الجميع ضحية الجميع

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الجميع ضحية الجميع, اليوم السبت 3 مايو 2025 12:17 مساءً

الجميع ضحية الجميع

نشر بوساطة محمد العزي في الوطن يوم 03 - 05 - 2025

1164534
في أول الأمر، يبدو كل شيء واضحًا... هناك ظالم وهناك مظلوم. هناك من يؤذي، ومن يُؤذَى.
هناك خط فاصل بين الخير والشر، بين الأبيض والأسود. لكن ما إن تقترب أكثر، حتى تبدأ الألوان بالتمازج، وتتلاشى الحدود. وتكتشف فجأة أن الحقيقة أعقد مما تبدو، وأننا جميعًا في مكانٍ ما، على امتداد هذا الخط المتذبذب، ضحايا... وجلادون.
لا يبدأ الأمر بجريمةٍ دموية تُعلن عنها الصحف؛ بل بفعلٍ يوميٍّ تبدو براءته مُخادعة. حين تتجاهل رجلاً مسنًّا يطلب المساعدة، قد تكون كرّست فكرة أن الضعف لا يُرى، ولا يُلتفت له، وحين تُقاطع حديث أحدهم لأنك تعتقد أن رأيك أهم، قد تكون سحقت بذرة ثقةٍ كانت تنمو بصعوبة في داخله.
وحين تقف صامتًا أمام ظلمٍ يقع أمامك، قد تكون ارتديت دون أن تدري قناع الجلّاد، لا عباءة المتفرّج.
وحين تختار الصمت لأن الأمر «لا يعنيك»، قد تكون نسيت أن الحياد في وجه القسوة... انحياز.
وحين تهمسُ بكلمة استهزاءٍ عابرة، قد تحفر جرحًا في نفسٍ لن يندمل.
بطريقة أو بأخرى نحن نُؤذي دون أن ندرك، ونُؤذَى دون أن نشعر. الجهل هنا ليس عذرًا، بل هو الجسر الذي يعبر عليه الظلم. وكلُّ فعلٍ بشريٍّ، ولو بدا صغيرًا، يحمل في طياته بذور ألمٍ ما، وكأنما الحياة لعبةُ دومينو لا تنتهي: تسقط قطعةٌ فتُسقط ما بعدها.
الإنسان لا يعيش في الحاضر فقط، نحن كائنات زمانية - نحمل ماضينا فوق ظهورنا، ونتطلّع إلى مستقبل لم يُخلق بعد، بينما نحاول النجاة في لحظةٍ عابرة اسمها «الآن».
وفي هذه «الآن»، تتصادم الأرواح. كلٌ يسير محمّلًا بما لا يُرى... جروح لا يراها الطبيب، وندوب لم تصلها اللغة، واحتياج دفين لا يعبّر عنه السلوك.
وحين لا نجد من يفهم، لا مفر من أن نُصبح مثل من لم يفهمونا.
وحين لا نجد عدلًا، نتحول إلى قُضاة.
وحين لا نجد حبًا، نُغلق الباب على أنفسنا ونُدير ظهورنا للعالم، وكلٌّ منا يقول: «أنا المجروح، فلماذا أعتذر؟»
لا أحد يبدأ الشر من لا شيء. نحن نكرر ما تلقيناه، نعيد تدوير الألم، ونُسقط عجزنا على من حولنا. ليس لأننا أشرار، بل لأننا مذعورون نبحث عن طريقة للبقاء. وكلما حاول أحدنا أن ينجو، كانت نجاته سببًا في غرق غيره، الجميع ينهش الجميع، والجميع يشتكي من الذئاب ببساطة لأننا خائفون، والخوف شيء يتوارث.
والخوف حين لا يُواجه، لا يختفي... بل يتنكر في هيئة تسلط، أو غضب، أو برود قاتل.
لم تكن المشكلة يومًا في فردٍ ولا لحظةٍ بعينها، بل في منظومة كاملة، تتغذى على الصمت، وتزدهر حين نقبل أن نكون «ناجين» ولو على حساب الآخرين.
فمن منا لم يكن يومًا سببًا في أذى دون أن ينتبه؟ من منا لا يجرّ خلفه سلسلة غير مرئية من الضحايا؟!
في النهاية، حين تنظر مليًا... لا ترى بريئًا كامل البراءة، ولا مذنبًا كامل الجرم. ترى فقط بشرًا، يسقطون، ينهضون، يؤذون ويُؤذَون، وكلٌّ منهم يحمل في داخله صرخة قديمة، لم تجد يومًا من يسمعها.
فمَن يعتذر لمَن؟!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




أخبار ذات صلة

0 تعليق