نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رؤية اقتصادية وصحية طويلة المدى, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 02:49 صباحاً
نشر بوساطة منيرة السويلم في الرياض يوم 02 - 05 - 2025
في خضم التغيرات العالمية المتسارعة التي فرضت على الدول مراجعة أولوياتها الاستراتيجية، برزت قضية الأمن الدوائي كأحد أهم ركائز السيادة الوطنية والاستقرار الصحي. وفي المملكة العربية السعودية، لم يكن هذا المفهوم مجرد ردة فعل ظرفية، بل تحوّل إلى مسار وطني مدعوم بإرادة سياسية واضحة، ورؤية اقتصادية وصحية طويلة المدى، تتجسد بوضوح في مستهدفات رؤية 2030. على مدى سنوات، كانت المملكة تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد الأدوية من الخارج لتلبية احتياجاتها المتزايدة. ومع تنامي التحديات الصحية عالميًا، من أوبئة وجوائح وأزمات في سلاسل الإمداد، بات من الضروري التحوّل من نموذج المستهلك إلى المنتج. ومن هنا انطلقت السعودية بخطى متسارعة نحو بناء منظومة دوائية متكاملة، قائمة على التصنيع المحلي، والبحث العلمي، وتوطين الكفاءات. اليوم، تشهد المملكة تحولات جوهرية في هذا القطاع، بدءًا من إنشاء مصانع دوائية متطورة، مرورًا بإطلاق مبادرات لتشجيع الاستثمار في التقنيات الحيوية، وصولًا إلى اعتماد سياسات رقابية وتنظيمية تسهم في رفع جودة المنتجات وتسهيل دخولها إلى السوق المحلي والدولي.
أولوية وطنية
لم تعد صناعة الدواء تقتصر على إنتاج المستحضرات الطبية، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مفهوم الأمن الصحي الشامل، الذي يضمن للمجتمع توفر الأدوية الأساسية بشكل دائم، وبجودة عالية، وبأسعار معقولة، بعيدًا عن التأثر بالتقلبات السياسية أو الاقتصادية العالمية.
ويتسع هذا المفهوم ليشمل عناصر أخرى، مثل الرقابة على الجودة، تطوير الكفاءات البشرية، ضمان عدالة التوزيع، وتكامل سلاسل الإمداد، بما يعزز قدرة المملكة على الاستجابة السريعة لأي طارئ صحي، كما حدث خلال جائحة كورونا حين أثبتت المصانع المحلية قدرتها على تغطية الطلب على الأدوية والمستلزمات الأساسية.
جهود مؤسسية ومبادرات نوعية
حرصت الدولة على تفعيل دور جميع الجهات المعنية لدفع عجلة الصناعة الدوائية، بدءًا من وزارة الصحة، وهيئة الغذاء والدواء، ووزارة الاستثمار، وهيئة المدن الصناعية "مدن"، وصولًا إلى الجامعات ومراكز الأبحاث. وتمثلت هذه الجهود في: تحفيز التصنيع المحلي عبر تقديم التسهيلات للشركات الوطنية والعالمية الراغبة بإنشاء مصانع في المملكة. وإطلاق مبادرات توطين الصناعة، من خلال دعم سلسلة الإنتاج والتوزيع، وتقديم حوافز للاستثمار في الأدوية الحيوية والتقنيات المتقدمة. وتعزيز البحث العلمي عبر شراكات استراتيجية مع الجامعات السعودية، لدعم أبحاث تطوير الأدوية وتحسين جودة الإنتاج المحلي. وتأهيل الكفاءات الوطنية في تخصصات دقيقة مثل الهندسة الصيدلانية، والجودة الدوائية، والتقنيات الحيوية.
