نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدكتور أحمد علوش… قصة كفاح وسيرة أكاديمية ملهمة تجاوزت التحديات بالصبر والمعرفة, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 04:30 مساءً
من ظلّ البوابة إلى منصة الأدب والتكريم
نشر في الرأي يوم 30 - 05 - 2025
- الرأي - خلود النبهان - جازان :
تستمر جازان في إبراز قصصٍ تنتمي لوجدان الوطن، ويقف خلفها أبناؤها ممن تجاوزوا التحديات ليكونوا نماذج سعودية يُحتذى بها.
ومن بين هذه النماذج، تبرز سيرة الدكتور أحمد علوش، أستاذ الأدب والنقد الحديث المساعد بجامعة جازان، بوصفها تجربة تنتمي لمدرسة الصبر والتدرج، لا القفز السريع ولا الفرص المهيأة. لم يبدأ رحلته من واجهة الضوء، بل من خلف الأبواب؛ حيث عمل حارس أمن ليلًا ونهارًا في بداية حياته، وهي وظيفة لم تكن قيدًا على طموحه، بل كانت جزءًا من ملامحه الأولى، ومن تفاصيل الرحلة التي آمن أنها لا تُقاس ببدايتها، بل بنواياها ووجهتها.
كان الطريق شاقًا، لكنه لم يطفئ شغفه. فبين نوبات العمل المتواصلة، كانت الكتب رفيقة دربه، ومصابيح صغيرة تعينه على المضيّ في الظلمة. لم تكن القراءة ترفًا، بل نافذة للبقاء، وحبلًا يربطه بمستقبل يتخيله أكثر عدلاً واتساعًا. في تلك المرحلة المبكرة من حياته، لم يكن يملك من أدوات الرفاه إلا الكتاب. كانت نوبات العمل الطويلة تستنزف الجسد، لكن القلب كان معلقًا بشيء أكبر من الراتب البسيط: بدرس لم يُكتب بعد، وباسمٍ لم يُعرف بعد، لكنه يؤمن بأنه سيُقال لاحقًا.
وفي إحدى مقابلاته، ذكر الدكتور أحمد أنه "كان يعمل حارس أمن، ويحمل معه كتبًا يقرؤها أثناء فترات الراحة، دون أن يشعر بالخجل من العمل، لأنه كان يراه مرحلة، ويؤمن بأنه سيصل إلى ما يطمح إليه."
وبين صفحات الأدب، وفي ظل الصمت، تشكّلت رؤيته النقدية؛ لم يأتِ إلى النص بوصفه سلطة، بل بوصفه امتدادًا للحياة عاشها، وفهمها بعمق.
ورغم وعورة الطريق، لم يكن وحده. فهناك، في البيت البسيط، كانت الأم تهيئ له فضاءً آخر لا يُقاس بالمال ولا بالدرجات العلمية. أمٌّ لم تكن تعرف مصطلحات النقد، لكنها عرفت تمامًا أن هذا الابن المتعب يحمل مشروعًا لا يجب أن يُطفأ. كانت تقرأ فيه شيئًا أكبر من ظروفه، تراقب خطواته من بعيد، وتدعو له في صمت الليل، في الوقت الذي كان فيه العالم منشغلًا بضجيجه، وكانت هي تكتب له دعاءً بصوتٍ لا يُسمع، لكنه يصل.
حين واصل دراسته العليا، لم يكن عبوره إلى هذا المسار ناتجًا عن ظروف ميسّرة، بل جاء امتدادًا لطريق صاغه بنفسه. خاض مراحل دراسته وسط التزامات معيشية وضغوط متعددة، دون أن يسمح لها بأن تعيق تطلعه العلمي. كانت خطواته في البحث متأنية لكنها راسخة، مدفوعة بإرادة واعية، ورغبة صلبة في تجاوز المألوف. لم يكن الطريق ممهدًا، لكنه شقّ طريقه فيه بتصميم، وفرض حضوره بالاجتهاد والانضباط، لا بالفرص المصنوعة.
وحين جاءت لحظة الاعتراف بهذا المسار الهادئ والمجتهد، كُرّم الدكتور أحمد علوش في حفل (قدوات) لرواد التأثير والأسوة الحسنة، ضمن نخبة من السعوديين الذين أسهموا بأثرهم في مجتمعاتهم، وذلك برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز، أمير منطقة عسير ورئيس هيئة تطويرها. وكان ظهوره في ذلك المحفل أكثر من لحظة احتفاء، بل استدعاء صادق لحكاية بدأت بصمت، وواصلت طريقها بثبات حتى أصبحت جزءًا من ذاكرة وطنية تُحتفى بها.
وربما كانت رحلته تقول – دون أن يدّعي – إن الكفاح الحقيقي لا يُعلن عن نفسه، بل يُثبت حضوره بهدوء، مثل نبتة تنمو في الظل، لكنها لا تتوقف عن النمو.
ولأن الطريق لم يكن سهلاً، فقد مضى فيه كما تمضي الأفكار الناضجة: بهدوء، وبثقة، وبوعي أن الوصول لا يعني الوقوف، بل الاستمرار من موقع مختلف. يجلس اليوم في موقع أكاديمي رفيع، لكنه لا يزال يردّد داخله ما تعلمه مبكرًا: أن كل خطوة صغيرة، حين تُؤخذ بنيّة واضحة، تُراكم أثرًا لا يُستهان به.
وسيرة الدكتور أحمد علوش تُقدَّم بوصفها تجربة صادقة في مواجهة التحديات، ودليلًا على أن الطموح حين يُصاحب بالصبر والمعرفة، يمكنه أن يجد مكانه، ولو بعد حين.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق