الناس اليومية، خصوصًا في المناطق الريفية والنائية التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية. وبفضل توفر مصادر الطاقة المتجددة بشكل محلي، أصبح بإمكان المجتمعات الاستفادة منها دون الاعتماد على مصادر خارجية. فأنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، على سبيل المثال، توفر الكهرباء للمنازل والمدارس والمراكز الصحية في المناطق التي لا تغطيها الشبكات التقليدية، مما يسهم في تحسين التعليم والرعاية الصحية، ويخلق بيئة أكثر أمانًا وصحة." وأضاف: "كما أن مشاريع الطاقة المتجددة تساهم في خلق فرص عمل جديدة في مجالات تركيب وصيانة الأنظمة وتشغيل المحطات المحلية، مما يقلل من البطالة ويوفر دخلًا مستقرًا للعائلات. علاوة على ذلك، تساهم في خفض تكاليف الطاقة، ما يتيح للأسر تخصيص مواردها المالية لاحتياجات أخرى مثل الغذاء والرعاية الصحية. من الناحية البيئية، تسهم هذه المشاريع في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يحد من الانبعاثات الضارة ويحسن جودة الهواء والماء، ما ينعكس إيجابًا على صحة الإنسان." وتابع عبدالعزيز قائلاً: "لقد أسهمت دراستي في توسيع فهمي لهذا الدور المجتمعي للطاقة المتجددة. لم أعد أراها مجرد مسألة تقنية تتعلق بالكهرباء، بل أصبحت تمثل أداة للتغيير المجتمعي والتحول الاقتصادي. من خلال دراسة المشاريع الميدانية وتحليل البيانات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالطاقة، أصبح لدي وعي أكبر بكيفية تصميم حلول متكاملة تلبي احتياجات الناس وتراعي واقعهم المعيشي."
تنويع الاقتصاد الوطني
يمثل التحول إلى الطاقة المتجددة خطوة استراتيجية حاسمة في بناء مستقبل المملكة، ليس فقط من منظور بيئي أو اقتصادي، بل كجزء من رؤية وطنية طموحة تتماشى مع أهداف رؤية 2030. في ظل التحديات المناخية العالمية، تبرز الطاقة النظيفة كأداة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، تعزيز أمن الطاقة، وتنويع مصادر الدخل الوطني. في هذا السياق، يقول فيصل تركي الغامدي، طالب من كلية الهندسة - قسم الطاقة، جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل: "في ظل التوجه الوطني المتسارع نحو الطاقة المتجددة، أصبحت هذه الطاقة خيارًا استراتيجيًا مهمًا لبناء مستقبل مستدام في المملكة. لم يعد اعتماد الطاقة المتجددة مجرد اتجاه عالمي، بل أصبح ضرورة تفرضها التحديات البيئية والمناخية، وكذلك الحاجة الملحة لتنويع الاقتصاد الوطني والحد من الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للطاقة." وأضاف فيصل: "السعودية، بما تمتلكه من إمكانات طبيعية هائلة، تعد من أكثر الدول تأهيلاً للاستثمار في الطاقة المتجددة، وخاصة في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. فالمملكة تتمتع بموقع جغرافي يجعلها واحدة من أغنى دول العالم بأشعة الشمس، فضلاً عن مساحات الصحراء الواسعة التي تسمح بإنشاء مشاريع ضخمة دون التأثير على المناطق السكنية أو البيئية الحساسة. مشاريع مثل "سكاكا للطاقة الشمسية" و"دومة الجندل لطاقة الرياح" تمثل نماذج عملية لرؤية المملكة في التحول نحو الطاقة النظيفة." وتابع فيصل قائلاً: "إن الطاقة المتجددة لا تقتصر فائدتها على تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء والماء فحسب، بل أيضًا تعزز مكانة المملكة الدولية في مجالات المناخ، خاصة فيما يتعلق باتفاقية باريس للمناخ. بالإضافة إلى دورها البارز في التحول إلى اقتصاد أخضر ومستدام." وأشار فيصل إلى الأبعاد الاقتصادية للطاقة المتجددة، قائلاً: "الاستثمار في هذا القطاع يعد خطوة ذكية نحو تعزيز الاقتصاد الوطني، حيث يفتح أبواب فرص العمل في مجالات التكنولوجيا والهندسة والصيانة، ويعزز من قدرة المملكة على جذب الاستثمارات الأجنبية، كما يشجع على تطوير الكفاءات السعودية في القطاعات التقنية المتقدمة".
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
أخبار متعلقة :