تمكين العقول الوطنية
أولت المملكة أهمية خاصة لتأهيل الكفاءات الوطنية القادرة على قيادة نهضة صناعة الأدوية، حيث قدمت الجامعات برامج أكاديمية متقدمة في علوم الصيدلة والتقنيات الحيوية. كما تم دعم مراكز البحوث للتركيز على الأمراض الشائعة محليًا، والعمل على تطوير حلول علاجية متقدمة وملائمة. ولا يقتصر دور الجامعات على الجانب التعليمي فقط، بل يتعداه إلى الشراكة الصناعية من خلال الحاضنات الابتكارية، والمراكز البحثية المشتركة مع القطاع الصحي، مما يسهم في خلق بيئة علمية قادرة على إنتاج حلول دوائية وطنية ذات طابع تطبيقي وتجاري.
خارطة طريق نحو الاكتفاء
جاءت رؤية المملكة 2030 لتؤكد أن الاكتفاء الذاتي في صناعة الدواء ليس ترفًا اقتصاديًا، بل خيارًا استراتيجيًا لتحقيق الاستقرار الصحي والاقتصادي معًا. فقد وضعت الرؤية هدفًا طموحًا يتمثل في رفع نسبة التصنيع المحلي للأدوية إلى 70 %، إلى جانب تقليص الاعتماد على الاستيراد، وزيادة المحتوى المحلي في القطاعات الحيوية. وشهدت الفترة الماضية إطلاق عدة مبادرات داعمة، مثل "استثمر في السعودية" لجذب الاستثمارات الدوائية النوعية، وبرامج تمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الأدوية، إلى جانب دعم مشروعات الابتكار وريادة الأعمال في التقنيات الطبية.
خلق وظائف وتنوع اقتصادي
إضافة إلى دوره الصحي، أصبح قطاع الأدوية أحد أعمدة الاقتصاد الوطني غير النفطي. فتوطين الصناعة أسهم في خلق الآلاف من فرص العمل المتخصصة، سواء في التصنيع أو مراقبة الجودة أو سلاسل التوريد. كما أسهم في خفض الإنفاق على الاستيراد، وفتح آفاق جديدة للتصدير نحو الأسواق الخليجية والإقليمية، مما يعزز مكانة المملكة كمحور إقليمي للصناعات الدوائية. وفي ظل التطور التقني، تتجه المملكة لبناء صناعة دوائية ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والطباعة الحيوية، وإنترنت الأشياء، لتقديم حلول أكثر دقة وكفاءة في الإنتاج. كما يجري تبني ممارسات صديقة للبيئة في المصانع الجديدة، تماشيًا مع التوجهات العالمية نحو الاستدامة وتقليل الانبعاثات في العمليات الصناعية.
التحديات مستمرة
رغم التقدم اللافت، يواجه القطاع تحديات مثل استمرار الاعتماد الجزئي على المواد الخام المستوردة، وندرة بعض التخصصات العلمية الدقيقة، والحاجة إلى دعم أكبر للبحث والابتكار. إلا أن الفرص تبدو واعدة، فالسوق المحلي في توسع، والدعم الحكومي مستمر، والتوجهات نحو شراكات دولية تعزز من نقل التقنية والمعرفة.
دور الشباب والمرأة
لا يمكن تجاهل الأثر الفاعل للشباب السعودي في دفع عجلة التصنيع الدوائي، خصوصًا خريجي كليات الصيدلة والهندسة الكيميائية. كما أثبتت المرأة السعودية حضورًا بارزًا في المختبرات والمصانع ومراكز البحوث، ما يعكس نجاح سياسات التمكين التي جعلت من الكفاءات الوطنية عنصرًا فاعلًا في بناء المستقبل الصحي للمملكة.
نحو أمن دوائي مستدام
ختامًا، فإن مسيرة المملكة نحو تحقيق أمنها الدوائي لم تعد مجرد طموح، بل واقع يتشكل يومًا بعد يوم عبر استراتيجيات متكاملة، وسياسات واضحة، واستثمار في العقول والبنية التحتية. ومع تواصل هذا الزخم، تبدو المملكة ماضية بثقة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، وترسيخ مكانتها كمركز إقليمي رائد في صناعة الأدوية، يضمن لمجتمعها علاجًا آمنًا، موثوقًا، ومستدامًا.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق